Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر December 27, 2017
A A A
سوريا 2017… ضعف أممي وغياب أميركي وسيطرة شبه كاملة لروسيا
الكاتب: موسى عاصي - النهار

حصاد 2017 على مسار جنيف السوري… ضعف أممي وغياب أميركي وسيطرة شبه كاملة لروسيا
*

لا يمكن الحديث في نهاية هذا العام عن الكثير من الانجازات التي تحققت في الملف السوري عبر العملية التفاوضية المستمرة في جنيف، بل على العكس، فقد سيطرت المراوحة القاتلة على خمس جولات عقدت عام 2017 من أصل 8 عقدت منذ بدء العملية التفاوضية مطلع عام 2014، والمراوحة التفاوضية تعني بلغة الملف السوري تراجعاً في المسار الأممي لصالح مسارات أخرى كانت أكثر حيوية كمسار أستانا الذي تولى شأن الميدان وأثمر اتفاقات نجحت في تخفيض التصعيد في مناطق عديدة من سوريا، ومسار سوتشي المنتظر انعقاده مطلع العام 2018، وينتظر منه أيضاً أن يتولى الملف السياسي من بوابة واسعة جداً تتخطى بضخامتها ما جرى وسيجري في جنيف.

لم تكن اسباب هذا الفشل في جنيف متعلقة بالمبعوث الأممي ستيفان دي مستورا الذي حاول مرات عديدة تخطي العقبات الضخمة الناتجة من الصراع بين مرجعيات الأزمة السورية من أجل إنتاج تفاهمات أولية بين الأطراف السوريين توضع على الطاولة متى حان وقت التفاهمات الكبرى. وكانت المحاولة الأهم عندما بادر، في الجولة الرابعة مطلع آذار الماضي، إلى وضع ورقة تتضمن 12 بنداً مبدئياً لا يختلف عليها السوريون، كوحدة سوريا وسيادة الدولة على أراضيها وبناء دولة لا طائفية وتساوي الحقوق والواجبات وغيرها من المبادئ العامة التي تشكل عقداً اجتماعياً بين أي شعب والسلطة الحاكمة، ومع ذلك لم يتمكن دي مستورا من عقد جلسة جدية واحدة تناقش هذه البنود طيلة العام المنصرم.

حاول بعد ذلك تقسيم النقاش إلى 4 ملفات سماها السلاّت الأربع، فكان الخلاف على الأولويات بين الطرفين، الحكومة لا تريد مناقشة أي بند آخر قبل مناقشة السلة المتعلقة بالإرهاب، واشترط بشار الجعفري، رئيس الوفد المفاوض الحكومي، في جولات بداية العام 2017 أن يصدر بيان رسمي من قبل المعارضين يعلنون فيه تنديدهم ورفضهم للإرهاب، فيما أصر الطرف الآخر على مناقشة السلة الأولى المتعلقة بالحوكمة، على أساس أن هذا البند يتضمن الاعتراف الدولي، استناداً إلى بيان جنيف1، بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وترجمة ذلك رحيل الرئيس السوري بشار الاسد وكل الرموز المقربة منه عن السلطة، على ان تقوم الهيئة المشكلة بتحضير البلاد لانتخابات جديدة ووضع دستور جديد، وتقوم أيضاً هي بإدارة القوات المسلحة في الحرب على الإرهاب.

كان هذا المطلب، بحسب المراقبين في جنيف، مستحيل التحقيق، والسؤال الذي كان يطرح دائماً “ما الذي يجبر النظام السوري على الدخول بمفاوضات حول رحيله عن السلطة؟”، خصوصاً وأن التطورات الميدانية التي بدأت تعيد التوازن بين الطرفين منذ دخول القوات الروسية على الخط خريف عام 2015، بدأت مع مرور الوقت تظهر خللاً كبيراً لصالح القوات الحكومية والقوات المتحالفة معها. وكل تقدم حكومي في الميدان كان ينعكس تراجعاً في المسار السياسي، وتراجعاً لقوة ضغط الوفد المعارض على الطاولة التفاوضية، بالتزامن مع تراجع واضح للدعم الدولي الذي حظيت به المعارضة منذ بدء الأزمة عام 2011.

