Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر September 2, 2017
A A A
جرائم طائرات “الدرون” من التجسس إلى حمل المتفجرات
الكاتب: باول ماركس - بي بي سي

يتحول كثير من المجرمين حاليا إلى استخدام طائرات بدون طيار (طائرات الدرون) في العديد من الجرائم، بداية من انتهاك الخصوصية، إلى تهريب مواد مخدرة إلى المساجين من فوق أسوار السجون.

كان دانيل كيلي، الذي يقيم في جنوب لندن، يعتقد أن لديه فرصة جيدة للهرب بجريمته بعد أن استخدم طائرة بدون طيار يتحكم بها عن بعد لتهريب مخدرات إلى ساحة أحد السجون البريطانية، وذلك بعد أن غطى طائرته باللون الأسود، ووضع أشرطة لاصقة على المصابيح الصغيرة فوقها.

في الساعات الأولى من يوم 25 نيسان العام الماضي، تمكن كيلي من أن يُطيّر طائرته صينية الصنع وهي تحمل عبوة من التبغ والمواد المخدرة المحظورة قانونيا، فوق أسوار سجن سويلسايد في جزيرة شيبي بمقاطعة كنت البريطانية. ولسوء حظه، لم يفلح في تقدير فرص نجاح هذه العملية. وانتهى به الأمر في السجن لمدة 14 شهرا، ليصبح أول شخص في بريطانيا يتعرض لعقوبة الحبس بموجب تشريع يعاقب على مثل هذا السلوك. لكن كيلي ليس وحده من يفعل ذلك، فهو واحد من بين العديد من الأشخاص حول العالم الذين أدركوا القدرات المحتملة لتلك الطائرات صغيرة الحجم ورخيصة الثمن لأداء العديد من الأنشطة الإجرامية.

وحاليا، تدشن أجهزة الشرطة أقساما جديدة تضم محققين مختصين في تحليل الأدلة الرقمية ليتمكنوا من الوصول إلى المعلومات الدقيقة المتعلقة بجرائم طائرات الدرون. ويتزايد التهديد الذي تمثله تلك الطائرات باستمرار، سواء كانت تُستخدم لتهريب مواد محظورة، أو للتجسس على الناس، أو إعاقة عمل أجهزة الطواري، أو إزعاج بعض الحيوانات في بيئاتها، أو التعرض لطائرات الركاب.

كيف يستعين تنظيم الدولة الإسلامية بطائرات تجارية من دون طيار؟
ففي الأسابيع القليلة الماضية، على سبيل المثال، أجبرت طائرة درون خمس رحلات جوية في مطار غاتويك في لندن على تغيير مسارها. وليس من السهل دائما التعرف على المتحكمين عن بعد في طائرات الدرون، فقد أصبحت متوفرة أمام المستهلكين حاليا، بالإضافة إلى أنها رخيصة الثمن، ويمكن التحكم فيها بسهولة. وبالتالي، ينبغي على الحكومات أن تجتهد، وبشكل سريع، من أجل التوصل إلى تشريعات لمواكبة الفرص المتزايدة لاستغلال المجرمين لتلك الطائرات.

“محققو الدرون”
في الأشهر القليلة الماضية، أعلنت إدارة السجون والشرطة في بريطانيا عن تخصيص موارد لإنشاء وحدات لمكافحة استخدام طائرات الدرون في تهريب المواد المحظورة إلى السجون البريطانية. وظهرت تقارير تقترح تخصيص ثلاثة ملايين جنيه استرليني لإنفاقها على هذه الوحدات الجديدة.
حتى لو تحطمت الطائرة الدرون، يستطيع رجال الشرطة تعقب من كان يوجهها عن بعد من خلال المعلومات التي خلفها فيما يعرف بـ “النظام البيئي الرقمي” الذي كانت تتصل به الطائرة، مثل الهاتف المحمول
وهناك أيضا سبب واضح وراء اهتمام أجهزة تنفيذ القانون بالأنشطة التي تقوم بها طائرات الدرون، التي يمكنها أن تنقل أكثر من مجرد المخدرات إلى السجناء. إذ استخدمت تلك الطائرات من قبل لنقل هواتف محمولة، ومناشير، وسكاكين، وشرائح أرقام للهواتف، ووحدات ذاكرة “يو إس بي”، وغير ذلك. وذلك بخلاف قدرتها على عبور الأسوار والحواجز، مما يُعقد عمل المؤسسات المختلفة، من المباني الحكومية وحتى المطارات. وهذا بالطبع يجعل من الضروري بالنسبة لأجهزة تنفيذ القانون تحديد هوية مشغلي تلك الطائرات.

وبينما كانت قضية كيلي نادرة الحدوث فيما يتعلق بتمكن أجهزة الأمن من الإمساك بكل من الطائرة الدرون نفسها، ومشغلها، والهاتف المحمول المستخدم في السيطرة عليها، كانت الطائرة تحمل بيانات تشغيل سليمة، لم تتعرض للتلاعب أو للمسح.

