Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 29, 2018
A A A
مأدبة الذئاب في البيت الأبيض
الكاتب: بسام ابو شريف - رأي اليوم

التقى ترامب وماكرون. مهّد ماكرون لزيارته هذه بوصفها فرصة اقناع واشنطن بما تريده اوروبا، وهو عدم انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع ايران ، الذي كرسه مجلس الأمن كمعاهدة دولية . ماكرون الذي تعود منذ أن كان طالباً في الثانوية أن يكون ملتصقاً بمن يحميه ومن يقوده، ذهب في الواقع لاعلان ولائه للذئب الذي لا يشبع دونالد ترامب. لكنه وحسب نصيحة مالكة ولائه الأولى، ألبس اعلان ولائه هذا بثوب ”دارتانيان”، وتوجه لواشنطن ليعود بطلا أمام ”الفرنسيات والفرنسيين”، (كما كان يخاطب ديغول الشعب الفرنسي ).
الزيارة كانت زيارة دولية، زيارة رسمية، لكن ترامب (الذئب من أب ثعلب)، أعطى تلك الزيارة أبهة مضخمة أدهشت ماكرون وراعيته، فجاءت الزيارة مليئة بالمخمل والشامبانيا وفساتين السهرة والقبل الحميمة .

من ناحيته، كان ترامب قد قبض سلفاً ما يريد أثناء زيارة ماكرون السابقة، لكنه أراد أن يعطي ماكرون الغطاء، وأراد أن يعطي نفسه فرصة التقاط أنفاس بسبب الصراعات والفضائح التي علا صراخها خارج جدران البيت الأبيض (وقد يكون أخطرها ما هو آت، وهذه المرة ربما تكون من أقرب المقربين اليه، أي محاميه كوهين)، لكنه لم يغير موقفه اطلاقاً، وترك ماكرون يقول ما يريد أن يقوله، واذا لخصنا ما قاله ماكرون، فإن الاتفاق النووي سيصبح ”حسب خارطة الطريق التي اتفق عليها مع ترامب”، لاغياً من واشنطن واوروبا ايضا في حال عدم موافقة ايران على التفاوض على تعديلها لتشمل بنودا تتعلق بالصواريخ الباليستية، وأمن اسرائيل، وتراجع ايران من سوريا والعراق.
وأعطى ماكرون فرصة زمنية حتى العام 2025 ظاناً أنه يتذاكى ؟!! .

بين تقبيل ترامب لوجنة ماكرون اليسرى وتقبيله لوجنته اليمنى أعلن ترامب، وهو يربت على يد ماكرون أنه لن يسمح لايران بالوصول الى المتوسط !!!
جملة يقولها ترامب قد تبدو مبهمة للبعض، فالمعروف أن قوات ايرانية وصلت بالفعل للمتوسط من خلال وجودها في سوريا وقرب طرطوس، وحتى لو لم تكن قرب طرطوس فانها موجودة في مطار وقاعدة T4، التي قصفتها اسرائيل بالصواريخ من الجو، وذهب ضحية ذلك سبعة شهداء، فماذا نستخلص من كل ما شاهدناه وسمعناه وقرأناه :

– المبالغة في تدشين صداقة شخصية بين ترامب وماكرون مضحكة، فقد شاهد المرافقون مدى ”تضايق” ماكرون من قبل ترامب. والغريب أن الاثنين بدءا بالقبل، وهذا غير مألوف لدى الغرب والغربيين، فالقبلة هي التي يتبادلها الغربيون مع النساء وليس الرجال، لكن كون الاثنين ينطلقان لنهب أموال الشرق العربي، فقد تبنيا أسلوب الشرق ”الجزيرة والخليج تحديداً”. لقد كاد الاثنان أن ينسيا ضرورة تحية السيدتين بالقبلات. (عندما استقبل ترامب نتنياهو، وعندما زار اسرائيل لم يقبل بنيامين نتنياهو، بل اكتفى بتقبيل سارة)، هذه القبل، هي اعلان المصلحة المشتركة، وتحديدا خضوع ماكرون لترامب تماما كما يخضع الثعلب الصغير للثعلب الكبير. ووقّع ماكرون على موافقة فرنسا على قبول فتات مائدة ترامب الشرق أوسطية على أن يدفع الجنود الفرنسيون ثمن ذلك دماً .