أستانا تسرق الأضواء من جنيف
في هذا الوقت، بدأت أستانا (عاصمة كازخستان) بسحب الأضواء من جنيف، فبين اللقاء الأول الذي عقد في 23 كانون الثاني الماضي، والجولة العاشرة التي عقدت في 21 كانون الاول 2017، كرس هذا المسار نفسه مرجعية لعملية تفاوضية اتفق خلالها السوريون من الطرفين الحكومي والمعارض، وكذلك الدول الراعية، على أن “الحل في سوريا لن يكون إلا حلاً سياسياً”، وعلى هذا الأساس تم تثبيت وتطبيق تفاهمات خفض التوتر وتراجع التصعيد في العديد من المناطق التي اتفق عليها في أستانا إلى الحد الادنى، وبدأ السوريون في هذه المناطق يمارسون حياتهم اليومية بشكل شبه طبيعي.

وقد سهل الالتزام بخفض التوتر العمليات العسكرية التي خيضت، إن من قبل القوات الحكومية وحلفائها الذين استطاعوا طرد تنظيم “داعش من دير الزور بعد حصار دام 4 سنوات”، أو في مناطق الشمال حيث تمكنت قوات سوريا الديمقراطية بدعم قوات التحالف الدولي من استعادة مدينة الرقة.

مهّد نجاح مؤتمر أستانا الطريق أمام الروس للتفكير بشكل أوسع من أجل الإمساك بزمام الأمور السورية، فكانت فكرة المؤتمر الوطني السوري في سوتشي، تحاول موسكو فيه جمع أوسع مروحة للشخصيات والقوى السورية على اختلاف ألوانها ومشاربها السياسية، والهدف الوحيد هو وضع خارطة طريق لحل يستند أولاً إلى الاتفاق علىى صيغة دستور جديد لسوريا يمهد للانتخابات المقررة عام 2021، أي مع نهاية الولاية الحالية للرئيس الأسد وليس انتخابات مبكرة، على ان لا يلحظ اي اتفاق منع الأسد من الترشح لولاية اضافية.

أما المرحلة الفاصلة حتى بلوغ الانتخابات بعد نحو أربع سنوات، فستدار من قبل حكومة وطنية جامعة تتمتع بصلاحيات استثنائية (وليس كاملة) إضافية عن الصلاحيات الممنوحة للحكومة الحالية بحسب الدستور القائم، ما يعني تخفيض صلاحيات الرئاسة من حيث السياسات الاقتصادية والاجتماعية والداخلية، وحصرها فقط بأمور السياسة الخارجية والدفاع.

غياب الولايات المتحدة
لم تحدث الضربة الأميركية لمطار الشعيرات على خلفية حادثة خان شيخون مطلع نيسان الماضي، أي تغيير على مستوى الحضور الأميركي في سوريا، فالولايات المتحدة تهتم فقط بالتركيز على مناطق سيطرة الاكراد في الشمال حيث الدعم الكامل لهم ادى إلى سيطرة مقاتلي “سوريا الديمقراطية” على 25% تقريبا من جغرافية سوريا وتمكنوا من دحر مقاتلي “داعش” في عاصمة دولتهم الرقة.

ولم يرفع ذلك من منسوب تأثيرهم على المسار السياسي للأزمة الذي بات في عهد الرئيس دونالد ترامب تحت سيطرة الروس بشكل شبه كلي، والملاحظ في لقاءات جنيف الاسبوعية لمجموعة الدول الراعية والذي يتضمن ممثلين عن عشرين دولة، أن الحضور الأميركي انخفض بشكل كبير، فقلما يتحدث المندوب الأميركي في هذه الاجتماعات، خلافا للاجتماعات التي كانت تعقد في عهد باراك اوباما، اذ كان الأميركيون يقفون عند كل نقطة وفاصلة من تحركات الجانب الروسي في الميدان السوري.

وترد الاوساط الديبلوماسية في جنيف ما آلت اليه السياسة الأميركية بالنسبة إلى سوريا إلى عدم وجود استراتيجية واضحة أو على الأقل خطة أميركية للمدى المنظور حول سوريا، حتى إن الدعم الذي تقدمه واشنطن للأكراد لم يمنحهم قوة فرضهم في مفاوضات جنيف ولا في أي مؤتمر يجمع السوريين.