لكن كيف يمكن التعرف على المجرم الذي كان يتحكم في طائرة درون، عندما تعثر الشرطة على جسم تلك الطائرة فقط في موقع الجريمة؟ أو عندما تعثر على بقايا حطام هذه الطائرة؟ أو على الهاتف المحمول المستخدم في توجيهها؟ أو عندما يكون هناك مشتبه به محتمل وراء تشغيل تلك الطائرة، دون العثور على الطائرة أو أي من متعلقاتها؟

هذه هي المواقف التي تحتاج إلى “محققي الدرون” للتدخل لكشف هذه الأمور.
لكن إثبات وجود صلة ما بين طائرات الدرون والأجهزة الرقمية التي تتحكم فيها، وبين الشخص الذي يشغلها ليست مهمة سهلة.
وهذا أدى إلى وجود اعتقاد بأنه مع وجود طائرات درون تعمل بأجهزة التحكم عند بعد، وبشكل مجهول في الغالب، فإنه من السهل ارتكاب جرائم باستخدام تلك الطائرات والإفلات من العقاب. فطائرات الدرون أصبحت رخيصة الثمن، ويمكن التخلي عنها بسهولة إذا شعر مشغلها بأنه يواجه خطر السقوط في قبضة الشرطة.
وقد أدى كل هذا إلى ضرورة وجود أدوات أكثر تساعد جهات التحقيق في التحري وجمع وتحليل البيانات، كما يقول جيمس ماكلير، المحامي المختص بالقضايا المتعلقة بطائرات الدرون، بمكتب “فروست براون تود”، في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي الأميركية. ويضيف ماكلير: “باتت النواحي القانونية المتعلقة بطائرات الدرون تكتسب أهمية متزايدة بسبب زيادة أعداد تلك الطائرات في الجو. فطائرات الدرون التجارية تستخدم الآن من قبل منظمات إرهابية، كما أن تحويلها لتصبح سلاحا للقتل يجعل تلك الجوانب القانونية المتعلقة باستخدامها أمرا مهما للغاية”.
ويعرف ماكلير المخاطر المحتملة لاستخدام طائرات الدرون أكثر من أي شخص آخر، إذ كان يعمل طيارا سابقا لطائرات الهليكوبتر بالجيش الأمريكي، وخرج بطائرته في مهام مشتركة مع طائرات درون حربية في العراق.

وتمتد الحاجة لوجود قوانين تحكم استخدام طائرات الدرون لتشمل أيضا الحفاظ على المدنيين. فالجماهير في مباريات كرة القدم، والحفلات الموسيقية، والمسيرات الاحتجاجية، غالبا ما يكونون عرضة للخطر بسبب استخدام البعض لتلك الطائرات.
ففي مهرجان في سياتل عام 2016، على سبيل المثال، تعرضت سيدة لارتجاج في الدماغ بعد أن ارتطمت طائرة درون بأحد المباني وسقطت فوق رأسها. وبالطبع هناك احتمال كبير أيضا أن تخترق طائرات الدرون خصوصية الناس، بشكل قد يدفع البعض إلى مطاردتها ومحاولة تحطيمها باستخدام بعض الألعاب النارية، وهو ما ينطوي أيضا على بعض المخاطر.

إذا، كيف ستتمكن السلطات المعنية من الإمساك بالمجرمين الذين يستخدمون طائرات الدرون؟
يقول ديفيد كوفار، وهو محقق في الجرائم الرقمية، ومستشار في مجال أمن الإنترنت في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة، إن السر لا يكمن في تلك الطائرة نفسها. ويضيف كوفار أن الأمر يتعلق بأكثر من ذلك، فالطائرة الدرون هي مجرد جزء من “نظام بيئي رقمي” معقد.
ويشمل ذلك “النظام البيئي الرقمي” أجهزة عديدة مثل الهواتف المحمولة، وأجهزة التحكم عن بعد (الريموت كنترول)، وأجهزة استشعار خاصة بجمع البيانات، مثل نظام “جي بي إس” العالمي لتحديد المواقع، وأجهزة قياس سرعة الحركة (لطائرات الدرون)، والبوصلة، ووسائل التقاط الصور ومقاطع الفيديو.
لذا، فهناك الكثير من الوسائل أمام المحققين للمساعدة في جمع الأدلة الجنائية، كما يقول كوفار.

لماذا يجب أن تتعلم تشغيل الطائرات بدون طيار
ويضيف كوفار: “لكن أهم جزء في هذه الطائرة على الإطلاق، والذي يمثل أكبر مصدر للمعلومات، هو الهاتف المحمول أو جهاز التابلت المتحكم فيها”. لكن هناك تحديا آخر، وهو أن شركات إنتاج تلك الطائرات متعددة، وتستخدم تقنيات رقمية متعددة أيضا.

