Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر February 20, 2018
A A A
ماذا لو وقَعت «بعض التقارير» في يد الدول المانحة؟
الكاتب: جورج شاهين - الجمهورية

ثمّة مَن يُخفّف من أهمّية المواقف الدولية المتردِّدة تجاه الوضع في لبنان والتي تُترجمها بتأجيل المواعيد المبدئيّة المقرّرة للمؤتمرات الداعمة، معتبراً أنّ التأجيل لا يعني أنّ العالم تخلّى عن لبنان. وربما قد يكون عبور البلاد مرحلة الإنتخابات النيابية وتكوين سلطة جديدة أفضل للبحث في حجم الدعم المقرَّر للبنان.

على قاعدة القول المأثور «لا تكرهوا شيئاً لعلّه خيرٌ لكم»، يتعاطى بعض المسؤولين مع تراجع الخطوات الدولية تحضيراً للمؤتمرات المخصّصة للبنان، والتي تولّدت عقب الحديث المتنامي عن تأجيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت، إضافة الى التأجيل المحسوم لمؤتمر «باريس 4» الذي يُعرف بـ«سيدر واحد»، باعتبار أنّ مثل هذه الخطوة باتت رهناً بالتحرّك الذي يقوده الرئيس الفرنسي، ومن أولى النتائج المترتبة على تأجيل الزيارة الرئاسية، ما تردَّد عن نتائج متواضعة حقّقها موفده الخاص المكلّف بملف المؤتمر الى بعض العواصم العربية وحصيلة المشاورات المفتوحة بين العديد من الهيئات الدولية التي تعهّدت البحث في بعض العواصم لمساعدة لبنان على اكثر من مستوى.

وعند البحث في هذا المؤتمر، تبرز ملاحظات الجهات الدولية المانحة لجهة تقصير لبنان عن تنفيذ بعض الخطوات الإقتصادية المالية والإدارية الضرورية التي قال بها مؤتمر «باريس 3»، وقبله «باريس 2»، ولا سيما لجهة وضع الموازنة العامة لسنة 2018 والمشاريع المتصلة بمكافحة الفساد، عدا عن الإصلاح الإداري المطلوب في المؤسّسات الإنتاجية، ومصير القانون المتّصل بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص الذي لم تبدأ مفاعيلُه العملية بعد رغم إقراره بكلّ ما قال به من آليات وما يمكن أن يشمله لتخفيف حجم الدين العام والهدر.

وإضافة الى ما يمكن أن يتعرّض له مؤتمر باريس، فقد بات ثابتاً أنّ أكثر المؤتمرات أهمّية نظراً لارتباطه بدعم الجيش والمؤسّسات الأمنية والذي كانت ستستضيفه روما نهاية الشهر الجاري، قد أُرجئ الى منتصف آذار المقبل، بناءً على تفاهمٍ مسبَق بين المسؤولين اللبنانيين الذين طلبوا التريّث الى حين إنجاز القوى العسكرية والأمنية تحديد حاجاتها ولأسبابٍ أخرى لم يعلن عنها بعد.

وثمّة مَن يعترف بأنّ التريّث في هذا المجال مرتبط بطلب الجهات المانحة والمقرضة في آن بإخضاع هذه الحاجات إلى ما يُسمّونه «نقاشاً مسبَقاً» معها. وهي أمور مرتبطة بنوعيّة الأسلحة التي يحتاجها لبنان في أكثر من مهمة، ولأكثر من غاية إقليمية وداخلية.

فالمواجهة المفتوحة مع الإرهاب ما زالت في أولوية النظرة الى دور الجيش سواءٌ في الداخل أو على الحدود، وكذلك من أجل ضبط الوضع الأمني في الداخل ومنع أيّ حراك يمكن أن يستغلّ النازحين السوريين وشبكات إرهابية نائمة.

