Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر December 28, 2018
A A A
الحريري يرفض الإبتزاز.. والنواب الستة يُصرّون على حصرية التمثيل
الكاتب: اللواء

لا توحي الثلوج التي هطلت بكثافة فوق جبال لبنان للمرة الأولى هذا الشتاء، سوى قطع الطرقات الجبلية، وسط مناخ عاصف، فيما «الصقيع السياسي» الذي يلف العلاقات بين الأطراف والقوى السياسية، لا يوحي بأي عودة إلى «الدفء السياسي» وإلى مسار تأليف الحكومة، بل باستمرار الجمود، أقله حتى إلى ما بعد السنة الجديدة، فيما المنطقة من حول لبنان تتغير باتجاه انفتاح عربي على سوريا، بغض النظر عمّا إذا كان انفتاحاً على النظام أم على الشعب السوري، بحسب التوضيحات الاماراتية لعودة افتتاح السفارة في دمشق.
وتُشير كل التقديرات، الى ان مسألة تشكيل الحكومة باتت في حكم المؤجلة، إلى ما بعد بداية السنة الجديدة، بدليل توقف كل الاتصالات واللقاءات الجدية لمعالجة العقد التي أجهضت كل المبادرات لإخراج الحكومة من «عنق الزجاجة»، باستثناء كلام عن محاولات يُشارك فيها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، من دون ان تجد لها ترجمة على الأرض لا بالشكل ولا بالمضمون، باستثناء الإشارة إلى ان الخيار لدى المعنيين بما يزال على حكومة الوحدة الوطنية، وليس على حكومة مصغرة بحسب ما طرح في الفترة الأخيرة، في ضوء استمرار الرئيس المكلف سعد الحريري على صمته، وتمسكه بمواقفه المعروفة والثابتة، مؤكداً انه لن يتراجع أو يستسلم امام الابتزاز السياسي الذي يتعرّض له، طالما انه يتمسك بنصوص الدستور والصلاحيات التي أعطيت له بموجب اتفاق الطائف، حسب ما تؤكد أوساطه.

رسائل متبادلة
غير ان اللافت وسط استمرار هذا الجمود، وبالتالي وقف كل محركات التأليف، خروج محطة O.T.V الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر» بمعلومات تؤكد بأن الأفق غير مسدود على الصعيد الحكومي، معلنة بأن المشاورات استؤنفت في الساعات الأخيرة على أرفع المستويات، وان ثمة إرادة متجدّدة بإنجاز التشكيل، من دون ان يأكل المصلح ثلثي «القتلة»، في إشارة إلى الاتهامات التي طاولت الوزير باسيل بأنه المسؤول الأوّل عن عرقلة تأليف الحكومة، إلى جانب «حزب الله» بطبيعة الحال.
واستعانت المحطة المذكورة لتعزيز معلوماتها بتغريدة مسائية للوزير السابق وئام وهّاب قال فيها: «رغم كل التشاؤم بموضوع الحكومة، التشكيل بعد العيد»، لافتاً إلى ان هناك «مخرجاً قيد الاعداد».
وفي تقدير مصادر سياسية مطلعة، ان أجواء التفاؤل التي حاولت المحطة العونية تعميمها أمس، من خلال التأكيد على وجود أمل وسط الغيوم الداكنة في سماء البلد، مردها إلى التطورات التي حصلت على صعيد العلاقة بين «التيار» و«حزب الله»، والتي تمثلت أمس، بالاتصال الهاتفي الذي أجراه الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله بالرئيس ميشال عون، لتهنئة بحلول عيدي الميلاد ورأس السنة، والذي تزامن مع محاولات جرت من قبل الطرفين، أي التيار والحزب، لتنظيم الخلاف الذي طرأ، بفعل إجهاض المبادرة الرئاسية لحل عقدة تمثيل النواب السُنَّة من فريق 8 آذار في الحكومة، بموافقة ضمنية من الرئيس الحريري، وهو أمر أوحى باحتمال إعادة المبادرة الرئاسية إلى «غرفة الانعاش» لاحيائها من جديد.
وفي هذا السياق، كان لافتاً للانتباه، زيارة وفد من قيادة منطقة بيروت في «حزب الله» برئاسة حسين فضل الله، لتهنئة قضاء بعبدا في التيار بالاعياد، حيث كانت بمثابة تمهيد لتنظيم الخلاف بين الطرفين، على مستويات دنيا مقدمة لتكون على مستويات رفيعة فيما بعد.
وخلال هذه الزيارة، ألمح النائب السابق ناجي غاريوس إلى ضرورة تأليف الحكومة بعد الأعياد بأسرع وقت، لأن وجع النّاس لم يعد يحتمل، فيما أكد فضل الله استعداد الحزب للتعاون في كل الملفات والمواضيع التي سبق التعاون فيها، مشيرا إلى ان الزيارة كانت مناسبة لتجديد صيغ التفاهم القائمة بين التيار والحزب، وهو تفاهم لا يؤثر فيه لا بيانات مشبوهة ولا تغريدات مجهولة، في إشارة إلى تفاهم مار مخايل، والاتهامات المتبادلة، التي حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إجهاض المبادرة الرئاسية، واتهام الحزب للتيار بالاستحواذ على الثلث المعطل، سواء من خلال تبديل الحقائب أو ان يكون «الوزير الملك» الذي كان سيمثل النواب السُنَّة من فريق 8 آذار، من حصة رئيس الجمهورية، ومحسوب على تكتل «لبنان القوي».