فعلى سبيل المثال، كيف تخزن طائرة الدرون – محل التحقيق – بيانات رحلتها؟ وإلى متى تحتفظ بالبيانات المتعلقة بالارتفاع وطول مدة الطيران، ومن أين انطلقت؟ وما هي البيانات المتاحة المخزنة في الطائرة نفسها، والمخزنة في نفس الوقت في أجهزة التحكم فيها عن بعد؟ أضف إلى ذلك أن طائرات الدرون تستخدم أنظمة تشغيل مختلفة، مما يوجب على المحققين ضرورة التعرف على كل نظام تشغيل على حدة.
وفي بعض الأحيان، يتمكن المحققون من تسجيل الدخول إلى التطبيق الذي تستخدمه الهواتف للتحكم في تلك الطائرات، وبذلك يتمكنون من معرفة بيانات المستخدم، والوصول إليه.

ويقول مايكل ماي، مدير شركة “فلاي ثرو” لتشغيل طائرات الدرون التجارية بالمملكة المتحدة: “لقد واجهنا بالفعل بعض المواقف التي تمكنا فيها من تحليل بيانات بعض طائرات الدرون التي اكتشفها رجال الشرطة في بعض السجون، أو طائرات عثروا عليها مهشمة”. ويضيف ماي: “على المحققين أن يعرفوا سبب وصول تلك الطائرات إلى ذلك المكان، حتى يتمكنوا من العثور على أي أدلة جنائية من خلال أي معلومات متوفرة، سواء كانت مخزنة في نظام تسجيل بيانات تحرك الطائرة، أو من خلال تحليل البصمات، وتحليل الحامض النووي (للمجرمين) على أجزائها المختلفة”.
ويمكن العثور على بصمات المجرمين على أجزاء مختلفة من طائرات الدرون، وخاصة فوق سطحها المعدني، أو البطاريات التي وضعت لتشغيلها. وهناك أيضا بطاقة ذاكرة خارجية لتسجيل الفيديو في معظم تلك الطائرات، ويمكن من خلالها التوصل إلى الشخص الذي كان يستخدمها.
لكن في المقابل، هناك أيضا مشغلو طائرات درون ممن يتمتعون بقدرات عالية على إخفاء أي بيانات يمكن أن تساعد في اكتشافهم.
لذا، يقول غريم هورسمان، أستاذ الكمبيوتر بجامعة ساندرلاند، إن هناك بعض الخدع التي يستخدمها مشغلو طائرات الدرون لإخفاء البيانات المتعلقة بمواقع طيرانها. وتوصل إلى أنه يمكن إيقاف تشغيل بعض الخواص في الهاتف المحمول الذي يستخدم كجهاز تحكم عن بعد في تلك الطائرات، وبالتالي لا تسجل الطائرة الأماكن التي طارت فوقها في بيانات ذلك الهاتف. ويقول هورسمان أيضا إنه من خلال استخدام ورق الألومنيوم المستخدم في تغليف الطعام، وذلك بوضعه فوق الجزء الخاص بنظام تحديد المواقع “جي بي إس” في الدرون، يمكن منع طائرة الدرون من تسجيل بيانات الأماكن التي تحلق فوقها.

ويقول كوفار إن أجهزة تنفيذ القانون تسعى دائما للإمساك بطائرات الدرون التي تشتبه بها، من أجل تحليل بياناتها للتأكد من أنها لم تكن تستخدم في أنشطة إجرامية. ويضيف: “أمسكت السلطات طائرة درون تخص محتجين في داكوتا الشمالية بالولايات المتحدة، على سبيل المثال. كما أن طائرة الدرون التي هبطت فوق البيت الأبيض ذات مرة جرى تحليل البيانات الخاصة بها. وأنا أعلم أيضا أن العاملين في أجهزة الاستخبارات يحللون بيانات طائرات الدرون التي كان أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية يستخدمونها في أرض المعارك”.
ويتفق كثير من الخبراء على أن أسوأ حوادث استغلال طائرات الدرون لم تقع بعد، لذا من الضروري امتلاك الأجهزة المعنية القدرة على تحديد هوية مستخدمي تلك الطائرات.

ويقول ماي: “ما يقلق أكثر هو أن بعض طائرات الدرون يمكنها أن تطير بحمولة تصل إلى 15 كيلوغراما، وهو وزن كبير بالفعل. وقد يتحول الإرهابيون من استخدام الشاحنات المفخخة إلى استخدام تلك الطائرات للهجوم من الجو”. ويحذر ماي من أن بعض المجرمين قد يستخدمون طائرات الدرون كسلاح بيولوجي، وذلك لنشر جرثومة الأنثراكس، على سبيل المثال، فوق منطقة معينة.

ويقول هورسمان: “أعتقد أننا سنشعر بالدهشة على الدوام من الطرق التي يمكن أن يستخدم الناس بها طائرات الدرون في المستقبل، وهي طرق لا حدود لها”.