Beirut weather 20.77 ° C
تاريخ النشر November 20, 2018
A A A
هل تنتقل تركيا من أميركا وأوروبا إلى روسيا والصين؟
الكاتب: سركيس نعوم - النهار

علاقة “تركيا الجديدة” بالولايات المتّحدة كانت جيّدة منذ انهيار السلطنة العثمانيّة التي ورثتها بعد الحرب العالميّة الأولى. ثمّ صارت ممتازة وتحالفيّة بعد الحرب العالميّة الثانية جرّاء حصول الثانية على زعامة العالم الغربي التي كان لواؤها معقوداً لأوروبا وتحديداً لفرنسا وبريطانيا، كما بعد انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي ثم الحرب الباردة التي نشبت بين الغرب وروسيا السوفياتيّة، وقيامها بدور مُهمّ فيها تمثّل بإقامة سد عسكري وجغرافيّ أمام انتشار الشيوعيّة والنفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط. لكن هذه العلاقة المتينة والمميّزة عانت اختلافات كثيرة وتصدُّعاً ولا سيّما بعد وصول “حزب العدالة والتنمية الإسلامي” إلى الحكم في تركيا، وتحديداً بعد تولّي مؤسّسه رجب طيّب اردوغان السلطة فيها بعد ممارسة شريكه في التأسيس لها، جرّاء مساءلة قانونيّة تعرّض لها في حينه. دفع ذلك تركيا إلى الاقتراب من روسيا وخصوصاً بعد بدء “الربيع السوري” عام 2011 بل بعد تحوّله عاصفة مُدمّرة لم تهدأ حتّى الآن. وما زاد في الاختلافات كان إقدام اردوغان، الذي صار لقبه في الإعلام العالمي كما في الدوائر السياسيّة الدوليّة “السلطان” جرّاء طموحاته الواسعة جدّاً وذات السقف العالي جدّاً، على التصعيد مع واشنطن باعتقال مواطنين لها مقيمين في بلاده باتّهامات تنفيها، كما بطلب تسليم “فتح الله غولن” الداعية الإسلامي المقيم في بنسلفانيا الأميركيّة بتهمة التحضير لانقلاب عسكري عليه قبل سنوات. علماً أنّه كان حليفاً له وشريكاً استخدم شعبيّته التركيّة الواسعة جرّاء نشاطاته التربويّة وإسلاميّته المُعتدلة لإيصاله إلى حيث هو الآن.

هل تُتابع تركيا اردوغان اقترابها من روسيا بحيث يصبح تحالفاً أو بحيث تصبح هي جزءاً من محور إقليمي دولي يتزعّمه الرئيس فلاديمير بوتين؟

العلاقة بين تركيا وروسيا كانت تاريخيّاً مشحونة دائماً بالشك والارتياب والاختلاف، يُجيب باحثون أميركيّون ذوي صدقية عالية. ومنذ نهاية “الحرب الباردة” بين الجبّارين الأميركي والسوفياتي أسّست الدولتان علاقة اقتصاديّة مّهمّة، وحددتا هدفاً جسوراً هو إقامة تجارة ثنائيّة يصل حجمها إلى مئة مليار دولار. لكن هذا الطموح الاقتصادي وازنته حقوق وامتيازات مخالفة بل اختلافات في المجالين الاستراتيجي والجيوسياسي. فتركيا الخاصرة الشرقيّة لحلف شمال الأطلسي تشاركت وعلى مدى عقود مع الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي في احتواء النفوذ الروسي في وسط أوروبا وشرقها كما في منطقة القوقاز. لكن التطوّرات “الحديثة” في الحرب الأهليّة السوريّة أدّت إلى تلاقٍ في المصالح ثم إلى تعاون بين موسكو وأنقرة. لكن قد يكون مُبالغاً فيه القول أو الجزم أن تعاونهما سيتعمّق بحيث يصبح علاقة استراتيجيّة دائمة. علماً أن نزاعات اردوغان مع أميركا بدأت منذ عام 2012 أي في أثناء رئاسة باراك أوباما لها ثمّ دونالد ترامب. ومن أبرز الأسباب دعمها للثوّار الأكراد في سوريا بذريعة أن ذلك يُساعد معاً في إلحاق الهزيمة بـ”داعش” أي تنظيم الدولة الإسلاميّة. وهؤلاء أدرجتهم الحكومة التركية ومعها واشنطن وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي على لوائحها للإرهاب باعتبارهم منظّمة إرهابيّة.