وتبدو روسيا مع نهاية العام، اللاعب الدولي شبه الوحيد في الساحة السورية إلى جانب القوى الاقليمية، تركيا وايران والسعودية، وقد استغل الروس الغياب شبه الكامل للولايات المتحدة الأميركية عن هذا الملف لتحصين تواجدهم سياسيا وعسكريا.

ما المنتظر خلال العام 2018؟
تقول الاوساط الأممية في جنيف ان موسكو تستعجل انعقاد مؤتمر سوتشي ووضع حد للأزمة السورية تتقاطع مع مصالحها قبل اتخاذ الادارة الأميركية قراراً بالعودة إلى الساحة السورية ومحاولة تقاسم السيطرة معها، ويجري الجانب الروسي اتصالات مكثفة مع الامم المتحدة بشخص الامين العام انطونيو غوتيريس والمبعوث الخاص ستافان دي مستورا من اجل اقناع المنظمة الأممية بحضور سوتشي على مستوى عال. وفي المقابل تعد موسكو بأن يبقى المؤتمر جزءاً من عملية جنيف السياسية، لا بديلا منها.

واذا كانت الامم المتحدة قد اقتعنت، بحسب مقربين من المبعوث الخاص، ببقاء مسار جنيف أساساً للعملية السياسية، إلا انها تعتقد ان مؤتمر سوتشي سيخلط الاوراق السورية وبالتالي الاستراتيجية التي تعمل عليها المنظمة الأممية منذ 4 سنوات، لا سيما وأن موسكو ترى في مسار جنيف، وخصوصاً في الجولة الأخيرة، مراوحة، ولا تتوقع إحراز اي تقدم ببقاء الوفد المعارض على ما هو عليه. وتقول الاوساط المقربة من الجانب الروسي في جنيف، إن موسكو تعمل على تغيير جذري بتشكيلة الوفد المعارض أولاً على مستوى الأفراد، إذ تعتقد أن رئيس الوفد نصر الحريري وبعض الشخصيات المنضوية فيه باتت “عقبة امام تقدم مسار جنيف”، ولا بد من توسيع الوفد ليطال شخصيات أخرى، من “معارضة الداخل”، وهي معارضة يرى فيها الوفد المعارض “امتداداً للنظام”.

كما ترى موسكو أن بيان المعارضة الناتج من مؤتمر الرياض2 غير واقعي ولا يعكس “العقلانية” التي يجب أن يتحلى بها المعارضون “استناداً للواقع الميداني”.

وتتخوف الامم المتحدة من أن يترجم مؤتمر سوتشي المشيئة الروسية ويخرج بنتائج تتعارض مع مسار جنيف، أو تفرض عليه واقعاً جديداً، كون المؤتمر سيُشرك مئات الشخصيات وربما يتجازو العدد الـ1300 مشارك، ما يعني ان الحضور المعارض التقليدي المعبر عنه في وفد جنيف سيكون اقلية وربما هامشياً.

وسيضع مؤتمر سوتشي مسار جنيف امام خيارات صعبة جداً، فالأمم المتحدة لن تستطيع تجاهل واقع سوتشي وعدم العمل بنتائجه لأن المتوقع في هذه الحالة ان تقاطع الحكومة السورية جولات جنيف، وفي حال اراد دي مستورا الأخذ بنتائج المؤتمر الروسي فعليه اعادة النظر أولاً بتركيبة الوفد المعارض، إما عبر اعادة هيكلته واستبعاد من تضع عليهم موسكو فيتو أو توسيعه من خلال ضم شخصيات اضافية ستبرز في محطة سوتشي، فتتحول عندئذ المعارضة “المتشددة” حيال النظام إلى اقلية غير فاعلة.

أما في حال أرادت الأمم المتحدة تجاهل نتائج موسكو فإنها لن تستطيع مواصلة مسار جنيف، لسبب بسيط، أن الوفد الحكومي لن يشارك في جولاته طبقاً لوصفة ما قبل سوتشي.
*

الرئيس بشار الأسد بين جنوده (أ ف ب).