Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر May 25, 2016
A A A
بين الثأر والشهادة… تطلّ الفتنة
الكاتب: نهلا ناصر الدين - البلد

بعد أكثر من سنة وثمانية أشهر ثأر آل حمية لشهيدهم، فغدا والد الشهيد “قاتلا” في عرف القانون، وابن أخ “القاتل” شهيداً في العرف الاجتماعي… تداخلت الصفات وتشعبت بين قتيل وقاتل، وما بين شهيد وشاهد، والنتيجة واحدة، فتنةٌ تطلّ من جديد بوجهها البشع من بوابة البقاع، حيثما تعاجزت الدولة عن أخذ دورها، وعجز منطق العشائر عن استيعاب “تسويات الذل”، فراح “الملدوغون” في صدورهم يبحثون عن ثأرهم في المكان “الخطأ” حيث يتكاسل المنطق عن تبرير ردّ الفعل المتأخر ذاك، وتنتحر فلسفة العواطف امام مشهد الموت المتنقل، لنجد انفسنا امام مشهدٍ ضبابي تتناحر فيه التساؤلات كما الغرائز بين مؤيد ومعارض، ومشْركٍ بحرقة أبٍ مفجوع، ومشتركٍ بالتهليل لاستجرار الدماء على مبدأ شريعة (حمورابي) التي يعود عمرها إلى العام 1790قبل الميلاد…!

في مشهدٍ “ثأري” ليس بالمستحدَث على الساحة البقاعية، وُجد الشاب حسين محمد الحجيري (مواليد 1996) ابن شقيق مصطفى الحجيري الملقب بـ”ابو طاقية”، وابن مختار البلدة السابق محمد الحجيري، قبل ظهر امس، وبعد ساعات من خطفه من منتصف مدينة بعلبك من أمام أحد مراكز الامم المتحدة، مقتولا بطلقات نارية عدّة ومرمياً على قبر الجندي الشهيد محمد حمية في جبانة طاريا. وسرعان ما اعلن معروف حمية والد الشهيد مسؤوليته الشخصية عن قتل حسين الحجيري وأكد أنه فعل ذلك ثأراً لدماء ابنه الشهيد، وأنه في مكان آمن حاليا ولن يسلم نفسه، قبل ان ينهي ثأره من “أبو طاقية” وأخيه المختار و”أبو عجينة”، مشددا على ان “اهل عرسال اهلنا واخوتنا، وثأري ليس من عائلة الحجيري كلها، بل مع ثلاث عائلات منها، ولكن اذا ما ارادوا فتح باب الثأر على مصراعيه فأهلا وسهلا بهم ونحن في انتظارهم”.

ترقّب وحذر
وسادت حالة من الترقب في قرى البقاع لا سيما القريبة من عرسال، على اثر التخوف من الوقوع في كمين سلسلة الثأر والثأر المضاد ما بين آل حمية وآل الحجيري، والتخوف من ان يتوسّع بيكار الفعل ورد الفعل ليدخل في محظور الفتنة المذهبية التي عمل الوجهاء في المنطقة على ضبط تدحرجها بين البقاعيين. وعلى الاثر اتخذ الجيش اجراءات امنية في محيط بلدة عرسال ونفذ مداهمات لمنازل مشبوهين في طاريا بحثا عن معروف حمية. وعمل الصليب الاحمر والدفاع المدني والقوى الامنية على نقل جثة حسين محمد الحجيري التي كانت ملقاة على قبر الجندي الشهيد محمد معروف حمية، وتم تسليمها الى الجهات المختصة لاجراء التحقيقات اللازمة والكشف عليها في مستشفى دار الامل الجامعي في دورس من قبل الطبيب الشرعي علي سلمان. وهزّ خبر مقتل الشاب حسين الحجيري اهالي عرسال كما والقرى المجاورة، بينما كان التوتر سيّد الموقف في عرسال التي ما كلّت غيوم الفتنة عن زيارة سمائها خلال السنوات الخمس الاخيرة منذ اندلاع الحرب السورية.

