Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر July 26, 2019
A A A
أين غاب العهد القوي؟
الكاتب: مروان اسكندر - النهار
اللبنانيون اشبعوا كلامًا عن العهد القوي وهم يبحثون يوميًا عن مؤشرات القوة، فيواجهون ببراهين ان الكلام عن العهد القوي، لا يتجاوز الاحلام غير القابلة للتحقيق.
لقد شاهدنا مدى أشهر مساعي الحكومة لوضع صيغة مقبولة للموازنة، وتأخر التصويت على مشروع الموازنة لسنة 2019 عشرة أشهر، وتفاجأنا بمؤشرات غير مقنعة عن التزام قواعد ضبط العجز على مستوى 7.6 في المئة وقد قاربنا اذا لم نتجاوز هذه النسبة خلال سبعة أشهر.
اعتبر ان معالجات العجز واسبابه كانت بالفعل مغيبة وان بعض منطلقات الموازنة مخالفة للدستور، فكيف يحق لمجلس النواب فرض ضرائب على معاشات التقاعد وهذه يفترض انها مقررة لحفظ مستوى حياة المواطنين الذين بذلوا جهودهم للقيام بوظائفهم والتصدي لاي عدوان خارجي او داخلي موحى به من الخارج.
كيف لنواب المجلس ان يقتطعوا من تعويضات العسكريين وهؤلاء انتسبوا الى الجيش لانه حافظ على مستوى من الانتظام والتصدي واصبح الجيش اليوم وسيلة لحماية النظام، وأي نظام هو هذا؟
النظام الذي نتحدث عنه يشمل توزيعات غير معقولة لنواب الامة، سواء على مستوى المعاشات المدفوعة لـ12 شهرًا لمجلس نواب لا ينعقد أكثر من ستة اشهر في السنة، وكيف يجوز ان تخصص للنائب لدورتين اقساط اولاده الجامعية في الجامعات الخاصة؟
هؤلاء النواب المتخمون بالتعويضات حاليًا وبعد انقضاء دورهم لدورتين بنسبة كبيرة من معاشاتهم السخية اضافة الى تكاليف انتساب افراد عائلاتهم الى الجامعات الخاصة والتي تتجاوز لولدين الـ250 الف دولار لمن يدرس الطب والـ180 الف دولار لمن يدرس الهندسة.
ممثلو الشعب – وليتهم كذلك – يتمتعون بتعويضات تقاعدية ومخصصات لدراسة ابنائهم غير معقولة وغير مقبولة، هؤلاء المتمتعون بفوائض الدولة يريدون التوفير من تعويضات المتقاعدين من العسكر، ولا يرف لهم جفن ولا يتذكرون ان كل ما يخططون لتنفيذه مبني على افتراض توافر قروض ميسرة لاربع سنوات تبلغ 11.2 مليار دولار.
رئيس الوزراء الذي يعمل دون كلل على تسيير الشؤون العامة تجاوز توصيات كان طاقمه قد اقترحها في موضوع الكهرباء منذ عام 2015 حينما صدرت عن كتلة “المستقبل” النيابية دراسة عنوانها “الكهرباء – القطاع الرهينة” (1993-2014- دروس من تجارب الماضي وبرامج المستقبل).
ان سعد الحريري يعلم قضية الكهرباء والهدر الجاري على دعم مؤسسة كهرباء لبنان، والخسائر على حساب ميزان المدفوعات الذي يتحمل 700-800 مليون دولار سنويًا لمستوردات مازوت للمولدات الخاصة (الصغيرة والكبيرة)، كما ان الدخل القومي يتجمد بسبب تحويل المستهلكين نسبة ملحوظة من مداخيلهم لشراء الكهرباء الضرورية لتعليم ابنائهم وحفظ اطعمتهم وتأكدهم مما يجري حولهم.
لقد كان اغفال السعي الى حل حقيقي لمشكلة الكهرباء الدليل الاول على عجز الحكومة عن تبني سياسات اصلاحية حقيقية، وهذا الطلب مكرر على المسؤولين منذ عام 1996 في تقارير البنك الدولي، وفرنسا تدرك هذا الامر جيدًا لان بداية معالجة قضية الكهرباء دفعت الرئيس رفيق الحريري الى استقطاب شركة كهرباء فرنسا للاسهام تقنيًا في تأمين الطاقة الكهربائية لجميع اللبنانيين. وهو رئيس الوزراء الوحيد منذ بداية عقد التسعينات الذي حقق زيادة في الانتاج على مستوى 1040 ميغاوات: 450 ميغاوات في الشمال، و450 ميغاوات في الجنوب، و70 ميغاوات في كل من بعلبك والنبطية.
التغاضي عن اصلاح الكهرباء ببرنامج واقعي وشجاع، عوض خطة هزيلة افترض ان تعوض الاهتمام بالكهرباء، والواقع ان الخطة الهزيلة تمهد لتوسع دور المولدات الخاصة، وعندها يفترض ان تنقض وزارة المال على أرباح هذا النشاط الذي بات يضاهي على صعيد الطاقة 1600 ميغاوات ما هو متوافر وغير عامل حاليًا بكامل قدرته لدى مصلحة كهرباء لبنان.
