Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر June 27, 2019
A A A
انتبهوا إلى الجمهوريّة…
الكاتب: الياس الديري - النهار

في الملمّات، وفي الأزمات المُعقّدة كان استاذنا غسّان تويني يبدأ افتتاحية “النهار” بسؤاله المميّز: والآن إلى أين من هنا؟
لمناسبة الدخول إلى كهف الأزمات المكدَّسة، لا بُدَّ من استعادة، أو استعارة سؤال أستاذنا الدائم الحضور.
فلبنان هذه المرحلة وهذه الأيّام لا يختلف عن لبنان ما قبل، ولبنان ما خلال الفراغ الرئاسي والفراغ الحكومي. وكل شيء لبناني أو قريب من لبنان في هذه المرحلة وهذه الأيّام لا يوحي بالاستقرار، ولا يُبشِّر بعد بالانتقال من جناح القلق إلى جناح الأمان.
الوضع الداخلي، الاقتصادي، السياسي، المتفرّع عنه المأزق الآخر الذي يتعمشق به من لغز التوطين من جهة، ومن الأخرى مصير النازحين بعددهم الذي يزداد ولا ينقص.
دائرة الخطر إيّاها التي تتقلَّب فيها الجمهوريَّة منذ فترة بعيدة لا تزال على حالها. فالجمهوريَّة في خطر، ويجب الاعتراف بذلك إذا كان الهدف علاج الخطر وإنقاذ الجمهوريّة قبل فوات الأوان. وهذا أضعف الإيمان. وخصوصاً إذا كانوا يُشيرون في هذا الخصوص إلى أنّ الجمهوريَّة اللبنانيّة مُستهدفة بكل ما فيها. مُستهدفة وهي ترقص على حافة الهاوية، فيما فريق الحكم غير مُبالٍ ويكاد يصفِّق، والصديق الزميل الوزير النائب مروان حمادة دقّ ناقوس الخطر، وكشف الوقائع.
في كل حال سياسة الاستفزازات مستمرَّة، وتنتقل من موكب إلى آخر، مع الحرص على الجماهير الغفورة. إلّا أنّ بيت القصيد ليس كلُّه هنا. وليست المشكلة التي تُسربل الجمهوريَّة المُهملة جدّاً هي هنا فقط، بل أن الوضع اللبناني بكل تعقيداته لا يستطيع أن يفض عنه ذيول وتبعات “صفقة القرن”.
لا مال، لا مؤسَّسات، ولا قوانين، ولا سلطة فاعلة، ولا ملامح استقرار، ولا بوادر استقرار، ولا مؤشِّرات تبدُّل أو تغيير بالنسبة إلى واقع الحال، وإلى التعقيدات التي تسوِّر الجمهوريَّة التي بدأت ملامح الخَتْيَرَة تبدو عليها.
لا، لا بُدَّ من تغيير ما، وتغيير كل هذه الأساليب العرجاء والعوجاء والصبيانيَّة، كما لا بُدّ من إيقاظ رقدة أهل الكهف.
ولا بُدَّ أيضاً من بقّ البحصة. وهذا الأمر يتطلَّب وقفة مسؤولة، ولا نقول وقفة عزّ في هذه الظروف التعيسة. وقفة تكشف ماذا يحصل في هذا البلد، وكيف تبخَّرت المليارات، وهل لا تزال تتبخَّر، وما هي الحلول… وإلى أين من هنا؟!
لقد أصبح لبنان في هذه الفترة الحرجة تماماً كما أصبح الشاعر الكبير بشارة الخوري يوم أعلنوه أميراً للشعراء، وحيث كان العمر قد هرب: أيومَ أصبحتُ لا شمسي ولا قمري، مَنْ ذا يُغنّي على عود بلا وتر.
في كل حال سياسة الاستفزازات لا تُغني ولا تُثمر…