Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 8, 2019
A A A
هدوءٌ يسبق العاصفة أم تبريدٌ للرؤوس الحامية: هل بدأت عجلة التفاهمات بالتدحرج؟
الكاتب: فراس عزيز ديب - الوطن

دون سابقِ إنذار خفتت حدةَ التهديداتِ والتهديدات المضادة في هذا العالمِ المجنون، لتبدو الرؤوس الحامية كمن يرفع شعارَ أن لا أحد يريد الحرب، وربما التعبير الأدق: لا أحد قادراً على تحملِ تبعات الحرب، حالةٌ جعلت روح التهدِئة الطارئة في المنطقةِ تحلِّق بجناحين: الأول، الانتصارات المتتالية للجيش العربي السوري في الميدان بما فيها استعداده لإكمال الإطباق على إدلب، والثاني، تنفيذَ المقاومة اللبنانية لوعدها بالردِّ على استشهادِ عنصرين لها في دمشق ارتقيا بغارةٍ إسرائيلية، ردٌّ تبعهُ كلامٌ للأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه بأن ما قبلَ الردّ ليس كما بعده.
تطوراتٌ معطوفةٌ على إخفاق الإدارة الأميركية في الحصولِ على تنازلاتٍ من الإيرانيين فيما يتعلق بالتفاوض على اتفاقٍ نووي جديد، فخفتت حدةَ لهجتهم لدرجةٍ بشرنا فيها وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر بأن إيران تقترب ببطء من وضعٍ يمكنهم خلالهُ إجراء محادثاتٍ ثنائية، وهو ما يبدو حتى الآن نِتاج الوساطة الفرنسية خصوصاً والأوروبية عموماً، تحديداً أن الاتحاد الأوروبي كمنظمةٍ اقتصادية تبدو أكثر المتضررين من فرطِ عقد الاتفاق، ليس من الناحية الاقتصادية فحسب لكن من ناحية المكانة التي تبدو أوروبا تخسرها شيئاً فشيئاً لمصلحة تفردِ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ القرارات، لدرجةٍ بات فيها عدوهم الأزلي وريثَ سلطة الإِجرام العثمانية رجب طيب أردوغان قادر أن يؤثِّر في المسرح الدولي أكثر من أوروبة مجتمعة.
لكن في اتجاهٍ آخر فإن الجانب الإيراني لا يزال يتعاطَى بتحفظٍ معَ الحديثِ عما يتعلق بنجاحِ الوساطة من عدمها، أو بمعنى أدق بفكرةِ عقدِ لقاءٍ بين الرئيسين حسن روحاني ودونالد ترامب على هامشِ اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكن العبرة دائماً في النتائج لا بالنفي ولا بالتحفظات، فالإيراني يجيدُ تطبيقَ مقولة «استعينوا على قضاءِ حوائجكم بالكتمان» بحذافيرها، تحديداً فيما يتعلق بفكرة الاتصال المباشر مع الأميركيين كتلك التي حُكي عنها حول أفغانستان بهدف فتح قنوات اتصالٍ بين الأميركيين وحركة طالبان. كذلك الأمر فالقضية ليست مرتبطة باللقاء المباشر بين روحاني وترامب تحديداً أن التجربة المماثلة لكوريا الديمقراطية لم تأتِ بنتيجة للأميركيين، فالجانب الكوري الديمقراطي دافعَ عن حقوقهِ المشروعة في امتلاكِ التقنيات التي تسمح له بالدفاعِ عن نفسه ولا يبدو أن الجانب الإيراني سيشذ عن هذا الطريق، لكن تعويم أفكار كهذه قد يفيد في قيام الآخرين أيضاً بالبحثِ عن حلولٍ تحديداً إذا كان «زعيمهم» اتجه نحو ذلك، فما الجديد؟
لم يكن غريباً أن يُعلن مساعدَ وزير الخارجية الأميركي للشرقِ الأدنى ديفيد شينكر يومَ الخميس الماضي عن فتح بلادهِ قنوات اتصالٍ مباشرة مع الحوثيين في اليمن بهدف إيجاد حلٍّ يرضي جميعَ الأطراف، اعتراف أميركي مهم ليس لجهةِ الإعلان عنه من السعودية ذات نفسها فحسب، بل لأن قنوات الاتصالٍ تلك هي الأولى من نوعها في عهدِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ربما لم يجاف أحد مسؤولي الجناح السياسي للحوثيين الحقيقةَ عندما اعتبرَ أن إعلان الولايات المتحدة بنفسها إجراء