ولا يُهمل المعنيّون بهذا الملف التردّدات السلبية الناجمة من العلاقة الملتبسة في النظرة الدولية إلى الأمن في لبنان عندما يرتبط بقرار الحكومة النأي بالنفس الذي تبخَّر فور صدوره وبات حبراً على ورق.

فالموضوع مرتبط بملف سلاح «حزب الله» في اليمن وسوريا كما في الداخل اللبناني، خصوصاً عقب اللهجة التي تعالت حول دور هذا السلاح منذ أن نشأ الخلاف على الخط الأزرق برّاً، والخط البحري للمنطقة الإقتصادية الخالصة، حيث تركت مواقف بعض القيادات اللبنانية و«حزب الله» ردود فعل سلبية كان يمكن تأجيل الحديث عنها طالما أنّ المواجهة محصورة حتى اليوم بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، وهي مواجهة متكافئة ديبلوماسياً وسياسياً في معزل عن موازين القوة بين الجيشين.

فالأمر مرتبط في نظرهم بدور الأمم المتحدة والرعاية المتوافرة في القرارات الدولية الخاصة بالملف، وهي التي توفّر أولويّة العودة الى القوانين الدولية التي ترعى هذه الخلافات وتتحكّم بها، عدا عن الرعاية الأُمَمية وتلك التي أطلقتها الولايات المتحدة لمعالجة الإشكالات بين البلدَين وصولاً الى اعتقاد بعض أركان الديبلوماسية الفاعلة بأنّه لم يكن ضرورياً إشهار سلاح «حزب الله» حزبياً ورسمياً في هذه الملفات قبل استنفاد التدخّل الرسمي وتجاوز دور المؤسسات العسكرية والأمنية في المرحلة الأولى.

اما بالنسبة إلى مؤتمر «بروكسل 2»، فقد تعدّدت الأسباب التي تتحكّم به.

فالملفّ ليس محصوراً بالنازحين في لبنان إنّما سيتناول ملفاتهم في دول الجوار السوري من تركيا الى الأردن وبقية دول الشتات، ومنها دول أوروبية وأخرى عربية وغربية، ولا بدّ من التنسيق في ما بينها رغم الظروف الصعبة التي رافقت التدخّل العسكري التركي المباشر في سوريا، وتلك التي تتحدّث عن مناطق آمنة في الداخل السوري والتي تبخّر معظمها قبل أن ترى النور الى حدٍّ يمكن من خلالها استيعاب نسبة كبيرة من النازحين في الخارج وإعادتهم اليها.

وفي ضوء ما تقدّم، نُقل عن مراجع ديبلوماسية قولها عند مقاربة التحضيرات الجارية لهذه المؤتمرات، بأنّها لم تتلمّس حتى اليوم استعدادات لبنانية جدّية ومتكاملة لمواجهة ما هو مطلوب من إصلاحات.

وقد سُمع أحد الديبلوماسيين المعنيين يقول بما معناه إنّ التقارير الموضوعة عن الوضع في لبنان ليست مشجّعة في ظلّ المعلومات المتوافرة عن حجم الفساد المستشري في الإدارة والمؤسّسات الإنتاجية والخدماتية عدا عن المشاريع الكبرى التي تتّسم بكمٍّ لا يُقدَّر من السطو على أموال القروض والهبات، كما المال العام في الكهرباء والسدود والمياه والنفط والنفايات والتربية والزراعة ودوائر عدة، عدا عن التهرّب الضريبي ونموّ الدين العام، الى درجة تمنّى فيها ألّا تصبح هذه التقارير في جعبة الجهات المانحة، إذ إنها ستتردّد فور الإطلاع عليها في تقديم أيّ منح أو مساعدات وهبات مالية، وربما القروض بفوائد تشجيعيّة. وحتى يتغيّر شيء ممّا هو مطلوب، ما علينا سوى التريّث والإنتظار، فعهد المعجزات ولّى إقليمياً ودولياً.