Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر May 17, 2016
A A A
محمية وادي الحجير الطبيعية… عبق الجنوب يضوع فوّاحاً
الكاتب: عبير حمدان - البناء

إدارتها تساهم في نشر الوعي والثقافة البيئية… وناسها حكايات التاريخ والجغرافيا
*

بين الأرض وناسها ارتباط وثيق تترجمه الطبيعة بهيئة عصفور يملك مداه الرحب بلا خوف، وبجدول ينساب بين شرايين الثرى جارفاً الأسلاك الشائكة كلّها.؟ بين الأرض وناسها حكايات لا يدركها إلا المنغرسون عند أعتاب التاريخ الذي يقرأ الحاضر بحروف مقاوِمة قادرة على رسم الزمن القادم بلون أشجار السنديان العتيقة.

حين نطأ أرضاً مقدّسة، ندرك ماهية تشكيل الحروف على إيقاع حضورنا، ويتناهى إلى مسامعنا همس الأوراق الخضراء في تلك الأغصان، عن ملاحم الصمود وسُمرة الزنود التي تعمّد أصحابها بالتراب. تحدثنا السماء عن قلوب احتوت الوطن ولم تبخل يوماً ولم تتبدّل حتى صارت تسكن بين التفاصيل الصغيرة، وتزهر ربيعاً حقيقياً بلا منابر وصراخ فارغ.

هناك، في وادي الحجير، نلمح أعراس الفداء محميّة من أيّ طامع. نرى أطياف المؤتمرين ضدّ الاحتلال الفرنسي ترّصف الدرب الطويل مع المقاومة وصولاً إلى النصر الأكبر على الجيل الرابع للميركافا «الأسطورية». فنتابع المسير بثقة لنكتشف السرّ الكامن في قلب الأودية المتّصلة، ونسأل عن لحظة تصنيفها رسمياً كمحمية طبيعية، وما تضمّه من حياة برّية مدهشة.

أنشئت محمية وادي الحجير الطبيعية بموجب القانون رقم 121 تاريخ 23/7/2010 وتديرها لجنة محمية وادي الحجير الطبيعية، تحت إشراف وزارة البيئة. تقع المحمية بين أقضية النبطية، مرجعيون وبنت جبيل، وتعتبر أكبر محمية برّية في لبنان بمساحة إجمالية تقارب 26 كيلومتراً مربّعاً. إذ تمتد في خراج 21 بلدة، من مجرى نهر الليطاني شمالاً وصولاً إلى مثلث بلدة عيترون جنوباً. وتضم ثلاثة أودية رئيسة هي: وادي دير سريان، وادي الحجير ووادي السلوقي.

image_0_5

الإنسان عدوّ البيئة
ينتظرنا حسن زراقط مدير المحمية في مكتبه الصغير الذي شيّد من الحجر الصخري الطبيعيّ وسط كثافة الأشجار. نعبر النبع الذي أصابه الجفاف، ولدينا كمٌّ من الأسئلة، لنبدأ من التأثير البيئي الذي تخلّفه القنابل العنقودية المتحرّكة بفعل انجراف التربة في المحمية على تنوّعها الحيوي فيقول زراقط: ثؤثر القنابل العنقودية بشكل سلبيّ على الثروة الحيوانية الموجودة في المحمية. ولكن للأسف، هناك أثر إيجابي لها يتمثل بمنع الإنسان من الاقتراب. ونعلم جميعاً أنّ العدوّ الأول للبيئة هو الإنسان. ونحن نعتبر في هذا الإطار أنّ معظم المناطق الحرجية الموجودة هنا غير نظيفة، لذلك يفترض أن يبتعد عنها الناس حفاظاً على سلامتهم، وفي المقابل تبقى المحمية بمنأى عن عبث البعض.

لكن كيف تتمّ حماية هذه الثروة البيئية من الضرر الذي يسبّبه العنصر البشري في حال غياب خطر القنابل العنقودية، يجيب زراقط: نحن نعمل على تنظيف المحمية من القنابل العنقودية قدر المستطاع. أما في ما يتصل بحمايتها من الضرر الذي يسببه الإنسان، فذلك من خلال قانون صادر عن مجلس النواب يحمل الرقم 121 وتم نشره في الجريدة الرسمية رقم 36 في 29/7/2010، وبموجبه يُمنع قطع الأشجار والشجيرات الموجودة في المحمية على مختلف أنواعها، ويمنع واستثمارها وتصنيعها، كما يُمنع دخول المواشي إلى أراضي المحمية حمايةً لتربتها ونباتاتها ومنعاً لإتلافها. ويُمنع رفع أيّ حاصل من حاصلات المحمية كاستخراج الحجارة أو الرمل أو المعدن أو المياه أو التراب أو الحشيش أو الكلاء أو الأوراق الخضراء أو الأسمدة الطبيعية أو البذور إلخ… إلا لغاية البحث العلميّ الرامي إلى تحسين إيكولوجية المحمية.

كما يُمنع الصيد وإشعال النار أو حرق الأعشاب أو النفايات الطبيعية المتواجدة في المحمية وكذلك على أقل 300 متر من حدودها … وكلّ عمل يضرّ بالمحمية يُعاقب عليه القانون ويُحكَم على المخالفين بالسجن من شهر إلى ثلاثة أشهر، ودفع غرامة مالية تتفاوت قيمتها بحسب نوع الضرر. هذا القانون تعمل شرطة المحمية على تطبيقه، إذ إنها تتجوّل وتراقب وترصد أيّ مخالفة، وتملك مطلق الصلاحية في محاسبة المخالفين.

