Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 13, 2018
A A A
لبنان في عنق الزجاجة إيّاكم أن تكسروها!
الكاتب: عقل العويط - النهار

نحن عالقون وجودياً في عنق الزجاجة، إلى حدّ الاختناق، بل إلى حدّ الموت يأساً وفقعاً. هذا ليس واقعاً عادياً، حديثاً وراهناً. إنه يمثّل مأساةً مستمرّة ومتصاعدة منذ أعوام وعقود كثيرة. وأكاد أقول منذ استقلالنا، الذي “سنحتفل” خلال عشرة أيام بذكراه الخامسة والسبعين. “جديد” هذه المأساة أنها تصل اليوم إلى ذروة تأججها، وربما إلى مشارف انفجارها، وذلك قد يكون عن سابق تصوّرٍ وتصميم، بهدف إلغاء العمل بالدستور (المعلّق)، ووضع حدٍّ للمراوحة التاريخية – السياسية – الطائفية البغيضة، لكنْ، وصولاً إلى ما هو أسوأ من هذه المراوحة، والأرجح، تحقيقاً لما لا تُحمَد عقباه.

أقول “تحقيقاً لما لا تُحمَد عقباه”، لأن ما يجري حالياً من تصعيدٍ غير مسبوقٍ في السياسة، وفي العلاقات بين الأطراف والطوائف والمذاهب، ينافي الحكمة الوطنية، التي تتطلب وعياً تاريخياً ووجودياً وكيانياً ودستورياً وسياسياً، فائق العادة، يُخرج الوضع من عنق الزجاجة، من دون أن يؤدي إلى تفجير هذه الزجاجة.

إننا عالقون، كـ”مواطنين”. لا نستطيع أن نبقى في الزجاجة. ولا نستطيع أن نخرج منها. نبحث عن حلولٍ لحياتنا، لبلادنا، وإن أحياناً على حساب حياتنا. لكن من دون جدوى.

إننا عالقون. والأبواب مغلقة مغلقة مغلقة. وليس هناك في الأفق المعلوم ما يشير إلى احتمال انفتاحها وفتحها. لقد طرق الباحثون “الأوادم” كلّ الأبواب، بلا استثناء؛ الدستورية، القانونية، الديموقراطية، العقلية، الفكرية، الثقافية، المدنية، العلمانية، وحتى “الطائفية” و”الحبّية” و”الموقتّة”، لكن من دون جدوى. لا تزال الأبواب المغلقة مغلقة، وهي مغلقةٌ ليس أمام حياتنا فحسب، بل خصوصاً أمام بلادنا، وأجيالنا المقبلة.

إننا عالقون، ولا نستطيع أن نبقى في الزجاجة، ولا أن نخرح منها. والويل لنا إن كسرناها.

تأخذنا القوى السياسية كلّ مرة إلى الطريق المسدود، من أجل ممارسة المصادرة وانتزاع المكاسب، ومن أجل أن يفوز طرفٌ – طائفة – مذهب ما على حساب الأطراف – الطوائف – المذاهب الآخرين. علماً أن الفوز هذا، لم يكن يوماً لمصلحة البلاد، ولن يكون، بل كان على الدوام، وسيكون، لمصلحة فريقٍ طائفي – مذهبي – سياسي، بهدف تحقيق مآربه الفئوية، الداخلية والخارجية، وقولبة لبنان السياسي والكياني بما يتلاءم وهوى مصالحه وارتباطاته.

إلى أين؟ ما يجري، إمّا سيفجّر زجاجة لبنان، وإمّا سيؤدي إلى رضوخ فريق (هو الأضعف عسكرياً وسياسياً، و… الأقلّ عددياً). إن ما يجري، من المستحيل أن يفضي إلى أرض الحكمة الوطنية المشتركة، التي يجب أن تبحث عن حلولٍ طليعية لقيام دولة مدنية علمانية ديموقراطية، لا تتجسد – ولا يمكن أن تتجسد – على الإطلاق بحكومة وحدة وطنية، كاذبة، خبيثة، ماكرة، مفخخة، قاتلة للبنان ولمصالح اللبنانيين.

لبنان نفسه عالقٌ في عنق الزجاجة. إيّاكم أن تكسروها. إبحثوا للبنان عن حلٍّ وطنيٍّ مشرِّف آخر!