Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر February 24, 2018
A A A
البابا فرنسيس يحارب “استراتيجيّة اللدغ”
الكاتب: هالة حمصي - النهار

“الحيّة المحتالة” صنعت أوّل خبر زائف… البابا فرنسيس يحارب “استراتيجيّة اللدغ”
*

“منطق الحية”. ولكن ليس اي حية. “الحية القادرة في كل مكان على التخفّي واللدغ”. صريح البابا فرنسيس في تشخيص الحالة التي يواجهها الاعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي. الاخبار الكاذبة او الـ”Fake News” شعر بـ”لدغتها” مرارا، منذ جلوسه على كرسي بطرس في 13 آذار 2013. “البابا يعاني ورما في المخ”، “البابا يقول ان لا وجود لجهنم، وأن قصة آدم وحواء خرافة، وكل الأديان صحيحة”… غيض من فيض اخبار زائفة تواكب حبريته.

معركته مع الاخبار الزائفة بدأت قبل ان تكون هناك معركة. واذا كان في طليعة من تعرضوا ولا يزالون يتعرضون لـ”الفايك نيوز”، لهدف او لآخر، فقد عقد العزم هو ايضا على مكافحتها على طريقته. الفاتيكان انضم الى حلبة محاربي الاخبار الزائفة، محذرا، موجها. والى “حراس الاخبار”، رسالة بابوية قبل اقل من شهر، ودعوة الى “صحافة سلام”، على قول البابا، “صحافة من دون رياء” في مواجهة تلك الاخبار.

تحريف، كذب
عندما يتكلم البابا فرنسيس عن الاخبار الزائفة، يرجع اولا الى الكتاب المقدس، وتحديدا الى “سفر التكوين الذي يتكلم عن “الحية المحتالة” التي كانت، “منذ بدء البشرية، صانعة أول خبر زائف (تك 3، 15-1) قاد إلى النتائج المأسوية للخطيئة”، على ما يكتب في رسالته “الحق يحرركم”، مبيّنا “الاستراتيجية التي تستخدمها”، “التخفي واللدغ”، تماما كما تعرّض له طوال حبريته، منذ نحو 8 اعوام.

تصريحات محرّفة، اقتباسات كاذبة نُسبت اليه. اخبار مفبركة عنه لا تزال تجول في وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الخلفية، مصادر مجهولة احيانا كثيرة، وايضا معروفة. ايا تكن، يبقى الهدف سيئا، بتأثيرات واسعة: تشويه صورة البابا، هزّ ثقة الكنيسة به. وهناك ايضا تصفية حسابات معه. لا شك في ان تقنية اللدغ السام يخدم اعداؤه في الفاتيكان، بغية ازعاجه والتشويش عليه، وايضا توجيه رسائل اليه.

اول الغيث، تصريح في موضوع حساس، المثليون، أُخرِج بسرعة من سياقه. بعد اشهر قليلة من تسلمه الحبرية، قال ردا على سؤال في رحلة العودة من ريو دي جانيرو في البرازيل في تموز 2013: “إذا كان أحدهم مثلي الجنس، ويبحث عن الرب بنية حسنة، فمن أنا لأحكم؟” كلام مؤثر عمد بعض وسائل الإعلام الى تحويره، كالتلميح الى ان البابا يوافق على زواج المثليين، ويغير تعليم الكنيسة بهذا الشأن.

اشهر قليلة فقط تمرّ، وتنتشر شائعة مفادها انه يريد رسامة النساء “كرادلة”. في 13 كانون الاول 2013، حسم الامر في مقابلة مع صحيفة “لاستمبا” الايطالية، قائلا: “لا اعرف من اين نشأت هذه الفكرة. المرأة في الكنيسة يجب اعطاؤها قيمة، وليس اكليروسيتها”.

وتوالت الاخبار الكاذبة. في تشرين الاول 2014، انتشر خبر صادم على مواقع الكترونية مفاده انه صرّح ان “لا وجود لجهنم، وأن قصة آدم وحواء خرافة، وكل الأديان صحيحة”. في ملاحقة المصدر، تم الاشارة بالاصبع الى “دايفرستي كرونيكل”، وهو موقع ساخر “فبرك” الكلام البابوي في اطار خطاب “ختامي له وجهه الى المجمع الفاتيكاني الثالث” (لم ينعقد بعد)، بما يُفهم اصلا انه ليس صحيحا. ورغم ذلك، تم تناقله في شكل واسع.