ومما زاد في جدية محاولات «رأب الصدع» بين الطرفين، استضافة المحطة التلفزيونية للتيار لمسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمّد عفيف، لتوضيح مسألة استحواذ التيار على الثلث المعطل، حيث أوضح عفيف، خلال مداخلته الهاتفية، ان هذا الموضوع سبق ان تحدث عنه العديد من مسؤولي الحزب، وفي طليعتهم أمينه العام السيّد نصر الله الذي أدلى بخطاب في «يوم الشهيد» أعلن فيه عدم ممانعة الحزب في حصول حليفه «التيار الوطني الحر» على 11 وزيراً.
وقال: ان الوزير جبران باسيل على علم بذلك، وقد سمع هذا الكلام من الامين العام مباشرة، وكذلك في المجالس المغلقة معنا، وبالتالي، فإن أي كلام خارج هذا السياق هو غير صحيح.
واكد أن «العلاقة بين حزب الله و«التيار الوطني الحر» ومع الرئيس العماد ميشال عون تحديدا، ممتازة وثابتة وراسخة ومتينة وفي أحسن مستوياتها».
لكن الحاج عفيف أوضح لـ«اللواء» اضافة الى ما قاله، «ان لا مشكلة لدينا بحصول التيار الحر والرئيس عون على 11 او 12 وزيرا كونه حليفنا، ومن ضمن التوازنات التي انتجتها الانتخابات النيابية، لكننا لا نركز على هذا الموضوع بقدر ما نركز على تمثيل حليفنا الاخر وهو «اللقاء التشاوري»، انطلاقا ايضا من حيثيته بموجب نتائج الانتخابات النيابية وتوازناتها السياسية.

اللقاء التشاوري للوزير الثامن
وفي السياق، ذكرت مصادر مسؤولة في تحالف قوى 8 آذار، ان لا مانع من حصول فريق رئيس الجمهورية على الثلث المعطل، على ان لا يكون الوزير الحادي عشر على حساب حصة فريقنا، بل على حساب ومن حصة الفريق الآخر، أي تيّار «المستقبل»، بهدف كسر احادية تمثيله للسنة، لذلك الإصرار قائم على تمثيل «اللقاء التشاوري» بوزير سني لتحقيق نوع من التوازن داخل الحكومة، كون فريقنا يستحق أكثر من الحصة الممنوحة له في الحكومة وهي سبعة وزراء مع ممثّل «المرده»، ويطمح إلى توزير الثامن «اللقاء التشاوري» الحليف.
تجدر الإشارة، هنا، إلى ان «اللقاء التشاوري» عاود اجتماعاته، في إطار تكريس وجوده كحالة سياسية قائمة في حدّ ذاتها، وأصدر بياناً ضمنه مواقفه من تطورات الساعة، بدءاً من تهنئة اللبنانيين بالاعياد، مروراً باستنكار العدوان الإسرائيلي الجديد على السيادة اللبنانية وسوريا، مؤكداً في النهاية حقه في المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية بوزير واحد يسميه اللقاء، وان يكون الممثل الحصري له في الحكومة.
وسجل في المقابل، خروج جواد عدرا عن صمته وهو الذي كان مرشّح اللقاء للدخول إلى الحكومة، قبل سحب اسمه من التداول، وغرد عبر حسابه الخاص على «تويتر» كاتباً: «اثنان لا تذكرهما ابداً: إساءة النّاس لك، وإحسانك إلى الناس»، في إشارة إلى الغدر الذي تعرض له ممن أحسن إليهم، واعداً بأن تكون له ردود أخرى تتبع.

