Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 30, 2017
A A A
حنينٌ إلى زمن «القيصر»
الكاتب: شربل كريم - الأخبار

لم تكن الصفقة الضخمة التي حملت مدافعاً إلى ليفربول صدفة، إذ من خلال فيرجيل فان دايك يمكن التأكد من أن الأندية عادت لتعرف مدى قيمة المدافعين النجوم، فأصبحت أهميتهم بالنسبة إليها بأهمية أكبر المهاجمين.

في سبعينيات القرن الماضي أكد لاعب ألماني اسمه فرانتس بكنباور أنه إذا كان هناك ملك لكرة القدم بثوب مهاجم، هو البرازيلي بيليه، فإن للعبة قيصراً بشكل المدافع، الذي بإمكانه قيادة فريقه وحمله إلى الألقاب وصناعة الفارق في أي لحظة من المباراة، تماماً كما يفعل الهدافون.

دارت الأيام، اعتزل بكنباور، ودخلت اللعبة في العصر الحديث حيث فرض المهاجمون حكمهم على عالم المستديرة، رغم كل التضحيات التي قام بها كل من وقف خلفهم، أي المدافعون وحراس المرمى، فسيطر أصحاب القدرات التهديفية على الجوائز الفردية، وعلى الأرقام القياسية في سوق الانتقالات، وبقي المدافعون في ظلهم، فعلت الأصوات أخيراً مطالبةً بحق هؤلاء، وكان آخرها لقائد منتخب ألمانيا المعتزل فيليب لام، الذي قال إنه يجب تعديل قوانين منح الكرة الذهبية وغيرها من الجوائز الفردية التي لا تنصف أولئك الذين يشغلون خط الظهر.

لكن مع ظهور جيل جديد من المدربين المؤمنين بالكرة الشاملة من حيث التعاطي الاستراتيجي، وتحديداً في عملية البناء من الخلف إن كان في رسم التشكيلة الكاملة للفريق أو من خلال عملية بناء الهجمات على أرض الملعب، عاد المدافعون ليكونوا تحت الأضواء، وعادوا ليكونوا نجوماً في سوق الانتقالات. وما عزّز هذه المسألة الشحّ الموجود في السوق حيث يصعب إيجاد مدافعين عالميين من طينة بكنباور، والدليل أن مدافعاً مثل الإسباني كارليس بويول التصق بقميص برشلونة طوال مسيرته، إذ لم يفكّر النادي الكاتالوني إلا في كيفية إرضائه لضمان بقائه معه حتى يوم اعتزاله. وكذلك ينطبق الأمر بالنسبة إلى مواطنه سيرجيو راموس الذي بات القائد الحقيقي لريال مدريد الذي رفض مراراً كل العروض التي قُدّمت من أجل نجم دفاعه…

الأمثلة كثيرة، والأرقام تحكي اليوم عن واقع الحال، حيث بات المدافعون العالميون عملة نادرة، وباتت العملة الكبيرة هي الوحيدة القادرة على جذبهم إلى هذا الفريق أو ذاك.

من هنا، جاء تعاقد ليفربول الإنكليزي قبل أيام مع قلب الدفاع الهولندي فيرجيل فان دايك بمبلغٍ قياسي بالنسبة إلى مدافع وصل إلى 100 مليون دولار. انتقال لقي انتقادات كثيرة من قبل قسم من جماهير ليفربول، حتى على اعتبار أن ما حصل يعدّ تبذيراً غير محسوب، وخصوصاً أن اللاعب لم يأتِ من فريقٍ كبير، بل من ساوثمبتون.

لكن الحقيقة أن الصفقة قد لا يكون مبلغها مبالغاً فيه، وتحديداً بالنسبة إلى فريقٍ مثل ليفربول الذي يعاني ما يعانيه دفاعياً بتلقيه الأهداف بالجملة، وهو ما يضيّع جهود الترسانة الهجومية التي تعمل بشكلٍ ممتاز هذا الموسم بقيادة المصري محمد صلاح والسنغالي ساديو مانيه والثنائي البرازيلي كوتينيو وروبرتو فيرمينو.

* شحّ المدافعين العالميين رفع الأسعار في سوق الانتقالات.

وبما أن الهجوم «شغّال» بطريقة ممتازة، حسبها ليفربول جيداً، إذ بدلاً من استقدام ثلاثة أو أربعة مدافعين بهذا المبلغ، فإنه ضمن الحصول على أحد أفضل المدافعين في الدوري الإنكليزي الممتاز، الذي قد ينقل صلابته الدفاعية إلى اللاعبين الذين سيجاورونه في الفريق الأحمر. ولليفربول تجارب سيئة على هذا الصعيد من خلال استقدامه لمدافعين بأسعار عادية ليدفع الثمن غالياً على أرض الملعب، على غرار ما حصل معه في استقدام الكرواتي ديان لوفرين والاستوني راغنار كلافان والكاميروني جويل ماتيب الذي انتقل إليه من دون أي مقابل مادي.

وعلى ما يبدو فإن ليفربول تعلّم من تجارب غيره، وتحديداً مانشستر سيتي الذي كان السبّاق في إنكلترا لصرف المبالغ الكبيرة مقابل التعاقد مع أبرز المدافعين، فجاء إليه جون ستونز مقابل 61 مليون دولار، ثم كايل ووكر الذي كان قبل صفقة فان دايك المدافع الأغلى عندما دفع السيتي ثمناً له 70 مليون دولار، ثم لحق به الفرنسي برنار مندي من موناكو بمبلغ مشابه.

ومن خلال هذه التوليفة أصبح العمود الفقري لفريق المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا قوياً للغاية (رغم إصابة مندي الطويلة)، فأصبح مهاجموه ينطلقون إلى الأمام من دون أي حسابات معقّدة أو قلقٍ لما يمكن أن يحصل خلفهم، وهو الأمر الذي يحتاج إليه ليفربول تحديداً، إذ إنه يعدّ مع السيتي الفريقين الأكثر إمتاعاً في «البريميير ليغ»، وبوصول فان دايك سيصبح الدفاع أقوى، وهي المسألة التي ستنعكس إيجاباً في الشق الهجومي.

إذاً عاد المدربون للإيمان بأن لا ديناميكية لأي فريق ولا توازن من دون قائد لخط الدفاع، وهو أمر عرفه مدرب «الريدز» الألماني يورغن كلوب أكثر من غيره عندما كان مع بوروسيا دورتموند بوجود «القيصر الصغير» ماتس هاملس، الذي يلمس اليوم الفريق الأصفر والأسود نتائج رحيله عن الفريق، حيث حطّ في بايرن ميونيخ ليؤمّن الثبات للفريق البافاري، تاركاً فريقه السابق يتقهقر دفاعياً وعاجزاً عن إيجاد البديل له.

إذاً هي مسألة بناء، وهو ما يحاول ليفربول فعله عبر استقدام قائد يمكنه التواصل مع زملائه أيضاً، ويمكنه أن يطلق عملية الربط مع الخطوط الأخرى. وهذه النقطة تندرج أيضاً ضمن اهتمامات ليفربول الذي كان قد بدأ أصلاً ترميم جميع خطوطه، والدليل عندما ذهب إلى إبرام صفقة مبكرة مع الغيني نابي كيتا نجم وسط لايبزيغ الألماني.
*

مع صفقة فان دايك عاد المدافعون ليكونوا نجوماً في سوق الانتقالات مثلما كان عليه الأمر أيام «القيصر» فرانتس بكنباور (أرشيف، أ ف ب)