Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر June 29, 2016
A A A
قصة نجاح بلاد الجليد والبراكين: ايسلندا الصغيرة تعلّمنا درساً
الكاتب: شربل كريم - الأخبار

اعتقدها الكل بلاد الجليد كما يُترجم اسمها فترجمت ما تشتهر به اكثر وتفجّرت براكينها في كأس اوروبا 2016 لكرة القدم. ايسلندا تلك الجزيرة التي لم تحتل العناوين منذ الحرب الباردة اصبحت هي العنوان الاكبر في القارة العجوز التي صُدمت بمنتخبها في فرنسا.

ربما لم ينتبه كثيرون الى انه في تصفيات كأس العالم 2014 كانت ايسلندا قريبة من التأهل الى المونديال، اذ فصل بينها وبين النهائيات منتخب كرواتيا الذي عبر على حسابها من الملحق الى العرس العالمي.

تلك المحطة كانت اشارة اولى الى ان منتخب ايسلندا في طريقه نحو نجاحٍ قريب على الساحة الدولية. وهذا الامر تأكد سريعاً بعد عبوره الى كأس اوروبا من مجموعةٍ لم تنجُ منها هولندا العريقة، فحلّ الايسلنديون في المركز الثاني بفارق نقطتين فقط خلف تشيكيا المتصدرة، متقدّمين على تركيا ايضاً.
لذا بعد موقعة مساء الاثنين امام انكلترا لم يفاجأ بالنتيجة بالتأكيد كل من لاحظ سابقاً ان منتخب ايسلندا ليس بالمنتخب الضعيف او العادي، فهو يملك كل الامكانات للقيام بمغامرة لن تنسى، وكل هذا حصاد عملٍ بدأ منذ زمنٍ طويل في بلادٍ صغيرة تعشق كرة القدم.

لاعبو ايسلندا المسجلون رسمياً اكثر من لاعبي لبنان

ايسلندا التي لا تملك جيشاً او سياحةً او شعباً كبيراً، تملك اكثر من ذلك عندما يرتبط الامر بالساحرة المستديرة. هناك في تلك البلاد الباردة التي يبلغ عدد سكانها 330 الف نسمة تجد 21.508 لاعباً مسجلاً على البيانات الرسمية للاتحاد المحلي (اضافة الى وجود 10.900 لاعب غير مسجّل)، اي اكثر من اللاعبين المسجلين في الاتحاد اللبناني ويبلغ عددهم 18.485 لاعباً!
المهم ان ايسلندا تعكس واقعاً لا مهرب منه في عالم الكرة، وهو ان المسألة ليست في عدد السكان بل في حجم الشغف للعبة الموجود في نفوسهم. والاهم ان الموضوع لا يرتبط بالعدد بقدر ما يرتبط بالثقافة الرياضية التي تملكها البلاد والاستراتيجية الناجحة التي يضعها القيّمون فتثمر نتائج كتلك التي حققها “الفايكينغز” في “يورو 2016”.
قبل كأس اوروبا الحالية لم تعرف ايسلندا اي اهمية عند اقرانها الاوروبيين الا خلال الحرب الباردة بحكم موقعها الجغرافي على مدخل القارة العجوز. والامر عينه ينطبق على عالم الرياضة حيث بدأت تلفت الانظار اليها منذ فترة قصيرة فقط، وتحديداً قبل 8 اعوام عندما احرز منتخبها لكرة اليد الميدالية الفضية في دورة الالعاب الاولمبية الصيفية في بكين، لتبدأ بعدها بالظهور في كرة السلة عبر منتخبٍ تأهل الى كأس اوروبا. لكن قد يكون اسهل ان تجمع خمسة او ستة لاعبين لرياضة تمارس داخل قاعة وتذهب بهم لبناء منتخبٍ قوي، من ان تتمكن من تأسيس منتخبٍ في كرة القدم حيث الحاجة اقله الى 23 لاعباً بمستوى عالٍ.
هذه القاعدة دمرها الايسلنديون، فمن القاعات نفسها خرّجوا منتخباً قوياً للملاعب الخضراء وذهبوا به ليضربوا اقوى اساطيل اوروبا تماماً كما فعل اجدادهم “الفايكينغز” في وجه السفن الكبيرة التي كانت تجوب البحار والمحيطات في الماضي البعيد.

ايسلندا تواصل مغامرتها الشيقة في اليورو وتتوعد فرنسا

اوروبا لم تلتفت الى ايسلندا سابقاً الا خلال الحرب الباردة

وهنا تبرز نقطتان بدّلتا كل شيء، اولاهما ذهاب البلاد الى تحدي البرد القاسي الذي يجتاحها لأشهرٍ طويلة، فتمّ بناء ملاعب مغلقة ومجهّزة بوسائل تدفئة، وهو امر بدأ العمل عليه في مطلع التسعينيات، وكان في صلب انتاج هذا المنتخب الرائع، اذ ان لاعبيه الذين ولدوا في اواخر الثمانينيات واوائل التسعينيات، كانوا اول من استفادوا من هذه المشاريع التي انتشرت في البلاد. وهذه المشاريع ترافقت مع دعمٍ مالي غير محدود لتخريج مدربين على مستوى عالٍ، فحصل المئات على شهادات التدريب من الاتحاد الاوروبي، وقبل 6 اعوام خضع اكثر من 650 مدرباً لدوراتٍ تدريبية في “يويفا”، وهو رقم كبير مقارنةً بعدد سكان البلاد.
ومع فتح ايضاً اكثر من 150 ملعباً للعموم حيث بمقدور ايٍّ كان القدوم وممارسة كرة القدم، لا شك في ان ما نراه من ايسلندا اليوم لن يتوقف، والدليل ان منتخبها للاعبين دون 21 سنة كان قد فاز في ايلول الماضي على فرنسا التي قادها كينغسلي كومان وادريان رابيو (3-2)، ما يعني ان دورة العمل لا تزال منتجة. وكل هذا النجاح كان ثمرة التخطيط على صعيد الفئات العمرية، اذ ان الاتحاد الايسلندي أمّن رواتب عالية للمدربين، ومنهم مدربو الصغار، ومُنع اي نادٍ من اعتماد مدرب لا يملك شهادة التدريب المطلوبة، وهي مسألة جعلت معدل التدريب الاحترافي من الاعلى في العالم استناداً الى حجم البلاد وعدد ممارسي اللعبة فيها.
وطبعاً مع النتائج التي حققتها ايسلندا في البطولة القارية سيتقاطر في وقتٍ قريبٍ جداً وعلى وجه السرعة كل الكشافين الاوروبيين الى البلاد للتنقيب عن النجوم الصغار الذين يملكون التقنية والفكر العالي والقوة البدنية في آنٍ معاً، وهي الخصال التي تميّز لاعب كرة القدم في العصر الحديث.
اما الضربة الناجحة التي كانت نقطة التحوّل الثانية، فهي تعيين السويدي الخبير لارس لاغرباك مديراً فنياً للمنتخب في مغامرة اعتبرها الاخيرة له بعدما جال العالم على الصعيد الدولي. لكن هذه المغامرة لم تكن خطرة ابداً وبدت حتى الآن اشبه بتلك التي عرفها ليستر سيتي في الدوري الانكليزي، اذ ان لاغرباك دفع لاعبيه الى الايمان بأنفسهم تماماً كما فعل الايطالي كلاوديو رانييري مع بطل “البريميير ليغ”. ايمان تفجّر نتائج رائعة في “اليورو” قد لا تكون نهايتها قريبة.