Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 8, 2017
A A A
خطاب سيد المقاومة… وتدشين معركة عزل الصهيونية عن اليهودية
الكاتب: حسن حردان - الأخبار

قد لا يكون مألوفاً، عند الكثير من العرب والمسلمين أن يكون هناك خطاب يميز بين اليهودية كدين وبين الحركة الصهيونية كأديولوجيا عنصرية استيطانية استعمارية قامت على احتلال أرض فلسطين بدعم من المستعمر الانكليزي ومن ثم دعم الولايات المتحدة الأميركية.

ففي المرحلة الماضية ارتكبت أخطاء قاتلة في إدارة الصراع مع كيان العدو الصهيوني، لا سيما لناحية عدم التفريق بين هذا الكيان الذي استغل اليهودية واليهود من أجل تمويه أهدافه الاستعمارية، وكان الخطأ الأكبر رفع شعار «رمي اليهود في البحر»، ما شكل أكبر خدمة للقادة الصهاينة ومكّن حركتهم من استخدام ذلك سلاحاً مهما لإقناع الجاليات اليهودية في الدول العربية للهجرة الى فلسطين خوفاً من تعرضهم للقتل من قبل العرب الذين يرفعون شعار «رميهم في البحر». لقد أسهم هذا الخطاب في دفع قسم كبير من اليهود للارتماء في أحضان الحركة الصهيونية وفكرها القائم على احتلال أرض فلسطين بدعوى أنها أرض اليهود، شعب الله المختار، حسب الفكر التلمودي الذي حرف الدين اليهودي كرسالة سماوية ليكون متلائماً مع أهداف الحركة الصهيونية المدعومة من قوى الاستعمار الغربي الذي مكن العصابات الصهيونية من احتلال فلسطين وإقامة ما سمي بدولة إسرائيل لتكون القاعدة المتقدمة في قلب الوطن العربي لتقسيم العرب ومنع توحدهم ولتكون الأداة التي تحمي المصالح الغربية الاستعمارية الكامنة في السيطرة على النفط العربي.

* إن مثل هذا الخطاب له أهمّيته في المعركة وفي الحرب النفسية.

من هنا جاء خطاب قائد المقاومة، سماحة السيد حسن نصر الله، في مسيرة عاشوراء ليصحح هذا الخطأ الجسيم ويعيد النظر في طريقة مخاطبة اليهود ويميز بين من هو صهيوني، وبين من هو يهودي غير صهيوني، لا سيما وأن هناك الكثير من اليهود ضد إسرائيل ويعتبرونها غير شرعية مثل حركة ناطوري كارتا التي ينتمي إليها عدد كبير من اليهود.

خاطب السيد نصرالله اليهود وقال لهم إن الحركة الصهيونية استغلت اليهودية واليهود من أجل إقامة مشروع احتلالي في فلسطين والمنطقة خدمة للانكليز والسياسات الأميركية، وإن الحركة الصهيونية تستخدم اليهود كوقود في خدمة الحروب الاستعمارية الغربية ضد شعوب المنطقة، وقال لليهود إنكم ستدفعون الثمن بسبب السياسات الحمقى لرئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي يحاول جر المنطقة إلى حرب في سوريا ولبنان، وإن حكومة نتنياهو تقودكم إلى الدمار والهلاك، وإنه إذا بدأوا الحرب فإن نتنياهو وحكومته لا يعرفون كيف ستنتهي، وهم لا يملكون صورة صحيحة عما سينتظرهم لو ذهبوا إلى حماقة الحرب هذه. عندما يقول هذا الكلام قائد المقاومة الذي عُرف لدى الرأي العام في الكيان الصهيوني بصدق ما يقول، والذي يعترف المحللون الصهاينة وعلماء النفس منهم بأن لأقواله وقعاً وتأثيراً كبيرين، فإن صدى كلامه هذا سيفعل فعله في أوساط الرأي العام، خصوصاً عندما يدعو اليهود المقيمين منهم في فلسطين إلى العودة إلى البلدان التي جاؤوا منها، لأنه إذا اندلعت الحرب قد لا يكون بإمكانهم مغادرة فلسطين المحتلة والنجاة بأنفسهم.

