Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر February 16, 2019
A A A
ما هي متطلّبات نجاح اقتصاد المعرفة في لبنان؟
الكاتب: د. ربى دالاتي الرافعي - النهار

اقتصاد المعرفة هو الاقتصاد الذي يعتمِد على تسخير المعرفة في خدمة التطور والنمو من دون الحاجة إلى وجود الموارد الطبيعية مثل النفط أو الذهب أو غيرهما. هو نظام يعتمد بشكل أساسي على رأس المال الفكري ولا يحتاج بالضرورة إلى العمالة.

بدأ ظهور اقتصاد المعرفة عالمياً في خمسينيّات القرن العشرين حين شهد قطاع الصناعة تطوُّراً على حساب قطاع الزراعة. ثم ما لبثت الدول المتقدمة أن طورت هذا القطاع ضمن خطّتها التنموية لمرحلة “ما بعد الصناعة”، حتى نشأت القطاعات الاقتصاديّة التي تعتمد على المعرفة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات… مما جعل من البرامج المعلوماتيّة أحد أهم الإنتاجات القطاعية الاقتصادية الواعدة، كما سمح لاقتصاد المعرفة أن يسيطر على 7% من الناتج الإجماليّ المحليّ في العالم بحسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة.

لا شك في أن الاقتصادات الحديثة هي اليوم مبنية على المعرفة وعلى تكنولوجيا المعلومات وعلى الاتصالات. يظهر ذلك في اعتماد معظم الدول المتطورة على اقتصاد المعرفة ضمن أولوياتها، مما سمح مثلاً بنمو سنوي بمعدل يراوح ما بين 10% إلى 50% من الناتج الإجمالي لدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما سمح بزيادة النمو الاقتصادي السنوي لمعظم الدول المتقدمة.

لا تقتصر المعرفة بمفهومها الاقتصادي على انتشار العلم وجودته. إنما هي بحاجة إلى بيئة اجتماعية حاضنة وإلى بنى تحتية تسمح للأذكياء والمتعلّمين بالإبداع والابتكار من خلال توفير المعلومات ووسائل البحث والتواصل السريعين. فإذا كانت المعرفة في الاقتصاد الحديث تعادل إمكانات رأس المال والموارد الطبيعية في الاقتصاد القديم، فإن المعلومات تمثّل اليوم الشريان الرئيسي للتطور والنمو .

أما العناصر التي يمكن أن يرتكز عليها اقتصاد المعرفة للتطوير فعديدة ومتنوعة، بحيث تشتمل على كل وسائل التكنولوجيا الحديثة من صناعات وروبوتات، والاتصالات، والبرامج المعتمدة على الأقمار الصناعية، والتواصل الاجتماعي والعلمي، وقاعدة البيانات أو المعلومات، والمكتبات الإلكترونية، والبرامج الذكية، إضافة إلى التطبيقات العلمية في الطب والهندسة وصناعة الأدوية وغيرها من العلوم التي تتطلّب عادةً براءات اختراع.

لذلك، انطلاقاً من حاجتنا في لبنان إلى الإسراع في عملية التنمية المستدامة، من دون تلازمها مع توافر الموارد الطبيعية أو إنتاجها، فإن تأمين المتطلبات اللازمة لنجاح اقتصاد المعرفة فيه بات أمراً ملحاً.

ومن أبرز هذه المتطلبات ما يلي:

• توفير بنية اتصالات سلكية ولاسكلية متطوّرة.

• إصدار قوانين جديدة وتطوير تلك النافذة لتتلاءم مع متطلّبات اقتصاد المعرفة.

• التطوير المستمر للمناهج التعليمية في المدارس والجامعات والمهنيات مع اعتماد معايير الجودة والتقييم.

• تخصيص موازنة كافية للبحث العلمي في كل المؤسسات التعليمية والإنتاجية والإدارية.

• تأمين التواصل والشراكات مع الجامعات والمصانع في الدول المتقدمة.

• التوعية الاجتماعية على أهمية العلم والمعرفة.

• دعم الابتكار والإبداع.

لكن يبقى أخطر التحديات التي تواجه انطلاقة لبنان نحو النهوض الاقتصادي هي بشكل عام انتشار الفساد بكافة أشكاله، منها الفساد الأخلاقي المتمثّل بالتنافس غير الشرعي، واحتكار السوق للزبائنية، وإبعاد الكفاءات عن المراكز الإدارية… لذا لا بدّ أوّلاً من وضع حد لهذه الآفة الاجتماعية – السياسية لفسح المجال أمام المبدعين من المنافسة في سوق العمل وصولاً إلى تنفيذ المشاريع التي يقترحونها.