مباحثات كهذه هو أشبهَ بـ«النصر العظيم»، فالولايات المتحدة التي اعتادت الصمت حيالَ تفاصيل كهذه تبدو من خلال الإعلان عن مباحثات كهذه وكأنها تبعث برسائلَ طمأنةٍ لمن لا يثق بها، وبذات الوقت هي تبعث برسائل تأكيدٍ لحلفائها بأن الإدارة الأميركية الحالية لم يعد بإمكانها تغطية ما ارتكبه التحالف المزعوم من جرائم في اليمن، والأهم أنها لم تعد قادرة على تغطية ما يتلقاهُ حلفاؤها من هزائم على يدِ المقاومة اليمنية التي وصلت حدَّ الصدام بين الحلفاء ذات أنفسهم، صدامٌ لم يدفع دولة الإمارات للخروج من معمعة هذه الحرب فحسب، بل إنها باتت تدعم القوات الانفصالية في الجنوب على حساب تلك المدعومة سعودياً.
ربما ستحتاج كل من السعودية والإمارات للكثيرِ من الدعم الإعلامي لتغطيةِ ذيول ما يجري بينهما، لدرجةٍ باتا فيها أمام خيارين أحلاهما مر:
هل هو خلاف؟ عندها يبدو الانفتاح الإماراتي على كل من سورية وإيران أَبعدَ من مجردِ ترك السعودية تغرق بأوحال الهزيمة في اليمن.
هل هو توافق بالحد الأدنى؟ عندها نكون في مكانٍ آخر تماماً، القضية لا تبدو فقط في الحرب على اليمن فماذا عن سورية، هل هي مسارعةٌ لطرقِ أبواب دمشق؟
هم يدركون تماماً أن أبوابَ دمشق لن تكون مغلقة أمام أحد إلا بشروطٍ لا يبدو أنها ستكون مستعصية عليهم تحديداً إذا ما حملوا فعل الندامة، والأهم حسب طريقةِ تفكير «آل سعود» أن التلاقي مع وجهة النظر الإماراتية حول سورية سيسحب من «العدو» القطري أي فكرة لتحقيق انتصارٍ ما، ولكي تتضح الصورة فإن الخلاف الإماراتي- السعودي يجب مقاربته من حيث تداعياته على الملفات التي يتفق ويختلف عليها كلا الطرفين وبمعنى آخر: إن انتهاء الحرب في اليمن ولو بخلاف إماراتي سعودي سيريح الطرفين، كما أن انتهاء الحرب على سورية بطريقةٍ تحفظ وحدة الأراضي السورية يعني خروج القطريين والأتراك من المعادلة، أما استمرار الخلاف وصولاً للملف الليبي مثلاً فسيعني عملياً تسليم ليبيا للميليشيا الإخوانية المدعومة من قطر وتركيا وإضعاف موقف الجنرال خليفة حفتر، من هنا يبدو أن فرضية إنهاء الحرب في اليمن بضمانات تُرضي جميع الأطراف هي مقدمة لتوافقات سياسية قادمة كانت في السابق أشبه بالمستحيلات، فمن جهة تبدو الحرب على اليمن أشبهَ بالتركة الثقيلة التي يريد الأميركي التخلص منها طالما أنه سيضمن إيرادات الأسلحة باتجاه المملكة لتكديسها لا لاستخدامها. من جهة ثانية لربما قد لا يحب أنصار إيران في المنطقة فرضية أن ما يجري في اليمن هو صراع إيراني سعودي، باعتبار أن إيران لم تتورط في الحرب، لكن بالإطار العام شِئنا أَم أبينا فإن اقتراب انتهاء الحرب في اليمن هو مؤشر على سحب بؤرة توتر إيرانية سعودية لا يمكن التسليم بأنها هدية ستهطل من السماء لو لم تكن في إطار توافقات أشمل، فكيفَ ذلك؟
منذ أن حملت السعودية رايةَ الحرب الاقتصادية على روسيا عبرَ رفضِها رفع أسعار النفط، بدا واضحاً أن البرود في العلاقات سيكون هو السمة الطاغية وهذا ما حدث بالفعل، فلا السعوديون تمكنوا من إقناعِ الروسي بشتى الوسائل بفرضيةِ ما يسمونهُ «التخلي عن النظام السوري»، ولا هم استطاعوا بما أنفقوه من أموال إنجاح المهمة. لكن بالاتجاه المعاكس فإن الروسي بدا وكأنه سلَّف السعودي مواقفَ عدة إن كان لجهةِ الصمت الدبلوماسي عن الحرب على اليمن أو حتى في العلاقة مع إيران، إذ بدا الروسي وكأنهُ يتعاطى بذكاءٍ عندما لم يجعل من نفسهِ طرفاً في الخلاف المشتعل بين قطبي الخليج العربي الأهم.