مزيد من التصريحات المحرّفة والشائعات عنه، في وقت ترددت اخبار عن معارضة متنامية له في الفاتيكان. أشهَر الاخبار الزائفة عنه التي اقلقت المؤمنين الكاثوليك، “اصابته بورم في المخ”. في 21 تشرين الاول 2015، اوضح الفاتيكان حقيقة الامر عبر نفي ما اوردته الصحيفة الايطالية “كوتيديانو ناتسيونالي” بأنّ البابا مصاب بورم حميد في الدماغ شخّصه البروفسور تاكانوري فوكوشيما الياباني قبل بضعة اشهر. وانتقد المتحدث باسم الفاتيكان يومذاك الاب فريديركو لومباردي معلومات “غير مسؤولة” وردت في مقال “غير مبرر”.

الخبر الاكثر تناقلاً
العام 2016. الولايات المتحدة تتحضر للانتخابات الرئاسية. و”خبطة” بامتياز من خلال نشر خبر زائف (26 ايلول 2016) في موقع “الفايسبوك” بعنوان: “البابا فرنسيس يصدم العالم، ويدعم ترامب للرئاسة”. وفقا لموقع “بازفيد”، كان هذا الخبر الاكثر تناقلا بين بقية الاخبار الزائفة او الصحيحة خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة التي سبقت الانتخابات الاميركية. وقد حصد نحو 960 الف “لايك” او تعليق او مشاركة يومذاك.

من الولايات المتحدة ايضا، انتشر هذا الخبر الزائف. “البابا فرنسيس للمؤمنين: القرآن والكتاب المقدس سيان”، وفقا لما نشر موقع “سنيتش” الاميركي “المتشبه في صدقيته” في 16 كانون الاول 2016. في تدقيق اجراه موقع “بوليتيفاكت.كوم” المتخصصص بالتحقق من الاخبار، اكد انه “لم يجد اي دليل على قول البابا هذا الكلام”، في وقت “يستمر تناقل الخبر على الفايسبوك، مع روابط تعيد القراء الى مواقع متنوعة”، على قوله.

توضيح ضروري استوجبه ايضا نشر اقتباسات منسوبة الى البابا في شكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. ما تضمنته من دعوة على لسانه الى دمج المسيحية والاسلام “مفبركة”، على ما اكد المتحدث باسم الفاتيكان غريغ بورك في 3 كانون الثاني 2017 (أ ب). ومما جاء في هذه الاقتباسات يومذاك: “يسوع المسيح، محمد، يهوه، الله. كل هذه الأسماء مستخدمة لوصف كيان هو نفسه في جميع أنحاء العالم. على مدى قرون، تم سفك الدماء من دون داع بسبب الرغبة في الفصل بين دياناتنا”.

تصريح زائف مماثل: “نستطيع ان ننجز اشياء خارقة في العالم من خلال دمج دياناتنا. والوقت لتحقيق مثل هذه الحركة هو الآن”. في بحث على الانترنت، يتبين ان “هذه الاقتباسات الزائفة ونسخا متعددة لها بدأ تنقلها على الانترنت منذ العام 2015 على الاقل” (أ ب).

قصص “سخيفة”
17 شباط 2017. هذه المرة، تلقى كرادلة واساقفة صفحة مزيفة بالكامل من “لوبسرافتوري رومانو”، صحيفة الفاتيكان، من “مصدر مجهول”، في اطار اشتداد التوتر بين البابا فرنسيس وتيار التقليديين في الكنيسة، على خلفية المنحى الاصلاحي الذي يعتمده. مقابلة زائفة بالكامل مع البابا نفسه على الصفحة الاولى للصحيفة. والمانشيت: “لقد اجاب”. اعداء وراء العملية؟ الرسالة وصلت الى البابا.

معركة محتدمة، وتصريح آخر محرّف. البابا لم يقل “أُفضّل أن أكون ملحدًا على أن أكون كاثوليكيًّا فاتراً”، وفقا لما تم تناقله عنه في 23 شباط 2017، وخلّف ارتباكا. في حقيقة الامر، القى البابا عظة خلال القداس الصباحي في كابيلا بيت القديسة مارتا في الفاتيكان، تناول فيها معنى ان يكون المرء حجر عثرة للآخرين، وتبعات الحياة المزدوجة، قائلا: “كم مرّة نسمع بعض الأشخاص يقولون– في الحيّ أو في مكان آخر– أُفضِّل أن أكون ملحدًا على أن أكون كاثوليكيًّا كهذا الشخص”. وبين التحريف والنقل الامين، فرق كبير.

وذهب مفبركو الاخبار الى حد الاختراع ان “البابا فرنسيس يغيّر الوصايا العشر، بناء على طلب من الله”. وقد استوجب ذلك ان يؤكد الفاتيكان عدم صحة الخبر في 14 آذار 2017. في التفاصيل، نشر هذه الاقاويل موقع “ريل نيوز رايت ناو” المشتبه في امره، بقلم “آر.هوبوس.جاي دي” الذي يزعم انه “محقق صحافي” نال جائزة اعلامية “تبين انها غير موجودة”. وارجع كلام البابا الى عظة القاها خلال قداس احتفل به في اطار زيارته للاكوادور في 6 تموز 2015. التاريخ صحيح، غير ان الكلام المنقول عنه زائف كليا. “مثل هذه القصص سخيفة”، على ما علق بورك. وأضاف: “ندرك ان هناك الكثير من تلك القصص الزائفة، بيد ان معظمها لا يستحق اتخاذ اي اجراء من جانبنا، لانها مستبعدة جدا”.