انعاش المبادرة الرئاسية
إلى ذلك، اشارت مصادر مطلعة لـ«اللواء» الى ان المشهد الحكومي لا يزال يلفه الجمود وان ما من خرق سجل حتى على صعيد الاتصالات لأن التركيز منصب على التهدئة قبل استئناف اي مشاورات دسمة على صعيد تأليف الحكومة. اما اي كلام عن تعويم المبادرة الرئاسية او البحث عن طرح جديد فليس واضحا بعد. وقالت ان رئيس الجمهورية قد يطلق مواقف امام مهنئيه في وقت قريب او قد يمتنع عن ذلك.
اما المصادر المطلعة على موقف الرئيس عون فقالت لـ«اللواء» ان المبادرة الرئاسية لم تنته انما تعثرت بعد الذي جرى مع «اللقاء التشاوري»، واكدت ان هناك محاولة لإعادة تفعيلها من خلال الاتصالات التي يجريها الوزير باسيل والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم والمعنيون بعيدا عن الاضواء.
وقالت مصادر «التيار الوطني الحر» تعليقا على الملف الحكومي ان الامر لن يستمر طويلا بعد رأس السنة. فلا الاحوال الاقتصادية تسمح بذلك، ولا رئيس الجمهورية ولا قيادات البلاد. ورأت ان التطورات الحاصلة بالمنطقة ستفرض انطلاقة العجلة الحكومية واكدت كذلك ان موعد انطلاق التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية باق في شهر شباط.

الحريري على صمته
في المقابل، لفتت معلومات إلى ان الاتصال بين الرئيس عون والرئيس المكلف لم يحمل أي جديد في الملف الحكومي، مشيرة إلى ان الحريري اطفأ محركاته ولجأ إلى الصمت، وهو سيغتنم فرصة الأعياد من أجل المراقبة والتفكير وهو منفتح على أي فكرة لإخراج الحكومة من الجمود.
وتعتقد مصادر سياسية في تيّار «المستقبل» ان الصمت الذي يعتصم به الرئيس الحريري ومعه الصبر هما أفضل من الكلام في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة، بعدما كان يأمل، كما عدد كبير من السياسيين والمواطنين ان تعلن مراسيم التأليف نهاية الأسبوع الماضي.
وفي تقدير هذه المصادر، رداً على سؤال لـ«اللواء» حول من يتحمل المسؤولية، ان الجميع مسؤول عن عرقلة تأليف الحكومة من خلال ابتزاز الرئيس الحريري، مشيرة إلى ان ما قصده الرئيس عون في كلامه الأخير عن الأعراف الجديدة، هو «حزب الله» بشكل واضح، لكن المعرقل بشكل مباشر هو الوزير باسيل من خلال السدود التي وضعها، لافتة إلى ان باسيل يلعب تحت السقف المسموح به من الحزب ان يلعبه.
واعتبرت المصادر ان ليس لدى الرئيس الحريري أي خيار في الوقت الحالي سوى التسلّح بالصمت، لأنه، وبحسب المصادر ذاتها، إذا أراد مواجهة المعرقلين تكون المواجهة بالاعتذار، وهو ليس في وارد القيام بهذه الخطوة، مع اصراره وتمسكه بالتكليف، لذلك تقول المصادر: «فليتحمل المعرقلون مسؤولية التعطيل من خلال تناتش الوزراء والحقائب معاً».