Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 11, 2018
A A A
العلاقة بين ترامب وبانون انتهت… هل تتآكل شعبيّة الرئيس؟
الكاتب: جورج عيسى - النهار

لم يكتفِ مايكل وولف في مؤلَّفه الأخير بتعريض الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الإحراج الشخصيّ إذ نكأ أيضاً مزيداً من الجراح بين من كانا يوماً من أقرب المقرّبين تحت سقف البيت الأبيض نفسه. يوم الأربعاء الماضي، انتقد ترامب بشدّة كبير مخطّطيه الاستراتيجيّين ستيف بانون لأنّه قال لوولف إنّ اجتماع نجله دونالد ترامب جونيور بالروس في برجه الشهير هو “خيانة” إضافة إلى توجيه إهانة لابنته إيفانكا واصفاً إيّاها بالغبيّة. لكنّ بانون اعتذر يوم الأحد عن عدم ردّه في وقت أبكر على التعليقات “غير الدقيقة” التي نُسبت إليه كما قال، مشيراً إلى أنّ دونالد ترامب جونيور هو رجل “وطنيّ وطيّب”.

وفي بيان حصلت عليه شبكة “سي أن أن” من مصدر قريب من بانون، شدّد الأخير على أنّ تأخّره في الردّ على هذه التعليقات، أشاح بالأنظار بعيداً عن “الإنجازات التاريخيّة” التي حقّقها ترامب في سنته الأولى. وتضيف الشبكة نفسها نقلاً عن مصدر خاصّ بها أنّ الرئيس الأميركي خيّر حلفاءه بين الوقوف إلى جانب أو إلى جانب بانون. وتشير “سي أن أن” إلى أنّ البيان جاء إثر جهود لعزل بانون من منصبه الحاليّ كرئيس تنفيذيّ لموقع “بريتبارت” الإخباريّ. غير أنّ اعتذار بانون جاء “ضئيلاً جدّاً ومتأخّراً جدّاً” بالنسبة إلى ترامب كما نقلت عن مصدر آخر.

“ستيف الوسخ”
التعليق القاسي لترامب يوم الأربعاء الماضي لم يمحُه اعتذار بانون الأحد. فقد قال الرئيس الأميركي إنّ الأخير، “حين طُرد، لم يفقد وظيفته وحسب بل فقد عقله أيضاً”. ورأى أنّ بانون لم يقدّم شيئاً يُذكر في حملته الانتخابيّة وأنّه كان يمضي وقته يحيك صداقات مع المراسلين، مسرّباً إليهم
“معلومات خاطئة”. واصفاً إيّاه ب “ستيف الوسخ”. كان من المتوقّع ألّا يقبل ترامب باعتذار بانون بعد هذا الردّ العنيف. وتأكّد ذلك من خلال ما قاله المسؤول في المكتب الإعلاميّ للبيت الأبيض هوغان غيدلي الذي أكّد أنّ بيان ترامب واضح وأنّ كلام بانون الذي هاجم عائلة الرئيس هو “بغيض”. وأضاف: “أتحدّى أي شخص أن يذهب ويتكلّم (بالسوء) على عائلة شخص آخر ويرى إنّ لم يكن هذا الأخير سيرّد ويردّ بقوّة”.

ألاباما ما زالت في الأذهان
جاء كتاب وولف “نار وغضب … داخل البيت الأبيض لترامب” ليغلق آخر ما تبقّى من خيوط تعاون رفيعة بين الرجلين. حتى من دون صدور هذا المؤلّف، كانت علاقة الرجلين في مستويات متدنّية مقارنة مع ما كانت عليه سابقاً إلى حين رحيله عن البيت الأبيض. ومع ذلك، حافظ الرجلان على التواصل بينهما في عدد من المناسبات التي برهنت أنّ بانون يتسبّب بالأضرار الكبيرة للحزب الجمهوري. ففي هذا المجال، ألقى عدد من المراقبين والجمهوريّين اللوم على بانون الذي كانت له اليد الطولى في خسارة المقعد عن ولاية ألاباما في انتخابات كانون الأوّل الماضي. فقد أصرّ بانون على دعم روي مور المتورّط بفضائح تحرّش جنسيّ في مواجهة لوثر ستراينج المدعوم من ترامب في الانتخابات التمهيديّة، ففاز مور قبل أن يخسر في الانتخابات النهائيّة.

