Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 2, 2016
A A A
هل تصبح المنطقة العربية غير صالحة للسكن؟
الكاتب: هافنغتون بوست

gallery-preview

يتذكر شكري الحسن، أستاذ علم البيئة في مدينة البصرة الساحلية العراقية، كيف كان مناخ البصرة حتى السبعينيات مثل جنوب أوروبا، حتى أطلق العراقيون على البصرة لقب فينيسيا الشرق الأوسط، حيث روى شط العرب الأهوار الوفيرة، وكانت تأتي خيرة تمور العالم.
إلا أن الحرب، وتسرب المياه المالحة من البحر بسبب السدود المشيدة عكس مجرى النهر، والتنقيب عن النفط، كل ذلك دفع المزارعين إلى ترك أراضيهم، مما سبب خسائر فادحة، فأصبحت معظم الأراضي الرطبة والبساتين مجرد صحراء بحسب تقرير نشرته صحيفة “The Economist”.
يصل الآن متوسط حدوث العواصف الرملية والغبارية في العراق مرة كل 3 أيام، وقد وصلت درجات الحرارة هذا الشهر في البصرة إلى 53.9 درجة مئوية، وهو رقم قياسي تخطته سابقاً كلاً من الكويت ووادي الموت في كاليفورنيا.

يقول جيما شيبارد، الذي يعمل في برنامج الأمم المتحدة البيئي في نيروبي، “يظهر تحليل البيانات أن منذ السبعينيات ازدادت وتيرة التطرف الحراري، بينما انخفضت أيام وليالي الصيف الباردة”.
وتظهر بعض الدراسات، أنه على عكس أجزاء اخرى من العالم والتي أدى تغير المناخ فيها إلى مناخ أكثر اعتدالاً، فإن تغير المناخ في الشرق الأوسط أدى إلى صيف أكثر حدة، حتى على الحافة الغربية لمنطقة الشرق الأوسط، التي تعد أكثر اعتدالاً، وصلت درجة الحرارة في المغرب إلى 47 درجة مئوية، وذلك في أعلى مستوياتها خلال النهار.
تشير دراسة أكاديمية هولندية نشرت في نيسان، أنه يمكن أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 7 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، وتوقعت دراسة أخرى للأمم المتحدة أن العواصف الرملية ستزداد في العراق من 120 عاصفة سنوياً لتصل إلى 300 سنوياً.
الجدير بالذكر أن آليات مواجهة تغير المناخ في المنطقة صارت أقل من ذي قبل، وقد استنفدت الزيادة السكانية إمدادات المياه، ما أدى إلى أن أصبحت ثلثي الدول في شبه الجزيرة العربية، و”الهلال الخصيب” دون الحد الأدني من مقومات بقاء الإنسان، وذلك وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
وفي صنعاء عاصمة اليمن، من المتوقع أن تنفذ المياه في 2019 أو قبل ذلك، وفي تعز الواقعة جنوبها بحوالي (260 كم)، انهارت معدلات المياه الجوفية بالفعل. وفي العراق، يمتلك بعض الناس مكيفات الهواء، لكن انقطاع التيار الكهربائي الذي يصل إلى 16 ساعة يومياً، يجعلها عديمة الفائدة.
والشرق الأوسط هو موطن لأكبر نسبة من اللاجئين (39%) في العالم، حيث يعيش مئات الآلاف في خيام، يقول أمين مكتبة في قرية شمالي البصرة “إذا هبت الرياح من الشمال، فهي تجمع الغاز من حقل قرنة، ويضيف “إذا هبت الرياح من الجنوب، تكون محمله بالغاز من حقل مجنون”.
التدهور البيئي لا يجعل الحياة فقط غير مريحة، إنما قاتلة. أصدرت وكالة البيئة التابعة للأمم المتحدة (UNEA) تقريراً في شهر أيار يشير إلى أن عدد من لاقوا حتفهم نتيجة للظروف المناخية القاسية وصل إلى 230,000 شخص سنوياً في غرب آسيا (شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب)، مما يجعلها قاتلة أكثر من الحروب.
ويتوقع الدكتور الفاتح الطاهر، أستاذ المناخ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنه في الفترة بين 2070 إلى 2100 ستصل درجات الحرارة في معظم دول الخليج إلى مستويات لا يستطيع تحملها الفرد لأكثر من 6 ساعات.
قد تبدو أعلى مستوياتها حالياً مجرد يوم صيفي عادي، لكن في موسم الحج في مكة المكرمة في الهواء الطلق سيكون الوضع خطراً للغاية، وأضاف إن “ما نشهده ليس إلا غيض من فيض”. كما تابع قائلاً “درجات الحرارة المرتفعة ستكون أسوأ بكثير في المستقبل”.
على أصعدة عديدة صارت الأوضاع في المنطقة أسوأ مما كانت عليه، فالري الصناعي قد جفف البحيرات وحول البحار إلى مناطق قاحلة. يتقلص البحر الميت متراً واحداً سنوياً، فضلاً عن أن البترول الذي جعل من دول الخليج دولاً ثرية في وقت خيالي، فما كان نعمة صار نقمة وعلى وشك أن يخنقها.
كما أنه وفقاً لتوقعات تغير المناخ، فإن ارتفاع منسوب البحر قد يغرق 11% من دولة البحرين بحلول نهاية القرن. ويمكن القول إن الحرب والتحضر تضافرا معاً لطرد سكان الريف من أرضهم. وبينما يتسارع التصحر، ترفع العواصف الرملية مخلفات الحرب المشعة إلى الهواء. بالإضافة إلى أن الحرب تعوق الدول عن تنفيذ تدابير مضادة مثل زراعة الأشجار.
يأتي الجزء الأكبر من سحب الغبار من الصحراء الكبرى، ولكن نظراً لأن الأطراف الشرقية تقع في مناطق الصراع، لا يمكن التدخل والوصول للأراضي كي تُعالَج بيئياً، وذلك وفقاً لما ذكره جاكوي ماكغليد، كبير العلماء في برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
بينما يمكن للدول الغنية أن تدفع مقابل عزلها في بيئات اصطناعية. في الكويت، والتي سجلت 1.0 درجة مئوية أكثر من البصرة لهذا الأسبوع، قامت المراكز التجارية بتقليل درجة برودة المكيفات لدرجة دفعت الناس إلى إطلاق الدعابات بشأن الصيف، وأن الكويت توفر لمواطنيها “أبرد صيف” على وجه الأرض. علاوة على أن مساحات الأراضي المستصلحة ربما تفوق مساحات الأراضي المفقودة بسبب ارتفاع مستوى البحر.
وبينما تزداد التكلفة، يزداد الوعي أيضاً. ففي خطة نائب ولي عهد السعودية محمد بن سلمان لتحويل بلاده بحلول عام 2030، وعلى الرغم من ارتفاع تكاليفها، فهي تهدف إلى توليد 9.5 جيغاوات من الطاقة المتجددة.