Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر August 21, 2017
A A A
لماذا رهن البطريرك عريضة صليبه الذهبي؟
الكاتب: روزيت فاضل - النهار

كيف قاوم البطريرك الحويك مجاعة 1915 ولماذا رهن البطريرك عريضة صليبه الذهبي؟
*

“لولا البطريرك الياس الحويك لما كان للبنان اي وجود، او حتى لما كان للموارنة اي وجود ايضاً”، هكذا اختصر المؤرخ الدكتور عصام خليفة دور الحويك النموذجي، والذي تمايز في وقوفه في وجه جمال باشا ومساندته اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين ودروزا، في مجاعة 1915.

قرار المجاعة!
اعتبر خليفة انه “كان للبطريرك الحويك لغة مزدوجة مع جمال باشا”، مشيراً الى انه “التزم المرونة معه لأن جمال باشا اراد إذلال اللبنانيين عموماً والموارنة خصوصاً من خلال محطات عدة منها المجاعة”. وتوقف خليفة عند مذكرات آخر متصرف عثماني في جبل لبنان أوهانس باشا قيومجيان (ارمني الأصل)، الذي ذكر عن هذه الفترة (ص 209) ان “اللبنانيين وخصوصا الموارنة هم خونة لسلطانهم، ولا بد من طرد نية السوء هذه على الدوام. لقد حان الوقت للتضييق عن قرب على هؤلاء الرعايا الكافرين، واشعارهم بان لا وسيلة خلاص لهم الا الخضوع الصادق للدولة العثمانية”… وأشار خليفة في المذكرات نفسها (ص 274-278) ان قيومجيان راسل جمال باشا، الذي أكد له في احدى الرسائل، “ان الوسيلة المثلى مع هذه المجموعة هي المجاعة”.

في خدمة الفقراء
كيف واجه البطريرك الحويك قرار “تجويع” اللبنانيين عموماً، ولاسيما ان انور باشا ردد مراراً “اننا قضينا بالحديد على الأرمن، وسنقضي على اللبنانيين بالمجاعة”؟ يجيب خليفة:” وضع البطريرك الحويك الامكانات المالية والعقارية للكنيسة في تصرف الفقراء. وحوّل البطريرك الحويك الاكليروس الى شبكة مقاومة للمجاعة. وأصدر توجيهاً امر فيه كل ابرشية، ودير، ورجل دين، ورهبان وراهبات ووقف ان يرفع لوائح اسبوعية عن وسائل الدعم للفقراء، مسلمين ومسيحيين ودروزا في مناطقهم”. واشار خليفة الى انه “في المقابل، اوعز الى امين سر البطريركية الخوري بولس عقل فتح خط على الاغتراب اللبناني، وتوفير المساعدات المالية لكل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين ودروزا وصلت الى 136 ألف مساعدة”. وأوضح ان “المساعدات لم تقتصر على الدعم المالي فقط بل كانت تتوافر أيضاً من خلال حصص غذائية للناس بتمويل مباشر من بكركي”.

مقاومة المجاعة
استطاع الحويك، وفقاً لخليفة “ان يقاوم المجاعة من خلال دعم فرنسا له بمساعدة بلغت نصف مليون فرنك، اضافة الى مساعدات غذائية ارسلتها للغاية نفسها”. وشدد على “دور المطران نعمة الله ابي كرم، الذي استطاع ان يؤمن مؤناً ومساعدات طبية واستشفائية وادوية من الصليب الاحمر الاميركي”، مشيراً الى ان “تفريغ حمولة الباخرة من هذه المساعدات جرى داخل حرم الجامعة الأميركية في بيروت”. وقال:” اذا حاولنا وفقاً لما لدينا من وثائق احصاء حمولة الباخرة، فكان على متنها 500 غالون من الزيت، 800 الف كيس من القمح، الف صندوق من الحليب المركز، 20 الف كيس من السكر، 80 الف كيس من الفول، 98 الف كيس من الطحين، 100 الف كيس من البرغل، 300 الف كيس من الارز، 5 آلاف غالون من الكاز وعدد لا يستهان به من مواد صحية وادوية للمستشفيات”. وعرّف خليفة بدور المطران ابي كرم “الشخصية المقربة من البابا بينيديكتوس الخامس عشر، الذي كان يعتمد عليه في مراسلاته”، مشيراً الى ان ذلك “سهل عليه استعمال نفوذه مع رؤساء اوروبا، وتمكن من جمع 4 ملايين فرنك فرنسي لخدمة مقاومة المجاعة”.

لم يتوقف قمع العثمانيين للبنانيين من خلال المجاعة، بل حاولوا، وفقاً لخليفة، من خلال قرار نفي المطران بطرس شبلي الى الاناضول لأنه “اعتبر خطراً على الدولة العثمانية”.وأضاف: “حاولوا القضاء على كل ما يفكر. أعدموا شهداء الصحافة في ساحة الشهداء وعمدوا الى قمع المثقفين واسكات كل من له فكر حر”.

