Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر February 20, 2020
A A A
لهذه الاسباب اصبحت اعادة الهيكلة حتمية
الكاتب: سابين عويس - النهار

لطالما عُرف عن رئيس مجلس النواب نبيه بري انه يسعى دائمًا الى ان يشكل كلامه او موقفه بوصلة يرسم من خلالها خريطة طريق.

لم يكد يفجر في لقاء الاربعاء الاسبوع الماضي قنبلة في دعوته الى التشبه بتجربة كهرباء زحلة، مفردا اولوية مطلقة لهذا الملف، بعدما ضاق ذرعا بالمماطلة والتعطيل في ادارة هذا الملف، ساعيا الى وضع يده على الملف أقله من باب تشغيل معامل الجيه ودير عمار والزهراني، حتى انبرى في لقاء الامس النيابي الى تفجير قنبلة من عيار ثقيل جدا، عندما تناول لأول مرة ملف استحقاق سندات الاوروبوند، مبديا رأيا حاسما يرى فيه ان اعادة هيكلة الدين هو الحل الامثل، من دون ان يغفل اهتمامه بالكهرباء الذي ادرجه في المرتبة الثانية، بما ان نصف الدين العام اضافة الى العجز السنوي يأتي من هذا القطاع.

يُفهم اهتمام بري بملف الدين الذي تتولى وزارة المالية ادارته، ويشكل كرة نار ترمى في ملعب رئيس المجلس، لنجاحه في تلقفها نتائج غير قليلة لن تتوقف مفاعيلها على فريقه السياسي، وانما على المشهد السياسي ككل بعدما تمادت قوى سياسية مختلفة في الامعان في تحميل الخزينة كلفة هذا الدين، حتى بلغ مستويات خطيرة جدا، ادت الى التنصل من مسؤولية معالجته ورميها في كرة المصرف المركزي والمصارف.

ليس التهويل باستحقاق التاسع من آذار ورفع مستوى مخاطره – وهي طبعا موجودة وغير خافية – حجبا للأنظار عن القطبة المخفية الحقيقية التي يعمد بعض من في السلطة الى استغلالها، بل تحضيرا لتحقيق المآرب منها. ففتح ملف الدين العام من باب الاوروبوندز يرمي في ما يرمي اليه، الى فتح ملف الهندسات المالية للمصرف المركزي وطلب الاطلاع على ميزانيته، تمهيدا لكشف محظورات من شأنها اذا قرئت في العمق ان تحدث زلزالا.

بالامس، سلم حاكم مصرف لبنان رئيس الحكومة الارقام المطلوبة حول الميزانية التي يفترض ان تلحظ ايضا احتياطاته من العملات الاجنبية. لكن الارقام غير مشجعة خصوصا اذا ما قورنت الموجودات مع المطلوبات، وهو ما فعلته الوكالة الدولية للتصنيف الائتماني “فيتش”، وما دفعها الى التوقع بأن الوضع المالي يشير الى اعادة هيكلة الدين.

وما بين ميزانية المركزي والمصارف والمالية العامة للدولة، في ظل الاوضاع الاقتصادية المنكمشة التي لا تشي بأي احتمالات لتحقيق نمو اقتصادي وتحصيل ايرادات، ستكون مهمتها الاساسية عمليا خدمة الدين، وفي ظل تفشي الكثير من المعلومات عن التوجهات الحكومية المتصلة باستحقاق 9 آذار، التي تؤثر على توجهات السوق وحاملي السندات، وما بين ايحاءات رئيس السلطة التشريعية التي ترى في اعادة الهيكلة الخيار الامثل، يصبح هذا الخيار حتميا، فيما تبقى معرفة الآليات التي ستعتمدها الحكومة في مفاوضاتها مع حاملي السندات.

ومع انتظار بدء بعثة النقد الدولي الى بيروت دورها في تقديم المشورة التقنية للحكومة، ومع تحضير وزارة المالية لاستدراج عروض للشركات القانونية الدولية التي ستساعد في المفاوضات، تكون الحكومة قد قطعت شوطا مهما على طريق الاعلان عن قرارها قبل نهاية الشهر الحالي.

تؤكد مصادر وزارية في هذا المجال ان لبنان لا يريد ان ينتهي به المطاف مثل فنزويلا، حيث أعطيت الأولوية للمقرضين على حساب تأمين الحاجات الأساسية”. ولذلك، تحرص الحكومة على الاحتفاظ بما تبقى لدى المركزي من احتياطات لتأمين هذه الحاجات التي تقدرها “فيتش” بنحو 10 مليارات دولار سنويا، كاشفة ان لدى المركزي ما يكفي لتغطية هذه الحاجات لسنتي 2020-2021. علما ان الوكالة ترى ان هذه القدرة على الدفع والسداد ستضعف لاحقا، لان النقص في العملات الأجنبية المتاحة في المصارف، وفي الاقتصاد عموماً، سيولد ركودًا عميقا. من هنا، تفضل الوكالة الاستمرار في وضع الضوابط على حركة الاموال والتحويلات، لأنه، ورغم الاحتياطات من النقد الأجنبي، لخدمة التزامات سداد الديون السيادية، فإن تكاليف الوفاء بتلك الالتزامات ستكون مرتفعة. سيما وان أصول مصرف لبنان من إجمالي العملات الأجنبية كافية على الورق لكي يسدد خدمة الدين الخارجي لسنتي 2020 و2021.

على المقلب الحكومي، امام مجلس الوزراء اليوم اقتراحات سيرفعها وزير المالية غازي وزني بأسماء 8 شركات خبراء ماليين و3 خبراء قانونيين قدموا ملفاتهم من اجل تقديم المساعدة في موضوع اعادة الهيكلة، وسيختار المجلس اثنين منهما، يوم الجمعة، في جلسة يتوقع ان يعقدها. والطريق امام الحكومة بات واضحا بين الذهاب الى تنظيم قرار التخلف إما بالتفاهم وهنا يضع الخبير القانوني الاطار القانوني المطلوب، واما عشوائيا، وعندها سيترتب على لبنان التحضر لمواجهة الدعاوى القضائية. علما ان هناك توجه ايضا للاستعانة بخبير مالي دولي للمساعدة في تنظيم القطاع المصرفي.

من جهة اخرى، علم ان وزير المالية سيرفع الى رئيس الحكومة اليوم تعميم المركزي في شأن الصلاحيات الاستثنائية لتنظيم العمل المصرفي، تمهيدا لاقراره في مجلس الوزراء وتحويله الى مشروع قانون يحال الى البرلمان لاصداره بقانون.