Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر July 21, 2017
A A A
المحاصصات التي تقصم ظهر العهد!
الكاتب: روزانا بومنصف - النهار

الملمح الإيجابي والمهمّ المتمثل بإدخال العنصر النسائي الى التعيينات الديبلوماسية – وهو ليس بأمر جديد خصوصا بالنسبة الى الرئيس سعد الحريري الذي استعان بزميلتين اثبتتا جدارتهما في العمل الصحافي وسرى نسبيا على سواه – لا يغطي في واقع الامر على طابع المحاصصة الفجة التي باتت ترخي بظلالها على الواقع السياسي الذي يطبع هذا العهد. ولا يخفي سياسيون كثر “إحباطهم” اذا صح التعبير من واقع قد لا يختلف كثيرا عن السابق. ويبرز ذلك أولا من خلال السعي الى تسجيل “الانجاز” تلو “الانجاز” في كل القرارات او الاجراءات التي اتخذت حتى الآن، بدءا من مراسيم النفط الى سلسلة الرتب والرواتب وصولا الى التشكيلات الديبلوماسية. اذ ان الخلافات السياسية بين الافرقاء السياسيين والتي يتحمل مسؤوليتها الجميع، وان بنسب مختلفة، ساهمت من دون الدخول في التفاصيل، في جمود البلد، وأوقفت وتيرة الحياة فيه. ولذلك لا يصح أن يسمّى ذلك إنجازا إذا قام المسؤولون بما يتعين عليهم القيام به، في الدرجة الاولى من موقع مسؤولياتهم، فضلا عن أنهم من ساهم في تجفيف البلد من أي تقديمات أساسية وحيوية حجبت عن المواطنين، بحيث أن ما يقومون به هو استلحاق لواجباتهم المتأخرة أكثر منه إنجازات حقيقية يسعون الى توظيفها في حملاتهم الانتخابية التي بدأوا بها منذ بعض الوقت. ويعود ثانيا الى اعتقاد ان فرصة نقل البلد الى مرحلة مختلفة عن السابق، والتي ترافقت مع انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة بإجماع وطني داخلي وفق ما يصر السياسيون الحلفاء، باعتبار ان هذا الانتخاب حصل ضد رغبة الاميركيين وأطراف كثر قبل أن يتم السعي من المملكة السعودية الى استيعاب هذا الانتخاب وفتح الابواب أمام الرئيس عون ثم إغلاقها نسبيا بعد الموقف الشهير الذي اطلقه حول حزب الله، لم تجر وفق الشعارات التي رفعت على هذا الأساس. فالتوافق بهذا الحجم لم يتم استثماره كما يجب وفقا لحلفاء الرئيس عون، علما أنه نادر الحدوث في الواقع السياسي الداخلي.

فالمحاصصة ليست جديدة في المنطق السياسي اللبناني، ويجب عدم استغرابها، خصوصا في ظل شعارات استعادة الحقوق وحصرها راهنا بالأحزاب المسيطرة او المشاركة في الحكومة. ولكن يقول بعض هؤلاء إن مسار الامور في أزمة، أولا لأنه تم الترويج لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة تعتمد الاصلاح بعيدا عن الفساد، وهو ما لا يحصل واقعيا لانه يعتمد المبادىء نفسها التي اعتمدت سابقا من دون أي مؤشر تغييري فعلي، فيما الرهان كان قويا على انتخاب العماد عون.
وثانيا، ان الحلفاء لا ينوون فتح صفحة خلافية مع الرئيس عون حول جملة المسائل والملفات التي فتحت على المحاصصة منذ اول قرار للحكومة، وهو مراسيم النفط، بحيث أن المؤشر الذي أعطاه العهد في بدايته لهذه الجهة أظهر أنه يمكن أن يكون منفتحا ومتقبلا او غير معارض لذلك. وتلا ذلك موضوع الكهرباء الذي طرح اشكالية ولا يزال في مقاربته. لكن بعض المراقبين من هؤلاء يقولون ان ذلك يؤثر بقوة على تسويق مبدأ الرئيس القوي بالمواصفات التي يتميز بها الرئيس عون، وساهم آخرون في دعم ذلك على قاعدة انه سيرسي نهجا مختلفا، فيما لم يحصل ذلك، وهو ما سيؤذي هذا المنطق في الاساس باعتبار أن المسيحيين قد يكونون أعطوا أقصى ما لديهم، ولا لوم سوى على أنفسهم. والمشكلة الاخرى في عدم رغبة هؤلاء في الاختلاف مع الرئيس عون هو ان رئيس الحكومة سعد الحريري لا يعطي أحدا فرصة ليستفيد من أي اختلاف بينه وبين رئيس الجمهورية، على قاعدة ان قراره هو عدم السماح بوقوع أي خلاف بينهما، أيا يكن السبب، وفق ما أبلغ كثرا من زواره ووفقا للنهج الذي يعتمده، استنادا الى التسوية التي أتت بالرئيس عون وبالحريري رئيسا للحكومة. وتاليا، فإن موقف رئيس الحكومة لا يفوت الفرصة على من يريد أن يختبئ وراءه لهذه الغاية، في حال كان في موقع الاختلاف مع رئاسة الجمهورية، بل يعتقد كثيرون انه يفقد فرصة تصويب الكثير من الاداء العام الذي يرغب فيه البعض، انطلاقا من ان التوافق السياسي وفق ما يقولون لا ينبغي ان يعني تماثلا كليا ومتطابقا، او ايضا توزيعا متكافئا للحصص.

حتى الآن لم يظهر اي فريق او اي سياسي عزما على توجيه انتقادات مباشرة للعهد، على رغم مآخذ مبنية على الامور المذكورة وأخرى سواها، ولكن الرسائل التي وجهت خلال الاشهر الماضية تفيد بأن عملية الاصلاح المرجوة في عهد مختلف لن تحصل ولن يكون فعلا هناك إمكان للكفايات من خارج الاطار الحزبي او الاطار الموالي او المناصر للاحزاب. وليس صحيحا أن كل من يستعان بهم من أهل الكفايات، بإقرار مسؤولين سياسيين من معارفهم. ومع أن من حق أهل الحكم أن يأتوا بمن يثقون به في بعض المواقع المفاتيح، فإن منحى المحاصصة يرخي بثقله على كل الواقع السياسي، وفق ما جرى حتى الآن وما يُعتزم القيام به، وفق كل المعلومات، بحيث يوجه رسالة سلبية قد يصعب عكس مفاعيلها بالنسبة الى الاشهر الاولى للعهد، فضلا عن انه يتيح تقاسم النفوذ في البلد في الوقت الذي لا يسمح بتوحيد الرؤية لاي مقاربة تتصل بالسياسة الخارجية او مصلحة لبنان على غرار ما طرح من مسائل أخيرا، وفي مقدمها موضوع اللاجئين السوريين.