Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر July 21, 2019
A A A
أردوغان المترنح تحت وطأة أزمته الداخلية وورطة “إس 400”
الكاتب: سركيس أبو زيد

استلمت تركيا مؤخراً شحنات المعدات العسكرية الخاصة بمنظومة الدفاع الجوي الروسية “إس400 “، ولم يعلن عن موعد إنتھاء تسليم ھذه المعدات، إلا أن تسلم المنظومة بالكامل قد ينتھي في أيلول المقبل، مع وصول 120 صاروخًا عن طريق البحر إلى تركيا. وكانت موسكو وأنقرة وقعتا في عام 2017 الصفقة التي بلغت قيمتھا نحو مليارين ونصف المليار دولار، ونصت على تزويد تركيا بأربع بطاريات للمنظومة الصاروخية الحديثة. ولم يكن الطريق نحو إبرام الصفقة سھلا في روسيا، إذ برزت سجالات حادة داخل صفوف المؤسسة العسكرية، وأثارت إنقساما في الرأي بين فريقين:

ـ رأى أولھما أن تزويد بلد عضو في حلف الأطلسي بأحدث منظومة صاروخية دفاعية يُعدّ مغامرة بسبب إحتمال كشف الحلف الغربي تقنيات سرية للسلاح الروسي، وشكك ھذا الفريق بقدرة التحالف الروسي ـ التركي على الصمود، في إشارة إلى عدم ثقة جزء من المنظومة العسكرية الروسية بأن أنقرة لن تنقلب في وقت لاحق على روسيا حرصًا على علاقاتھا مع واشنطن.

ـ في حين دافع الفريق الثاني عن الصفقة بقوة، ورأى فيھا فرصة مھمة لتعزيز الشرخ داخل حلف شمال الأطلسي، وبين أنقرة وواشنطن، فضلا عن أنھا مع عدد من المشروعات الاستراتيجية الكبرى، مثل بناء مفاعلات نووية للإستخدام السلمي في تركيا، ومد أنابيب نقل النفط الروسي إلى أوروبا، من شأنھا أن تعزز علاقات وثيقة تقوم على المنفعة المتبادلة بين روسيا وتركيا.

كما رأى خبراء عسكريون روس أن تنفيذ الصفقة من شأنه أن يؤسس لمعادلات جديدة في المنطقة، لأنه يضع أساسا لأوسع تعاون عسكري استراتيجي بين روسيا ودولة عضو في حلف الأطلسي، ويعزز تطلعات روسيا لتثبيت مواقعھا كحلقة وصل أساسية بين أطراف محور إقليمي تحتاج إليه بقوة في إطار توسيع سياستھا وحضورھا في منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط.

ومع إستكمال تنفيذ العقد، ستكون تركيا البلد الأول خارج الفضاء السوفياتي السابق الذي يحصل على ھذا السلاح المتطور، والثالث عالميًا الذي ينشر ھذه الصواريخ على أراضيه، بعد روسيا وجارتھا بيلاروسيا التي تمتلك حاليا منصتي إطلاق لصواريخ “إس 400 ” تم نشرھما على الحدود الغربية في إطار تعزيز دفاعات روسيا وحليفتھا الأقرب في وجه توسع حلف الأطلسي شرقا. وھذا الأمر يعكس جانبًا من دلالات الإصرار الروسي على إستكمال تنفيذ الصفقة مع تركيا.

إلا أن هذا الأمر أدى إلى نشوب الخلاف بين أنقرة وواشنطن بسبب شراء المنظومة الصاروخية الروسية، واعترضت واشنطن وحلف “الناتو” على دمج تلك المنظومة بنظامھا الدفاعي، واعتبرتها تھديدا لطائرة “إف 35 ” الأكثر تطورًا في ترسانتھا، التي تشارك تركيا جزئيا في برنامج إنتاجھا.
في المقابل استمرت ضغوط اللوبي الصھيوني في الولايات المتحدة على إدارة ترامب لإلغاء صفقة الـ”إف 35 ” مع تركيا، باعتبار أن “إسرائيل” ھي الجھة الوحيدة في المنطقة التي تملك ھذه الطائرات، وقد تستھدفھا صواريخ الـ”إس 400 ” المتطوّرة.
ورأى الخبير أستاذ العلوم السياسية الألماني توماس إيغير أن الصراع حول توريد أنظمة “إس 400” الروسية إلى تركيا قد يسفر عن إنسحابھا من حلف الناتو، الأمر الذي سيكون إنتصارًا كبيرًا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وذكر، في مقال بمجلة “فوكس أونلاين” أن الصفقة بين أنقرة وموسكو ستؤدي إلى تدھور العلاقات الصعبة بالأساس بين تركيا والولايات المتحدة، لا سيما أن واشنطن ستضطر لفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائھا ھذه الأنظمة.