النائب شوقي الدكاش أثار موضوع طرح التزام لانشاء خزانات للفيول أويل في معمل الزوق – الذي يشكو من تلويث الجو الى حد مخيف – سنويًا مع العلم ان التوجه هو نحو ازالة هذا المعمل وانشاء معمل يعمل على الغاز الطبيعي حفاظًا على صحة الناس وموارد الخزينة وخفضاً للدعم غير المحدود الذي تواجهه مصلحة كهرباء لبنان كلما ارتفع سعر النفط.
والامر المثير للتعجب ان وزيرة الطاقة التي تبذل جهوداً مضنية لتوسيع تعليق الساعات الالكترونية لقياس الاستهلاك، وهذا أمر مقترح منذ عهد سليمان طرابلسي (1998) دون نتيجة، وهي اعترفت بصراحة بان لا علم لها بما اذا كانت المشكلة من الموردين أم من المشغلين، ومع اصرارها على حفظ مسؤولية وضع شروط الالتزامات ومن ثم بتها في يديها يعجب أي مراقب ان تكون سيدة على هذا المستوى من الثقة غير عالمة بما يحصل في مرفق محطة الزوق.
بعد تجاوز موضوع اصلاح الكهرباء، وبعد فرض اقتطاعات على تعويضات التقاعد للعسكريين، والامتناع عن اقرار أي اصلاحات تنال من تعويضات وانساق عمل النواب، تبخر لدى الدول الملتزمة الاسهام في تسهيلات ما سمي مؤتمر “سيدر” توفير اموال داعمة بسهولة للحكومة اللبنانية.
الثقة مفقودة في النظام اللبناني القائم.
لكن امكانات تجاوز المحنة متوافرة ويمكن الاشارة الى بعضها التي يمكن تحريكها في وقت قريب قبل نهاية هذه السنة التي ستشهد زيادة ملحوظة في العجز عن 7.6 في المئة وانحساراً في الدخل القومي.
– يمكن اعتماد حلول اقترحتها شركة “سيمنز” شرط ألا يتولى القطاع العام ادارة المحطات التي تنشأ وألا تستورد وزارة الطاقة محروقات اللقيم.
– يمكن تشجيع شركة كهرباء زحلة على تعميم نسق تأمينها الكهرباء بـ14 سنت للكيلووات/ ساعة لزحلة و13 قرية متاخمة لها وشركة كهرباء زحلة تؤمن التيار بالتعاون مع شركة بريطانية.
– اطراف عرب تجهزوا بعشرات الآلاف من الميغاوات من طاقة الانتاج، ودمجوا هذه المشاريع بمعامل لمعالجة النفايات، وقد استفاد من هذه الطاقات كل من مصر والبحرين ونحن في قاعة الانتظار، لا للانجاز بل لتحقيق عمولات.
كيف لبلد كلبنان ان يحظى بدعم مالي لمدة طويلة والحكم فيه على المستوى الذي نشهده؟
على رغم تلاشي الثقة بالعهد القوي، أبدى الصينيون رغبتهم في التعاون مع لبنان على ثلاثة مشاريع بالغة الاهمية. الصينيون زاروا مرفأ طرابلس وافرغوا فيه حمولة باخرة خاصة بالمستوعبات، واشاروا الى انهم مستعدون لانجاز حماية المرفأ من البحر وتشغيله بنشاط، وكل من زار العاصمة اليونانية حديثاً وشهد نشاط مرفأ أثينا الذي يديره الصينيون يشهد على نشاط هذا المرفأ.
كذلك أوضح الصينيون انهم على استعداد لمعالجة تلوث مياه الليطاني وهم انجزوا مشاريع كهذه في الصين والولايات المتحدة.
أخيرًا الصينيون، اذا ما حازوا المشاريع المشار اليها، لا بد أن يؤسسوا مصرفًا لتمويل أعمالهم وأي نشاطات استيرادية أو سياحية مع الصين.
الوقت يدهمنا، فعسى أن نظهر توجهًا ايجابيًا حيال عروض الصين، ومن يمثلون الصين في لبنان يعتبرون وزيرة الداخلية ريا الحسن خير من يمكن التعاون معه لعلمها وأخلاقها.
وهنالك فرضية تعاون ثالثة مع الصين هي انتاج الكهرباء من خلال انجاز حقول للطاقة المتجددة من رياح والواح شمسية كما توصي منظمة “غرينبيس” البيئية في دراستها عن خطة كهرباء بديلة من خطة الوزارة الحالية، وهذا الامر يجب ان يسبق انشاء المحطات الحرارية. وكما تبين الدراسة، يمكن وصول نسبة الطاقة المتجددة في استهلاك الكهرباء الى 31.2 في المئة بحلول 2026 ورفع نسبة الربح لمؤسسة كهرباء لبنان الى 14 في المئة مقارنة بالربح الذي ستحققه من خلال الخطة الحالية وخفض التسعيرة بنسبة 60 في المئة.