– يريد ترامب أن يستخدم ما كانت التقارير القديمة قد ذكرته حول المكانة الخاصة لفرنسا لدى العرب. لكنها تقارير قديمة تعود الى عهد ديغول، الذي كان العرب وما زالوا يرون فيه بطلا من أبطال مبادىء الثورة الفرنسية، والرجل الذي قاد المقاومة المسلحة للاحتلال النازي والمؤيد لحرية واستقلال الجزائر، والداعم لحقوق الشعب الفلسطيني.
فرنسا تزود اسرائيل بالسلاح والتكنولوجيا، ولا تتخذ موقفا من الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين في فلسطين واليمن وسوريا (وصمتت على جرائم الرقة الجماعية التي ارتكبها الأميركيون)، وفرنسا تزود الارهابيين بالسلاح، وتعطي الحكومة موافقتها للشركات الفرنسية مثل ”لافارج”، لشراء النفط والمعادن المسروقة من الأرض السورية من داعش والنصرة، وتزود السلاح للارهابيين مقابل أموال تدفعها العائلة السعودية ودول خليجية اخرى .

– فرنسا تريد حصة من المنهوب والمقدر للنهب من العراق وسوريا واليمن، وقد نال ماكرون موافقة ترامب على نسبة 15%، حسب قول أحد الأميركيين المطلعين على مجريات كوشنر.

– وسيكون بوق ماكرون حول ايران بوقاً أميركياً ، وستصمت اوروبا. سوف يفاوض الروس على أن انسحاب الأميركيين يجب أن يسبقه انسحاب ايران من سوريا، وعدم وصول ايران للمتوسط سيعني أن يضغط ماكرون لعدم تسليم روسيا أنظمة دفاع جوية لسوريا قادرة على صد الاسرائيليين الذين اتفقوا مع ترامب ”وأعلم ترامب ماكرون”، على بدء عمليات مستمرة ضد المواقع الايرانية، ومواقع حزب الله، والمجلس السوري بعد زيارة ترامب لاسرائيل وللقدس في منتصف الشهر القادم.

اما انسحاب القوات الأميركية فيخطط ترامب هو، ودول عربية على رأسها السعودية لاحلال قوات عربية بمظلة أميركية تحت اسم جيش سوريا
”التابع للمعارضة المقيمة في الرياض واسطنبول وباريس ولندن وفيينا”. وسيترك ترامب الحرب لاسرائيل وحلفائها بدعم بريطاني وأميركي للتصرف في جنوب سوريا على جبهة تمتد من السويدا الى درعا وربما الرمثا، وستكون متواصلة مع قواعد عسكرية مساندة على طول الشريط الحدودي بين الاردن وسوريا من النتف حتى الرمثا واربد .
أضاف ماكرون مغريات لايران، ظناً منه أنها مغريات. فقد قال ”بالمشبرح”، سوف نتفاهم مع ايران على حصتها في المنطقة مقابل تراجعها عن التدخل العسكري أو التمدد القتالي، ودعم مسلحين في المنطقة، أي أنه اذا كانت ايران تسعى لجني مكاسب مالية أو اقتصادية في دول المنطقة، فان ماكرون الذي حصل من ترامب على فتات، جاهز ليتفاوض مع ايران باسم كل الذئاب حول حصتها من هذا .

ماكرون، الساذج غاب كلياً وغيّب عنه كلياً أن ترامب يتلقى أوامر وأنه ينفذ هذه الأوامر، اذ أن قراره مرهون بما يوافق عليه بنيامين نتنياهو ومن يصدر لنتنياهو الأوامر انها الحركة الصهيونية التي يقودها روتشيلد .

ان الوعي الفرنسي، هو أعلى بكثير مما يظن ماكرون، ولن تمر على هذا الشعب مسرحية القبل، ولن يقبل بهذا الحلف غير المقدس تماما كما ستسقط تيريزا ماي سيسقط ماكرون، ولن يكون هذا سلساً، بل ستشهد انكلترا وفرنسا نشاطاً شعبياً عارماً ضد سياسات الحكومتين الاجرامية، ودعمها لذبح مئات الآلاف من المدنيين، وتزويدها للطغاة بالسلاح والذخائر المحرمة لقتل الأطفال في اليمن وفلسطين وسوريا.
*

كاتب وسياسي فلسطيني