في غضون ذلك، كشفت تقارير أن أردوغان يكثف البحث عن مخرج من ورطة صواريخ “إس 400” الروسية، رغم تأكيده في العلن تمسكه بھا. ونقلت مجلة “دير شبيغل” الألمانية عن مصادر رفيعة لم تسمھا، أن أردوغان في العلن يصر على التمسك بالصفقة مع روسيا، لكنه يبحث باستماتة خلف الأبواب المغلقة عن مخرج من الورطة التي وضع بلاده فيھا، مع إظھار واشنطن حسمھا في القضية.

وذكرت المصادر أن أردوغان يخشى التراجع بشكل مفاجئ وغير مبرر عن الصفقة، ما ستنتج عنه أزمة حادة في العلاقات مع روسيا التي يحتاجھا بشدة في ضوء تعقد الأوضاع في سوريا، لكنه يدرك أيضا أن التمسك باستكمال الصفقة يعني عزلة دولية لتركيا، ويعرض اقتصادھا المترنح بالأساس إلى ھزة عنيفة جدا، لأن واشنطن لن تتوانى عن فرض عقوبات اقتصادية مؤلمة على أنقرة، وتھميشھا سياسيا وعسكريا داخل حلف “الناتو”. ولاننسى هنا، هزيمته الداخلية في الانتخايات الأخيرة والتي مُنيّ فيها بھزيمة ثقيلة وفارق صادم حيث خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول، ليفقد الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية سيطرتھما عليھا للمرة الأولى منذ ربع قرن.

كذلك إنھيار سياسة صفر مشاكل مع دول جوار تركيا وسيحل مكانھا عودة المشاكل والتوترات المرتبطة بالدور التركي في سوريا والعلاقة مع إيران وروسيا والتوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، وھو ما انعكس سلبا على وضع تركيا الاقتصادي والاجتماعي وأدى إلى تراجع قيمة عملتھا. هذا الأمر دفع دول الخليجيون إلى العمل على مراجعة علاقتھم مع تركيا، إذ يخطط عدد من المستثمرين الخليجيين لسحب إستثماراتھم من تركيا، فيما يعتزم آخرون تغيير خطط للاستثمار كانوا يسعون لضخھا في عدد من القطاعات التركية، وذلك بسبب خمسة تحديات تواجه أنقرة خلال الفترة الحالية، تجعل منھا بيئة غير مناسبة للإستثمار، وتتمثل في: الإضطرابات السياسية، التباطؤ الاقتصادي، العقوبات الأميركية، ضعف تطبيق الأنظمة والإلتزام بالعقود، المشاكل التي تواجه السياح الخليجيين والتحذيرات الحكومية، وھذه التحديات تضع البلاد في خانة عدم الوضوح في ما يتعلق بالبيئة الإستثمارية، في ظل التضييق على الإستثمارات الخليجية.

ربما كان من السابق لأوانه شطب أردوغان، حتى لو أنه فقد توازنه، فھو يعرف كيف يخرج من ھذه الھزيمة، ولديه شعبية كبيرة في الأناضول وسيحافظ عليھا في أي انتخابات مقبلة، وھو مقتنع أنه لا يزال يسيطر على مفاصل البلاد، وأنه، حتى في إسطنبول، بإمكانه عرقلة إمام أوغلو في إدارة بلدية إسطنبول لأن غالبية أعضاء مجلس البلدية ينتمون إلى العدالة والتنمية، ولكن الساحة السياسية في تركيا تضج بالأسئلة حول مستقبل تركيا، وھل ھذه بداية النھاية لھيمنة إردوغان، مع إستعداد المعارضة من اليوم للانتخابات النيابية سنة 2023.

فھذه النتيجة كانت بمثابة تصويت ليس على شعبية حزب العدالة والتنمية فحسب بل على مستقبل ومصير أردوغان السياسي وورطته في صفقة منظومة “إس ـ 400” وكيفية خروجه منها وتفادي العقوبات الأميركية على الاقتصاد التركي، وستضع علامات إستفھام حول مسار انتخابات 2023، فهذه الأزمات المتتالية شكلت تحوّلا ھاما في خارطة موازين القوى السياسية ليست فقط على المستوى الشعبي وإنما السياسي ودور تركيا الإقليمي، كذلك دلت أيضاً على أن أردوغان بدأ مرحلة التراجع وفقدان التوازن، إذ باتت المقولة الأكثر رواجا في تركيا الآن، وخارجھا أيضا، أن إسطنبول التي دفعت بإردوغان إلى القمة ھي التي ستنزله منھا.