يبدو السعودي اليوم وكأنهُ بحاجةٍ للروسي أكثر من أي وقتٍ مضى، القضية ليست فقط بقدرةِ الروس على انتزاعِ ضماناتٍ فيما يتعلق بإنهاءٍ آمن للحرب على اليمن، ولا حتى تأمينَ فيز العبور باتجاهِ العاصمة دمشق، لكنه عملياً مرتبط بالملف الأكثر تعقيداً في العقود القادمة وهو الاستثمار الاقتصادي، إذ بدا لافتاً أن يعلن رئيس صندوق روسيا للاستثمار المباشر كيريل ديميترييف أن وفداً من الصندوق سيرافق الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارتهِ المرتقبة للمملكة بهدف توقيع العديد من الاتفاقيات في مجال الاستثمار بين البلدين، على هذا الأساس تبدو زيارة الرئيس بوتين أبعدَ من كونها زيارة روتينية، هي عملياً طي لصفحة ماضية أما النظرة للمستقبل فسترسمها العديد من المطبّات بالتشابك مع باقي ملفات المنطقة، فماذا ينتظرنا؟
نبدو الآن أمام فرصة حقيقية لالتقاط الأنفاس ما دام فتيل الحرب قد تم نزعهُ، فالأميركي وضع صفقة القرن في الثلاجة إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية، لكن ماذا لو سقط رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو؟ ليبقى السؤال الأهم: أين التركي من كل ذلك؟
ربما من سوءِ حظه أن الجميع بمن فيهم من كانوا ينظرون إليه كمنفذٍ لإراداتهم باتوا ينظرون إليه كجزء من المشكلة، لنعد بالذاكرة إلى الكلام الروسي عن نفاد صبرهم من التباطؤ التركي بتنفيذ التزامات تركيا تجاه إدلب، اليوم يبدو التركي كمن رضخَ، لكن هل هو الرضوخ المنبثق عن صحوة الموت؟ لسنا نحن من نجيب، من ستجيب هي الوقائع القادمة التي ترجح فرضية أن التفاهمات الكبرى إن حدثت فسيدفع ثمنها كل أرعنٍ تفردَ باستقراءِ مصالحهِ فقط لا مستقبل المنطقة، وهل من أرعنٍ أشدّ سذاجةٍ من ذاك الذي يغلق بوجهِ نفسه بوابة الشرق بعد أن كانت مفتوحة له، لينتقل من تبشيرنا بالصلاة في الجامع الأموي إلى الانكفاء تائهاً في مشاكله الداخلية والحزبية، ويتابع عن قرب الاجتماع المهم بين ربيبهُ ما يسمي «الائتلاف السوري المعارض» وممثلين عما يسمى «الروهينغا»، أليسَ هناك من يخبر هؤلاء الحمقى أن خليفتهم أضاعَ حتى اتجاه قبلتهِ السياسية!