شركاء في المعاناة
ونفى رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري في حديثه لـ”البلد” أي حضور مسلح في عرسال، ولكن عمّت حالة من الغضب لدى اهل الفقيد عقب وصول الخبر، وهذا امر طبيعي، وطالب الحجيري بأن يبقى كل خطأ ضمن اطاره وظروفه التي يحصل بها، فـ”الجريمة لا دين لها ولا مذهب وكلنا في هذه المنطقة شركاء بالمعاناة وندفع ثمن إهمال الدولة وحرمانها لمنطقتنا، وبالتالي نحن ملزمون بأن تكون يدنا بيد بعضنا البعض لأن المركب إذا ما غرق سيغرق بنا جميعا”. مشيرا الى ان عرسال تشهد اجراءات امنية موقتة، بينما يتوخى اهالي عرسال الحذر ريثما تعود الاوضاع لتسير بشكلها الطبيعي، فـ”هناك قوى امنية يفترض ان تتابع القضية وتوصل كل انسان الى حقه، ولذلك نعمل مع بعض الاهالي على مؤاساة اهل الفقيد وامتصاص غضبهم. ونؤكد لهم بأن حقهم لا يمكن ان يعود الا عن طريق الدولة ولو بعد حين”. حيث تشير الاجواء الى أن اهالي الفقيد لن يذهبوا نحو ردّ أو مواجهة، وقرروا ضمنيا منح الفرصة للاجهزة لتأخذ دورها، “لأن المنطق العشائري والمذهبي والمناطقي لا يوصل الى اي نتيجة ولا يصب على النار الا مزيدا من الزيت”.

تفاصيل الحادثة
الجو العام نفسه الذي استشفته “البلد” من مصطفى الحجيري عم حسين الحجيري الذي دفع حياته ثمناً للقرابة التي تجمعه بالشيخ مصطفى الحجيري، والذي أكد ما اكدته مصادر عرسالية بأن لا علاقة للفقيد الذي يبلغ من العمر 20 عاما، لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة، ولا مواقف له ولوالده ولاخيه من الثورة السورية حتى، يعمل في “سوبر ماركت”.
وفي تفاصيل الحادثة تم اختطاف حسين بعد ان توجّه صباح امس الى رأس العين في بعلبك من أجل حضور ندوة في مكتب تابع للأمم المتحدة، كونه يأخذ من الامم “بونات” شرائية لصالح النازحين السوريين في عرسال، مثله مثل باقي تجار المناطق التي تضم نازحين سوريين. وعند مغادرته، قامت سيارة رباعية الدفع بإختطافه والتوجه به إلى جهة مجهولة، قبل قتله ونشر صور جثته في جبانة بلدة طاريا بالقرب من قبر الشهيد محمد حمية. وتجدر الاشارة الى ان الفقيد ابن اخي مصطفى الحجيري من والدته وليس من والده. وطالب الحجيري الدولة اللبنانية بالاقتصاص من حمية الذي “جاهر بجريمته في وضح النهار من شاب لا ناقة له ولا جمل” على حدّ تعبيره، متابعاً “عندما تسكت الدولة عن اخذ حق هذا الشاب البريء كما تقاعست عن دم أخي، فالايام كفيلة بأن تهيئ لنا أخذ حقنا، ونحن مسلمون ونؤمن بأن هناك حسابا يوم القيامة وعند الله يجتمع المتخاصمون”.

مواقع التواصل
وشكلت الحادثة مادة دسمة لمواقع التواصل الاجتماعي، وانقسم الشارع الفايسبوكي بين معارضٍ للثأر ومهلل له، وبين نادبٍ على الشهيد حمية وباكٍ على شباب المغدور الحجيري، فوجد عماد بأن “لا فرق بين من قتل محمد حمية ومن قتل حسين الحجيري”، وحيّا علاء من صفحته الخاصة “رجال آل حمية” وتابع تعليقه “لما ما في دولة تاخد الحق نعم لأخذ الحق باليد”. وانتشر على مواقع التواصل هاشتاغ “العين_بالعين” وعلّق فوزي “الثأر العشائري ببساطة نتيجة غياب وتقصير الدولة اللبنانية”، وتساءل فادي “هل الشاب الذي لم يتجاوز الـ20 ربيعا له علاقة بمقتل الجندي محمد حمية، ألم يقرأ والد الجندي الشهيد محمد حمية الآية الكريمة التي تقول “ولا تزر وازرة وزر أخرى “.