إن مثل هذا الخطاب الجديد على اليهود له أهميته الكبيرة في المعركة والحرب النفسية الدائرة بين المقاومة وكيان العدو الصهيوني. فالقائد الذي يريد فعلاً تحقيق النصر على عدوه ومنعه من تحقيق أهدافه وتعميق مأزقه هو القائد الذي يعرف كيف يعتمد خطاباً وسياسة وسلوكاً يستطيع من خلالهم تفكيك جبهة العدو وتحطيم مفاهيمه المزيفة وإسقاط شعاراته وادعاءاته وخداعه للرأي العام. وبالتالي تسعير التناقضات في جبهته الداخلية.

لهذا كله فإن خطاب السيد حسن نصر الله كان مهماً جداً وهو يشكل فعلاً عنصر قوة إضافية في معركة المقاومة ضد الكيان الصهيوني المحتل والغاصب للأرض والحقوق والذي يهددنا كل يوم بشن حروب جديدة مدمرة. وإن عنصر القوة في مثل هذا الخطاب يعزز من مناقبية المقاومة بكونها تنشد محاربة المعتدين والمحتلين وهي لا تخلط بينهم وبين الناس العاديين الذين لا دخل لهم أو يجري استغلالهم لخدمة هؤلاء. ولذلك فإن من واجب المقاومة أن تنبه هؤلاء الناس وتخاطبهم وتقول لهم بأن معركتها ليست معهم وأن عليهم أن ينتبهوا من أن يجري توريطهم في خدمة سياسات استعمارية تستخدم الدين لتحقيق أهدافها المعادية للشعوب والإنسانية الدين منها براء، تماماً كما جرى ويجري توظيف التنظيمات الإرهابية من «داعش» و«النصرة» وغيرهما من تنظيمات تدعي الانتماء للدين الإسلامي، في شن حروب في المنطقة تخدم الاستعمار الأميركي والصهيوني. ومثلما دشن قائد المقاومة نهجاً جديداً يميز بين اليهودية والصهيونية، لتفكيك منظومة التعبئة الصهيونية المضللة لليهود، فإن المقاومة دشنت في معركة تحرير الجرود الشرقية مسلكاً ثورياً لإزالة وتفتيت إيديولوجيا «داعش» القائمة على غسل عقول عناصرها وإقناعهم بأنهم يجاهدون ضد كفار وأنهم إذا فجروا أنفسهم أو قتلوا سيذهبون إلى الجنة، وتجلى ذلك بأن المقاومة عندما حاصرت عناصر «داعش» وأسرت بعضهم قدمت لهم الماء والطعام وعاملتهم معاملة جيدة أحدثت صدمة لديهم هزت قناعاتهم، وجعلتهم يدركون أن الصورة التي صورتها لهم قيادات «داعش» عن المقاومة إنما هي صورة غير صحيحة.

إن هذا السلوك هو الذي يسهم في خلخلة البنية الفكرية التي بني عليها عناصر «داعش»، ويؤدي إلى إثارة سجال ونقاش حول صحة ما جرى تعبئتهم به. فالمعركة مع الكيان الصهيوني الإرهابي العنصري، والإرهاب التكفيري ليست معركة عسكرية أمنية وحسب، إنما هي أيضاً معركة سياسية وفكرية وإديولوجية، تتطلب أن نعمل على فضح وتعرية وكشف حقيقة زيف فكرهما المزيف الذي يدّعي الانتماء للإسلام واليهودية. فلا الصهيونية تنتمي لليهودية، ولا «داعش» أو «النصرة» ينتميان للإسلام.

انطلاقاً مما تقدم فإن خطاب سماحة السيد حسن نصر الله كان خطاباً نوعياً بكل ما تعنيه الكلمة لأنه دشن وفتح معركة عزل الصهيونية عن اليهودية وبالتالي العمل على إسقاط البنيان المزيف الذي قام عليه كيان العدو الصهيوني.