Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر January 6, 2020
A A A
أرقام العجز تُرجّح وصول عجز 2019 الى 6.5 مليار دولار
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

مع استمرار المماطلة في تشكيل الحكومة لأخذ خطوات إصلاحية من أجل لجم عجز الموازنة ومواجهة التحدّيات المالية في العام 2020، خرجت أرقام وزارة المال لتزيد من المخاوف على المستقبل المالي للدولة اللبنانية. فأرقام تشرين الأول 2019 والتي نشرتها وزارة المال على موقعها الإلكتروني، تُشير إلى أن العجز تراجع في شهر تشرين الأول إلى 651.5 مليار ليرة لبنانية مقارنة بـ 964.6 مليار ليرة لبنانية في شهر أيلول. ومن زاوية أخرى تراجع عجز الموازنة على الأشهر العشرة الأولى من العام 2019 (6 تريليون ليرة لبنانية) مقارنة بالفترة نفسها من العام 2018 (7.1 تريليون ليرة لبنانية). وإذا كانت هذه الأرقام إيجابية، إلا أنها لا تعكس الواقع الإجمالي والذي ينص على أن إيرادات شهري تشرين الثاني وكانون الأول الماضيين، تراجعت بنسبة 40% بحسب وزير المال علي حسن خليل وهو ما يفرض أنه مقارنة بالأشهر السابقة، سترتفع نسبة العجز 40% ليصبح هذا العجز في نهاية العام 6.46 مليار دولار أميركي أي ما يوازي 11.9% من الناتج المحلّي الإجمالي، أخذين بعين الإعتبار الـ 1.58 مليار دولار أميركي إستحقاقات دين عام تمّ دفعها في شهر تشرين الثاني الماضي.
بالطبع هذا الرقم مبني على أن النفقات بقيت على نفس المُعدّل وهناك تراجع في الإيرادات بنسبة 40% على الشهرين الأخيرين من العام 2019. وبالتالي، فإن أي زيادة في النفقات أو تراجع إضافي في الإيرادات قد تظهر لاحقًا، ستؤدّي حكمًا إلى رفع هذا العجز.
إذًا رسميًا، يُمكن القول أن لبنان دخل النفق المالي المُظلم وسيُدخل دون شكّ في فوضى إقتصادية ونقدية نظرًا إلى الترابط بين هذه البيئات الثلاث من خلال عدّة قنوات. أيضًا لن يكون الشق الإجتماعي في حال أفضل نظرًا إلى أن هذه البيئات الثلاث تؤثّر مباشرة على المواطن.
وليس بشيء جديد القول أن الخروج من هذه الأزمة لن يكون سهلا مع التأخير في تشكيل الحكومة والعوامل السياسية الإقليمية المُستجدّة. لذا بدأ خيار طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي يحتل مراتب عالية في خيارات الدولة اللبنانية مع ما سيرافقه من شروط «إصلاحية» سيفرضها صندوق النقد للقبول بمساعدة لبنان ماليًا.
عمليًا، عدم تشكيل الحكومة يعني أن لبنان لن يصمد ماليًا وسيكون العجز في مستويات لا يستطيع تحمّلها. أضف إلى ذلك جوّ الغموض الذي يخلق حالة من فقدان الثقة بالإقتصاد والقطاع المصرفي، سيُسرّع في عملية ضرب النظام المالي حيث من المتوقّع أن يشهدّ لبنان إنحرافًا مهمًا على الصعيد المالي في الأشهر القادمة إذا إستمر الوضع على ما هو عليه من دون حكومة.
التأخير في تشكيل الحكومة، مهما كانت الأسباب، يعني أن القوى السياسية وقّعت على وثيقة إفلاس لبنان. نعم هذا القول يُمكن إستنتاجه من تقارير وكالات التصنيف الإئتماني وعلى رأسها موديز، إذ لم نر أي تقرير من دون أن يكون تشكيل «حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات» على رأس البنود المطلوبة! وللأسف أصبحت هذه الوكالات وبعض مكاتب الدراسات الإقتصادية تقوم بسيناريوهات إعادة هيكلة الدين العام مما يعني أنهم جزموا هذا الأمر نظرًا إلى الأمل المُتبقّي في إنقاذ لبنان من دون إعادة الهيكلة يذهب مع الريح بعدم تشكيل الحكومة.
هل تعي القوى السياسية مدى خطورة الأمر؟ مع كل ما يشهده القطاع المصرفي من عمليات تهافت على الودائع من قبل المواطنين، أصبحنا في حالة فقدان ثقة بالكامل مع العلم أن الإقتصاد مبني على الثقة! فكيف ترى هذه القوى الحلول لإستعادة الثقة؟
يبقى القول أنه في كل هذا الإطار الأسود، هناك نقطة إيجابية تتمثّل بأن 84% من الدين العام هو دين داخلي يحمل قسماً كبيراً منه المواطنون أنفسهم الذين سيُسدّدون الدين العام عبر الضرائب! وبالتالي يُمكن تفادي إعادة هيكلة الدين العام عبر عقد وطني بين المواطن والدوّلة على فترة مُعيّنة لإمهال الدوّلة القيام بإصلاحات جدّية تُعيد الى المالية العامّة الإنتظام المطلوب على فترة لا تتخطّى السنتين أو ثلاث سنوات. لأن العكس يعني أننا ذاهبون إلى إعادة هيكلة الدين العام وهذا الأمر يحمل في طيّاته من: زيادة الضرائب والرسوم، سحب الدعم عن السلع والخدمات، تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية، التخلّص من عدد كبير من موظفي القطاع العام، خفض أجور القطاع العام (إلى ما يُقارب النصف)، خصخصة المرافق العامة والشركات العامة… كل هذه الإجراءات ستكون مُوجعة جدًا للمواطن الذي وللتذّكير هو من سيقوم بسداد الدين العام المتراكم نتيجة السياسات الحكومية منذ عقود.
على كل الأحوال لا شيء مما ذكرناه أعلاه يُمكن تحقيقه إلا من خلال حكومة قادرة على القيام بإصلاحات جدّية ووقف نهج الإدارة المالية للدولة القائم منذ عقود والذي أوصل البلد إلى ما هو عليه. ولا يُمكن نسيان الفساد الذي أطاح بكيان الدولة ومؤسساتها وماليتها ومواطنيها، وبالتالي لا يُمكن تخيّل أي نوع من أنواع الإصلاحات إلا ومحاربة الفساد جزء أساسي منه.
وفي الختام، كل يوم تأخير في تشكيل الحكومة والقيام بالإجراءات الإصلاحية اللازمة، يُكبدّ الخزينة العامة أموالا طائلة سيتحمّلها المواطن اللبناني على شكل ضرائب لن تتأخر في الظهور.