ضربة اخرى لتشويه سمعة البابا. في 18 تشرين الثاني 2017، نقل موقع “يورنيوزواير” المشتبه فيه، قول البابا: “يسوع مجازي، وليس حرفيا”، اضافة الى تصريحات جدلية له، مع اتهامه بانه “ينشر عقائد شيطانية”. في تدقيق اجراه موقع “بوليتيفاكت.كوم” في هذا الخبر، لم يجد “اي دليل على قول البابا هذا الكلام، في وقت اكتفت مواقع في نقله عن المصدر الاول”، وفقا للموقع.

“صحافة سلام”
اللائحة تتسع لاخبار اخرى. “الفايك نيوز” أصبح ظاهرة مقلقة تطاول رأس الكنيسة الكاثوليكية مباشرة، وهدفها ليس برئيا اطلاقا. البابا فرنسيس حزم امره. في 29 ايلول 2017، غرّد معلنا على حسابه على “تويتر”: “اخترت لليوم العالمي للاتصالات الاجتماعية 2018 هذا الشعار: الحق يحرركم (يو 8: 32). الاخبار الزائفة والصحافة من اجل السلام”. وجدّد هذا الاعلان في 17 تشرين الثاني 2017، في حديث الى وكالة انباء كاثوليكية. نشر الاخبار الزائفة وغير المسؤولة “خطيئة خطيرة جدا”، على ما نقلت عنه.

وبذلك، حدد البابا فرنسيس المسؤوليات ورسم خطوط المعركة. الى الامام. في 24 كانون الثاني 2018، دعا “الجميع”، عبر تغريدة على “تويتر”، الى “تشجيع صحافة سلام، صحافة يصنعها اشخاص من اجل الاشخاص”. وفي اليوم نفسه، اصدر الفاتيكان رسالته بعنوان: “الحق يحرّركم” (يو 8: 32). أخبار مزيّفة وصحافة سلام”. ومما قال فيها: “مأساة المعلومات المضلِّلة تكمن في التعرض لصدقية الآخر، وتصويره كعدوّ، وصولاً إلى شيطنةٍ يمكن أن تغذي الصراعات. إن الأخبار الزائفة تُظهر هكذا وجود مواقف حساسة جداً وتتميّز في الوقت نفسه بانعدام التسامح. ونتيجتُها الوحيدة تتمثّل في خطر اتساع رقعة الغرور والحقد. وهذا ما يؤول إليه ما هو باطل، في نهاية المطاف”.

رسالة من 1720 كلمة، مع 4 نقاط مفصلة: ماذا هناك من “زائف” في الأنباء الزائفة؟ كيف يمكننا التعرف اليها؟ “الحق يحرركم (يو 8: 32)”، و”السلام هو الخبر الحقيقي”. وفي عصارتها، دعوة بابوية الى “صحافة من دون رياء ومعادية للزيف والشعارات المؤثِّرة والتصريحات الرنّانة… صحافة لا تحرق الأخبار بل تلتزم في البحث عن الأسباب الحقيقيّة للنزاعات، من أجل تعزيز فهمها من جذورها وتخطّيها من خلال إطلاق عمليات نزيهة. صحافة مُلتزمة في الإشارة إلى حلول بديلة لازدياد الصخب والعنف الكلامي”.

مسألة مهمة اخرى. الاخبار ليست وحدها الزائفة. بالنسبة الى البابا فرنسيس، ثمة صنف آخر من الزيف يجب الحذر منه، ويتعلق بالصوم. وكان له تعليم واضح في بداية زمن الصوم. “صوموا بصدق ومن دون أن ترتفع أصواتكم ليراكم الجميع ويقولوا عنكم: “يا له من رجل بار” هذا مجرّد ادعاء زائف، وهو التظاهر بالفضيلة”، على ما قال في عظته الصباحية في 16 شباط 2018.

حض على “الإماتات كي نشعر قليلاً بالجوع ونصلّي أكثر خلال زمن الصوم، ونُسائل أنفسنا حول طريقة معاملتنا للآخرين”. وتدارك: “هل يساعد صومي الآخرين؟ إن لم يساعدهم، فهو مزيَّف وغير صادق ويحملك على درب الازدواجيّة”. الصوم المزيف قد يلدغ بدوره.

البابا فرنسيس لدى وصوله الى أريتشيا في 18 شباط 2018، من اجل المشاركة في رياضة الصوم الروحية (أ ف ب).