ويشير زراقط إلى أنّ أهل المنطقة ساهموا بشكل كبير في جعل المحمية واقعاً محصّناً في الإطار الرسمي. فكان قرارهم حماية ثروتهم الطبيعية والبيئية فاعلاً، إذ قدّموا اقتراح مشروع لنواب المنطقة، تم طرحه في مجلس الوزارء ودراسته وصولاً إلى إقراره وتصديقه من مجلس النواب ليكون لاحقاً تحت وصاية وزارة البيئة.

image_0_6

التوعية البيئية هي الأساس
أما عن المشاكل التي تواجههم كإدارة فيقول: سأخبرك أمراً، محمية وادي الحجير من أحدث المحميات الطبيعية في لبنان. والتحدّي الأكبر بالنسبة إلينا كإدارة، انعدام الثقافة البيئية في مجتمعنا. ونحن في الإدراة نعمل على توعية الناس، ونلمس التجاوب من خلال النشاطات التي نقوم بها مع طلاب المدارس والجمعيات الكشفية.

ويشير زراقط إلى التعاون القائم بين الجامعة اللبنانية وإدارة المحمية، إذ إنّ طلاب كلّية العلوم يتطوّعون للقيام بأبحاث ودراسات حول التنوّع الحيوي في المحمية.

وعن العقارات الخاصة الموجودة ضمن المحمية يقول زراقط: ثمة عقارات خاصة ضمن المحمية. وكي لا تشّكل سلباً عليها، وضعنا مخطّطاً توجيهياً بالتنسيق مع الجهات المعنية والبلديات لتنظيم الاستثمارات داخل هذه العقارات بشكل لا يؤذي الطبيعة، وبمواصفات تتلاءم مع البيئة القائمة. وهذه المواصفات بيئية وجمالية تسمح لصاحب الأرض باستثمار ملكيته من دون التأثير سلباً على المحمية. وهناك منع تام للزحف العمراني التجاري والصناعي.

ويشير زراقط إلى سبب الجفاف في النبع الذي لاحظناه فور وصولنا، وهل حفر الآبار في المنطقة من عوامل جفافها، فيجيب: الينابيع الموجودة في وادي الحجير موسمية، وهي تتأثر بحجم المتساقطات. وهذه السنة لم تمطر كثيراً، لذلك جفّت الينابيع في وقت مبكر من السنة، ولا علاقة للآبار بجفافها. وقد أجرينا دراسة فعلية للتأكّد من ذلك، فمصدر مياه الآبار التي تستفيد منها القرى جوفية، أي من باطن الأرض. أما الينابيع فهي تحت سطحية، أي تحت وجه الأرض.

وفي ما يتصل بأنواع الأشجار وطبيعة المحمية يقول زراقط: المحمية غنية بأشجار السنديان والملّول والصنوبر والزيتون المعمّر، وعدد من الحيوانات الثديية كابن آوى والثعلب والضبع المخطّط والخنزير البرّي والغرير والنمس والنيص والخلد والطبسون والقنفذ والوطواط. وثمّة حيوانات غير ثديية مثل السحالي والسلاحف البرّية والمائية. كما يوجد فيها 80 نوعاً من الطيور أهمها الحوّام طويل الساق والهدهد والعوسق. ومساحتها 26 ألف دونم من تشكل ما نسمّيه حرم المحمية المحاط بما نسميه المنطقة العازلة 15 كيلومتراً مربّعاً والهدف منها تخفيف الأثر البيئي السلبي من جهة القرى. وفي هذه المنطقة يمكن للناس البناء بحسب رغبتهم، لكن البناء داخل حرم المحمية له شروط صارمة كما ذكرنا آنفاً.

تقوم إدارة المحمية بدراسات لحصر كلّ أنواع الحيوانات والطيور الموجودة في المحمية. وكلّ نوع يحتاج إلى المزيد من البحث الذي قد يحتاج إلى سنوات لمعرفة ما هي الحيوانات والطيور المهدّدة بالانقراض، لتكون حمايتها أولوية. وأكثر الحيوانات الموجودة ليلية، وهي تخاف من الإنسان. وبحسب زراقط، هناك فريق متخصّص من الإدارة يقوم برصدها وتصويرها وقد يقضي ساعات طويلة بانتظار اللقطة المناسبة.

image_0_1

قلاع وطواحين أثرية ومتاحف
كما تضمّ المحمية آثاراً كثيرة أبرزها «قلعة دوبية»، وهي قلعة صليبية الأصل وقائمة على أنقاض بناء رومانيّ وتحتاج إلى ترميم. إضافة إلى الطواحين القديمة التي كانت تُستخدَم لطحن الحبوب وتُقصَد من قرى المنطقة كافة، بعضها مهدّم وبعضها يحتاج إلى الترميم وبعضها تمّ ترميمه.

عند مدخل الوادي، تستقبلك «قلعة الحجير» المبنيّة حديثاً من الحجر الطبيعي، وهي من تصميم شخص واحد وتنفيذه، هدفه أن تكون مقصداً للزوّار. وفي قلب الوادي، نجد بناءً قيد الإنشاء يحمل اسم «دارة أدهم خنجر»، وهو ملكية خاصة يسعى صاحبه إلى تحويله لمتحف تراثيّ فنّي.

في طريق العودة، يرشدنا زراقط إلى الصخرة التي شهدت انعقاد «مؤتمر وادي الحجير» الشهير عام 1920 برئاسة العلّامة عبد الحسين شرف الدين الموسوي، وحضره وجهاء جبل عامل وثوّاره بهدف إطلاق المقاومة ضدّ الاستعمار، وتقسيم الأمّة.