في المقابل، يُضيف الباحثون الأميركيّون ذوو الصدقية العالية أنفسهم، أسّست روسيا بمساعدة إيران آلية لا فقط لدحر “داعش” في سوريا بل أيضاً لدحر مجموعات المتمرّدين كلّها التي تحارب حكومة الرئيس بشّار الأسد المدعومة منها. ودفع الوضع في سوريا مُحلّلو السياسات إلى التساؤل إذا كانت تركيا تُبعد نفسها عن شركائها الأميركيّين والأوروبيّين من أجل تبنّي علاقة استراتيجيّة أوثق مع روسيا. في اختصار هناك أمور عدّة أنتجت انقساماً أو شِقّاً بين أنقرة وواشنطن. ودعم الثانية للمتمرّدين الأكراد يمكن اعتباره رأس جبل الجليد كما يُقال. فتركيا في المقابل أنجزت شراء نظام صاروخي روسي S-400 لدعم دفاعاتها الجويّة مع ما في ذلك من تفضيل واضح له على النظام الصاروخي الأميركي المُشابه الذي يحمل اسم باتريوت، علماً أنه لم “يُنشر” بعد على الأرجح. وقد دفع ذلك السلطات الأميركيّة إلى تهديد نظيراتها التركيّة بأن نشرها للصواريخ الروسيّة سيدفعها إلى خفض عدد المقاتلات الجويّة التي ستنقل إليها والتي تحمل اسم 100F-35، وبرّرت التهديد بأن الطيّارين والخبراء الروسي الذين سيُشغِّلون بطاريات الـ S-400 سيكونون في وضع مُميّز للحصول على معلومات تتعلّق بالمقاتلات الأميركيّة وتحديداً بنقاط قوّتها كما بنقاط ضعفها. إلى ذلك احتجزت حكومة اردوغان اعتباطيّاً مواطنين أميركيّين لإجبار الإدارة في واشنطن على قبول طلباتها السياسيّة وخصوصاً التي منها تتعلّق بسوريا. في المقابل هدّدت الولايات المتّحدة، إضافة إلى فرض عقوبات على وزراء أتراك، بمزيد من الإجراءات العقابيّة لتركيا، وهي إجراءات يمكن أن تؤذي جديّاً اقتصادها الهش أو الضعيف والمَدين. فهل يعني ذلك أن اردوغان أكثر اهتماماً بالتحوّل نحو حلفاء جُدُد مثل روسيا والصين لإنجاز أجندته ذات السياسة الخارجيّة والإقليميّة التي تلبّي طموحاته الواسعة جدّاً، وذلك بدلاً من أن يحاول إصلاح ذات البَيْن مع أميركا ومن طلب مساعدة ماليّة طارئة وضروريّة جدّاً من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي اللّذين تُسيطر عليهما واشنطن؟ ومحاولة الحصول على دين سيادي من الصين هو أحد السُبُل التي تحاول هذه بواسطتها تعزيز فرص تحقيق طموحها العالمي الشامل، وأحد أبرز أهدافه إزاحة الولايات المتّحدة، عن مقعد الدولة المُهيمنة اقتصاديّاً وعسكريّاً على العالم. وذلك قد يكون مُغرياً أو بالأحرى جاذباً لحكومة اردوغان لأن القروض الماليّة في الصين يمكن أن تكون شروطها أقل عدداً أو شروطاً من القروض التي يُعطيها صندوق النقد والبنك الدوليَّيْن. وما عدا الأمن التاريخي المتحدّر من الحرب الباردة والعلاقات التجاريّة المحدودة فإن ما يربط أو “يوصل” تركيا والولايات المتّحدة ويبقيهما معاً ليس كثيراً.