بين عريضة والحويك
وتوقف خليفة عند الشخصية الصلبة للمطران انطون عريضة، الذي كان يصر شخصياً على توزيع المساعدات المالية المرسلة من البطريرك الحويك بواسطة امين سر البطريركية بولس عقل. ورداً على سؤال عن حقيقة انه رهن صليبه لتوفير الدعم المالي للفقراء قال: “لا املك اي وثيقة تؤكد هذه الحادثة، او حتى تنفيها”. وشدد على “دعم مجتمع المعرفة من خلال فرض بدل 10 قداديس على كل كاهن لدعم مكتبة مار يوحنا مارون”، معتبراً أنه “ساهم في دعم مجتمع المعرفة وساهم في تطويره”.

رعايا الوادي المقدس
وتحدث مدير مشروع المسح الثقافي لتراث الوادي المقدس جورج عرب عن عهد البطريرك الحويك “الذي تميز بالالتزام الانساني والتضامن مع كل الفقراء”، مشيراً الى أن “هذه المتابعة الحثيثة لكل الرعايا والجماعة البشرية القاطنة في محيط الديمان او في منطقة الوادي المقدس ادت الى انقاذ حياة الجميع في هذا المحيط، ولم يسجل اي حال وفاة بينهم”. واجه الحويك، وفقاً لعرب، جوع الناس من خلال فتح طاحونة قنوبين ومضاعفة امكانية انتاجها، مشيراً الى انه “اعطى مساعدات يومية، اسبوعية وشهرية للناس شملت مؤناً غذائية ودعماً مالياً لهم، وهي موثقة في وثائق مسجلة في الكرسي البطريركي في الديمان وتلحظ حجم المساعدات وانواعها واسماء المستفيدين منها”. ولفت الى ان الحويك “لم يكن ينفق على نفسه بل اتسم بالزهد، إذ طلب من الوكيل البطريركي للدير شراء قماش له اقل ثمناً من الذي ابتاعه خصيصاً له”.

بناء الحارات
وأكد حرب انه “على رغم ويلات الحرب وظروفها الصعبة، أولى البطريرك الحويك مسألة العمران اهتماماً لافتا”، مشيراً الى انه دعا الى بناء ما يعرف بالحارات في السوق المجاورة لأي دير او كنيسة. وقال: “دعم تكاليف بناء كل بيت، وترك عقوداً مسجلة بتفاصيل تكاليف بنائه. أراد ان يحول البيوت الزراعية والتراثية، التي يعيش فيها المزارعون وهي على مقربة من المواشي، الى حارات، أي ان يتم بناء كل بيت من طابقين، الأول أي القبو والثاني الخاص لإقامة العائلة”. وأوضح ان هذا المشروع “تم تنفيذه في محيط كل من الديمان، قنوبين، بلوزا وسرعل، لا بل على مقربة من أملاك البطريركية المارونية”.

وانتقل عرب في كلامه الى انشائه مدرسة وادي قنوبين في دير سيدة الكرم عام 1913، مشيراً الى انه “في ظروف الحرب السوداوية، أسس هذه المدرسة من خلال تحويل دير مبني في عهد البطريرك بولس مسعد في العام 1882 الى مدرسة”. وحرص ايضاً عبر مجموعة من المسؤولين في البطريركية على زيارة الناس دورياً، وانه كان يؤمن كلفة الطبابة والاستشفاء للمحتاجين، وصولاً الى دفع تكاليف مراسم دفن لأي عائلة عاجزة عن تأمين هذا المبلغ لدفن أي فرد من عائلتها.

عريضة العمراني
وتوقف عرب عند عهد البطريرك عريضة، مشيراً الى ان “الرسائل المحفوظة في مكتبة الوادي المقدس في الديمان تشير الى ان الحرب العالمية الثانية كانت أكثر مأسوية على الناس مما كانت الحرب العالمية الأولى” . وقال: “تلقى عريضة أكثر من 5 آلاف رسالة من العائلات المقيمة في محيط البطريركية، والتي كانت تشكو من الفقر والمرض. لم يرد أي طلب لأي منها، بل عمد الى ترميم البيوت ومتابعة حالة الناس عن كثب”.

انطبع، وفقاً لحرب، عريضة بميله الى العمران، مشيراً الى انه “أولى القطاع الزراعي أهمية من خلال توفير خزانات للري وانشاء اقنية في قاديشا، كما انه اسس ترابة شكا، وأكمل بناء كنيسة الديمان”، مشيراً الى انه “ساهم شخصياً في التبرع لبناء جناح خاص لإقامة البطريرك في الديمان”.

ورداً على سؤال عن رهن عريضة لصليبه الذهبي دعماً للفقراء قال: “حدث ذلك قبل توليه سدة البطريركية. فقد أقدم على هذه الخطوة عندما عين مطراناً للطائفة المارونية على مدينة طرابلس. رهن صليبه عند أحد التجار المسلمين في طرابلس، الذي لم يقبل رهن الصليب بل اعاده اليه بعد تزويده المال لإطعام الجياع والمساكين”.