Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 28, 2018
A A A
في ذكرى المحرقة ـ الهولوكوست.. آخر رسائل الضحايا
الكاتب: موقع D W

تعرض مؤسسة ياد فاشيم الإسرائيلية في معرض عبر الإنترنت رسائل كتبها يهود قبل قتلهم من قبل النازيين. والرسائل تضم كلمات مثيرة أخيرة موجهة للعائلة. ويمكن لكل شخص الاطلاع على تلك الرسائل عبر الإنترنت.
*

في 16 حزيران 1942 تجلس فانجا بارباكوف في حفرة تحت الأرض. عائلتها هي التي حفرت هذا المخبأ ـ تحت قبو البيت في غيتو مدينة درويا البولندية. وقريبا سيلجأ الألمان للقضاء على الغيتو. وفانجا تعرف معنى هذا عندما كتبت هذه السطور: “أحبائي، أكتب هذه الرسالة قبل موتي، لكنني لا أعرف اليوم بالتحديد الذي سأقتل فيه وأقربائي، لأننا فقط يهود … يدي ترجف، ومن الصعب مواصلة الكتابة إلى النهاية… كيف أحب الحياة وأتمنى تحقيق شيء من الخير! لكن كل شيء قد فُقد… وداعا! قريبتكم فانجا باسم الجميع: الأب والأم سيما وصونيا وسوسيا وراسيا وشوتسا. وباسم الصغيرة سيلدالي التي لا تفهم شيئا”.

” تتم قيادتنا كأنعام إلى كرسي المذبحة”
إنها الرسالة الأخيرة التي ستكتبها فانجا باراباكوف. وكما كانت تتوقع، سيتم الكشف عن المخبأ من قبل النازيين وقتل العائلة. فانجا لن تتجاوز 19 عاما من عمرها. لكن الرسالة نجت. وعثر عليها جار سلمها فيما بعد لحفيد فانجا. واليوم تُعرض الرسالة عبر الإنترنيت في معرض نصب ياد فاشيم التذكاري. ويمكن لكل واحد قراءتها، وحتى تلك الكلمات النضالية التي أضافتها تحت عبارة الوداع:” إخوتي من جميع البلدان، انتقموا لنا. يقودوننا كأكباش إلى كرسي الموت. فانجا”.

“آخر الرسائل من الهولوكوست. 1941 ـ 1942 ” هو عنوان المعرض المفتوح عبر الشبكة بالألمانية. وتعرض المؤسسة التذكارية عشر رسائل كُتبت من قبل أشخاص قُتلوا في الهولوكوست. إنها أسطرهم الأخيرة قبل الموت. والرسائل تأتي من كافة أوروبا، من بولندا ورومانيا أو فرنسا وتم إرسالها إلى أقارب في بريطانيا أو فلسطين. والعائلات سلمتها فيما بعد لمؤسسة ياد فاشيم.
“هذه الرسائل تكتسي أهمية كبيرة لدي”، تقول يونا كوبو، أمينة المعرض. “فخط اليد يشبه بصمة أصبع هؤلاء الأشخاص. فهم لمسوا الورق. ويمكن معاينة بعض الآثار وأحيانا الدموع التي سالت فوقها”.

“بشر مثلنا”
وفي حجرات الأرشيف لمؤسسة ياد فاشيم بالقدس توجد أكثر من 200 مليون صفحة من الوثائق. 450.000 صورة و 125.000 تقرير لشهود عيان جمعتها مؤسسة ياد فاشيم. إنه أكبر أرشيف للهولوكوست في العالم. وفي أرشيف Kompaktus يوجد دولاب قديم من الوثائق يضم وثائق شخصية لسجناء من معتقل ماوتهاوزن. وفي الحجرة توجد آلاف الرسائل من ضحايا الهولوكوست، اختارت منها يونا كوبو عشرة.

“إنه قرار صعب. أفحص كمية من الرسائل”. إنها تبحث عن شيء يمكن للناس أن يشعروا به اليوم، تقول كوبو. مثلا كفقدان العائلة، هذا يعرفه كل واحد. أو رسم من طفل. فالأطفال رسموا مثل اليوم، تقول كوبو. وهذا يكشف أنهم “كانوا بشرا مثلنا”.

كوبو تلبس قفازات بيضاء قبل أن تسحب حزمة من الورق من ظرف. رسم باهت بالألوان يظهر في الأعلى: بيت كُتب فوقه بالعبرية “بيت”. إنها صورة لسلمان ليفينسون. رسمها في 1941 كتحية شكر للخالة التي أرسلت له هدية بمناسبة عيد ميلاده التاسع. الرسالة مع بطاقة بريدية للأم ورسم من الشاب وصلوا إلى الخالة في فلسطين التي كانت حينها تحت الانتداب البريطاني. وفي تلك اللحظة لم تكن تعرف بأنها الرسالة الأخيرة التي ستصلها من حفيدها.

عشر رسائل ـ ستة ملايين قتيل
الفترة الزمنية 1941 ـ 1942 التي كُتبت فيها الرسائل تعكس بداية الإبادة المنهجية لليهود. فخلال مؤتمر “فانزي” الذي قرر فيه النازيون “إبادة” يهود أوروبا، انعقد في بداية 1942 حتى ولو أن مئات الآلاف من اليهود لقوا حتفهم في تلك الفترة. آلة الموت في أوشفيتس ومعسكرات اعتقال أخرى تسببت في النهاية في مقتل أكثر من ستة ملايين يهودي.

وغالبية المدونين للرسائل لم تعرف أنها لن ترى بعدها عائلاتها ولا أصدقائها. فالكثيرون أكدوا لأقاربهم أنهم في وضع جيد وأن الحرب مقبلة على الانتهاء ويمكنهم التلاقي من جديد. وعلى هذا النحو كتب إسحاق كورنوفسكي من معسكر الاعتقال الفرنسي درانسي:” يجب عليكم أن تكون أشجع، ولا تفقدوا الأمل بأننا سنجتمع يوما ما من جديد، كما كان في الماضي. أعانقكم بتكرار. سنتقابل قريبا”. زوجته شايا والابنان باول وهنري توصلوا بالرسالة دون معرفة أن إسحاق سيُنقل إلى معسكر أوشفيتس حيث قُتل.

” بالنسبة إلى الناس الذين يسلمونا هذه الرسائل يقتطعون جزءا من قلوبهم”، قالت أمينة مؤسسة ياد فاشيم التي أوضحت أن هذا المكان بالنسبة إلى العائلات هو المكان الذي يحافظون فيه على الذكرى بأقاربهم حية ـ وللأبد. وفي الأثناء حتى عبر الشبكة. وبعد هذا المعرض عبر الإنترنيت اتصل عدد متزايد من الأشخاص لتسليم المتحف رسائل وصور أقاربهم.

من غبار الأرشيف إلى الهاتف النقال
“ننقل القصص من عمق الأرشيفات إلى الهاتف النقال”، تقول كوبو، علما أن “حوالي مليون زائر يأتون كل سنة إلى ياد فاشيم. وعبر الإنترنيت نصل إلى ملايين أكثر. فالتقنية لا تعرف حدودا”.
وليس فقط في ألمانيا يمكن للناس قراءة رسائل ضحايا الهولوكوست، بل أيضا في إيران أو البلدان العربية.
والرسائل ستبقى في الإنترنيت، وهي لا تذكر فقط بالموتى، مدوني الرسائل الذين قتلهم النازيون، بل هي تحكي أيضا عن الذين حافظوا على الرسائل مثل زوجة وأطفال إسحاق كورنوفسكي.