Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر July 8, 2016
A A A
اللبنانيون المخدَّرون
الكاتب: مروان اسكندر - النهار

المواطن اللبناني مخدر لا يناقش بالفعل السياسات التي يرسمها مجلس الوزراء حاليًا ومجلس النواب أحياناً. اللبناني يعيش أجواء سلبية، سواء على صعيد الامان الشخصي، أو على صعيد فرص العمل، او على صعيد الحفاظ على البيئة والصحة.

نصف اللبنانيين ربما يحوزون مقداراً من الضمان الصحي، وغالبية هؤلاء مسجلون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو مختلف هيئات الدولة، ومن هؤلاء الموظفون العاديون، ورجال قوى الامن والجيش، والهيئات العامة – سواء اكانت خاضعة لاشراف الدولة كلياً او جزئياً – مثل المصرف المركزي، شركة انترا للاستثمار، شركة طيران الشرق الاوسط، كازينو لبنان، هيئة الاسواق المالية الخ.

وربما نسبة 35 في المئة من اللبنانيين، أي موظفو الدولة وعائلاتهم، والاساتذة، يحظون بضمانات صحية معقولة من غير ان تتوافر لهم فرص الراحة بعد التقاعد، فليس هنالك حتى تاريخه نظام لتأمين الضمانات بعد تجاوز سن التقاعد. الـ15 في المئة الآخرون يحظون بضمانات جيدة وفرص التنعم بكفاية بعد التقاعد، والعسكريون من مختلف الفئات يستطيعون التقاعد في سن تسمح لهم بمتابعة النشاط.

النصف الآخر من اللبنانيين منهم نسبة 60 في المئة من العاملين في القطاع الخاص (أي ما يساوي 30 في المئة من مجمل السكان) إما في مؤسسات ونشاطات لحسابهم، وإما في شركات تجارية، أو هم يمارسون المهن الحرة، كالهندسة والتسويق والتشويق الخ، وهؤلاء يلجأون الى شركات التأمين الخاصة وبرامج الاقتصاد لحماية انفسهم من المخاطر المستقبلية.

تبقى نسبة 20 في المئة من اللبنانيين تعمل بصورة متقطعة وتحاول كفاية حاجات عائلاتها ، ولا تتمتع بضمانات صحية ومنافع اجتماعية الا في ما ندر، والمعين الاساسي لاحوال هؤلاء نشاط ابنائهم وبناتهم خارج لبنان وتحويلاتهم الىعائلاتهم المحتاجة. وما يتميز به اللبنانيون حتى تاريخه، ميسورين ومعوزين، الرغبة في تحصيل العلم والقدرة عل ذلك بفاعلية.

العنايات الصحية والاجتماعية وظروف الحياة الصحية لا تتوافر على المستوى المطلوب في لبنان، لان اللبناني يئس من محاسبة ممثليه، وهؤلاء أساساً مع تمديد ولاياتهم، وتعويضاتهم التي يقررونها هم أنفسهم، ومنافعهم الصحية والتقاعدية لا يأبهون لحاجات المواطنين وهم غائبون عن السمع عمداً وقصداً، فما يهمهم هو موعد الانتخابات المقبلة – اذ تحدد وعلى أي اساس – ورضا الزعيم المؤثر في الدائرة أو المحافظة، اما المواطن فهو منسي، ولانه منسي بات مخدراً، وسنوفر مثلين على اضرار التخدر.

كل من يتوجه من بيروت شمالاً، أو من الشمال الى بيروت يعاني أعناق اختناق تهدر الاعصاب والامكانات سواء بعد تفرع جل الديب، وحتى بلوغ مفرق حريصا لان عرض الطريق في اتجاه واحد يتفاوت في امتدادات ما بين عرض يكفي لأربع سيارات الى عرض لا يكفي لاكثر من سيارتين فتشتد ازمة السير وشكاوى المواطنين.

عام 1995 انجزت شركة أميركية دراسة لمعالجة اختناقات السير من جسر الكازينو الى منطقة النهر في بيروت، وقدمت توصية بإنجاز طريق مرتفع تركز قواعده في الفواصل بين الطرق المؤدية الى الشمال والطرق المسهلة للسير من الشمال، وانجزت دراسة تسمح بمرور السيارات بسرعة ما دامت كل سيارة تركز بطاقة يمكن قراءتها من بعد حين دخول الطريق المسهل والخروج منه، ومن ثم محاسبة المستعملين شهريًا عبر المصارف التي يتعاملون معها.

كانت الحماسة متركزة لدى رئيس الوزراء وبعض وزرائه، لكن ارادة التعطيل كانت هي السائدة، وقد بقيت كذلك حتى تاريخه. اليوم هنالك مظاهر ابتهاج لدى المواطنين بان مجلس الوزراء أقر اعتمادات استملاكات تسهل تنفيذ أعمال تسهم في تسهيل السير وبلوغ جل الديب، وتجاوز اعناق الاختناق عند مقاربة جونية من الشمال.

السائقون الذين عبروا عن فرحتهم بهذه الخطوة هم من فريق المخدرين، فاعتمادات الاستملاك لا تمهد لبدء العمل على الانجاز قبل سنتين على الاقل، وأعمال الانجاز سوف تستغرق سنتين أو ثلاثاً، فماذا يحصل بين 2016 و 2021-2022؟ مزيد من الاختناق، ولا نزال لا نفكر في حلول جدية تدفع المواطنين الى استعمال وسائل النقل العام الحديثة، والتشارك في الانتقال بالسيارات الخاصة الى أماكن العمل ومنها.

مثل آخر على التخدير القومي المتفشي. لقد اعلن عن قرب اقرار مجلس الوزراء مرسومين يمكنان لبنان والهيئة النفطية التي انشئت لهذا الغرض قبل أكثر من ثلاث سنوات، من التوصل الى اتفاقات قد توفر للبنان موارد مالية في المستقبل غير القريب (ست الى سبع سنوات من تاريخ توقيع العقود) اذا توصلت أعمال التنقيب والتطوير الى انتاج النفط والغاز.

المعلومات الجيولوجية متوافرة منذ عام 2010، والمسوحات الجوفية والجوية منجزة منذ 2012 – 2013، والمساحات المخصصة للبحث والتنقيب عددها 10 ومعالمها محددة، فلماذا التأخير؟

الجواب كان دومًا غير مقنع. فمن جهة هنالك مواطنون يتساءلون اين ستصب المنافع، والجواب واضح. فالثروات الطبيعية ملك للبنانيين كشعب، والتخدير يشمل السياسيين كما المواطنين، حيث الخطورة استمرار الاوضاع المالية وعجز الموازنة بنسبة 12 في المئة من حجم الدخل القومي أمر لا يحظى بأي أهمية.

ايها اللبنانيون، عليكم ان تستفيقوا، وتحاسبوا بالفعل لا بالصوت في الشارع فقط، ومن أجل حقنة من التحميس نذكر ان شركة Parsons Main الاميركية الاختصاصية بشؤون مصادر المياه واستعمالاتها انجزت في كانون الثاني 1993 (قبل 23 سنة) دراسة موسعة عن امكانات لبنان، وليس هنالك من يسمع، والمياه ثروة تفوق في منافعها النفط والغاز وما يتحصل منهما..
***