لكن يبدو أنّ بانون ذاهب إلى نهاية مسيرته المهنيّة أيضاً إذ يتّضح أنّ أصدقاء الرئيس اختاروا فعلاً الوقوف إلى جانبه والابتعاد عن المخطّط الاستراتيجيّ السابق في البيت الأبيض. فقد أعلن بانون أمس عن استقالته من منصبه في “بريتبارت” قائلاً إنّه فخور بما أنجزه فريق الموقع الإخباريّ في وقت قصير. وأشارت وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية إلى أنّ رحيل بانون عن منصبه كان “صادماً” بالنسبة إلى بعض حلفائه. إذ قال أحدهم إنّ الرجل كان يتوقّع في أحاديثه إلى المقرّبين منه ببقائه في “بريتبارت”. وهنا يثار التساؤل عمّا إذا كانت نهاية مسيرة بانون المهنيّة باباً لنهاية مسيرته السياسيّة وما إذا كان الواقع الجديد سيؤثّر على قاعدة ترامب الأساسيّة في نهاية المطاف.

“شيزوفرينيّ” أم “واهم”؟
كتب الصحافيّ فيليب فيغمان مقال رأي ضمن مجلّة “ذا واشنطن أكزامينر” لفت النظر فيه إلى أنّ بانون يرى ترامب رئيساً قد وصل إلى البيت الأبيض عبر حصد أصوات تيّار القوميّين الشعبويّين. لكنّ الرئيس الأميركيّ بات يبتعد في بعض سياساته عن هذه القاعدة الشعبيّة لذلك، يريد بانون الآن استرجاع هذا التيّار. وردّاً على الصحافيّ مات درادج الذي عيّر بانون بأنّه “شيزوفرينيّ” بعد انتقاده نجل ترامب، رأى فيغمان أنّ بانون لا يعاني من انفصام سياسيّ لكنّه رجل “واهم”. فإرادة المسؤول السابق في البيت الأبيض استرجاع القاعدة الشعبيّة من ترامب تعني أنّه يريد بناء “ترامبيّة من دون ترامب” ولهذا السبب، يعيش بانون في الوهم كما كتب فيغمان.

انقلاب الصورة رأساً على عقب
نائب رئيس تحرير صحيفة “ذا دايلي كولر” سكوت غرير كتب أنّ ما يحصل مع بانون يظهر انقلاب الصورة بين بدايتي العامين الماضي والحاضر. ففي أوائل سنة 2017، كان يُنظر إلى بانون على أنّه العقل المفكّر للبيت الابيض والقوة الحقيقية في الجناح الغربي، أمّا اليوم فقد تدمّرت فرص بانون في بناء “تيّار ترامبيّ أبعد من ترامب”. في الماضي القريب، كان هنالك سياسيّون يندفعون لنيل دعمه من أجل خوض المعارك الانتخابيّة، لكنّهم سيتردّدون أو حتى يخجلون من هذا الفعل بحسب الكاتب. وبعدما كان بانون يبني إطاراً عاماً لاستراتيجيّة ترامب وقاعدة سياسيّة لكي يخوض المرشّحون حملاتهم على أساسها، فإنّ الأمر سيتغيّر من اليوم وصاعداً. “إنّ تيّاراً ترامبيّاً (بقيادة بانون) لا يمكنه النجاة إذا أدين من الرجل الذي أعطاه اسمه”، يؤكّد غرير. وهذا يعني أنّ قاعدة ترامب الشعبيّة محصّنة إلى حدّ بعيد، حتى ولو ساهم بانون في بناء جزء منها.
قد يكون بانون ذاهباً إلى خسارة نفوذ داخل القاعدة “الترامبيّة” بحسب تسمية عدد من الوسائل الإعلاميّة. لكن ماذا بعد نهاية حقبة ترامب السياسيّة أكانت سنة 2020 أو 2024؟ هل يستسلم بانون أم يجد طريقة أخرى للتسلّل إلى الواجهة مجدّداً؟ أسئلة قد يفكّر هو نفسه بإيجاد أجوبة لها بعد ابتعاده المفترض عن السياسة والإعلام في الفترة المقبلة.