Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر April 16, 2017
A A A
عين الحلوة تنزف دماً على يد الارهاب
الكاتب: علي الحسيني - الأفكار

ينطبق المثل القائل (في كل عرس له قرص) على مخيم عين الحلوة، هذا المخيم الذي تختلف حوله الأراء السياسية والتوجهات العقائدية والمذهبية والتي تنعكس في كل الأوقات، انفلاتاً عسكرياً مسلحاً يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني من دمه وأمنه، وآخر هذه الانفلاتات حالة بلال بدر الإرهابي الذي يعيث مع جماعته في المخيم قتلاً وإرهاباً وإيواء لفارين من وجه العدالة وسط مناشدات ودعوات المجتمعين الفلسطيني واللبناني، إلى إنهاء هذه الحالة الشاذة في أقرب وقت ممكن. لكن هل فعلاً قد جرت رياح بدر في الحي الذي يُسيطر عليه، بعكس ما تشتهي بنادق القوى الأمنية؟

طفح الكيل
على قاعدة (طفح الكيل) و (وجع ساعة ولا كل ساعة)، قررت القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان وتحديداً داخل مخيم عين الحلوة، انهاء حالة الإرهابي بلال بدر ومجموعته بالكامل وتفكيك مربعه الأمني في حي الطيرة في المخيم بموقف موحد وحازم، في خطوة كان من شأنها أن تفتح الباب على مصراعيه امام مرحلة جديدة من الامن والاستقرار الذي ينشده ابناء المخيم منذ سنوات، بعد سلسلة من الاحداث الامنية المتنقلة وعمليات الاغتيال والاشتباكات التي تنعكس سلبا على مختلف وجوه حياتهم. ولكن ثمة أموراً سارت بعكس ما يشتهيه أبناء المخيم وأدت إلى فرض حل بالتراضي يقضي بإختفاء بدر ومجموعته من كامل المخيم وانسحابه من معقله، مقابل تسلم القوى الأمنية وفرض حالة طوارئ داخل المخيم ريثما يتم التأكد من خروج الإرهابي وجماعته بشكل كامل من عين الحلوة.

هذا الاتفاق أو هذه الخلاصة التي يبدو أنه سيتم التوصل اليها، شبهها الكثيرون بسيناريو مخيم نهر البارد وما جرى يوم ارتكب تنظيم فتح الاسلام مجزرة بحق جنود من الجيش اللبناني وصولاً الى الطريقة التي اختفى بها الارهابي شاكر العبسي. حتى ان هناك من راح يتحدث عن صفقة ما، تُشبه الطريقة التي تمكن من خلالها الشيخ احمد الاسير الفرار خارج صيدا والطريقة المماثلة مكنت المطلوب شادي المولوي الخروج من طرابلس. مشهد إرهابي يبدو وكأنه يأبى إلا أن يُعيد نفسه ولو بطرق مُختلفة، لكن ثابتة وحيدة هي، أن الإرهابي والمطلوب للعدالة، يظل متوارياً عن الأنظار حتى إشعار آخر أو بالأحرى إلى أن حين رفع الغطاء السياسي سواء المحلي أو الإقليمي عنه.

عين الحلوة إلى مزيد من التأزم
يبدو أنه من الصعب حتى الساعة، الحديث عما ستؤول إليه الأوضاع في مخيم عين الحلوة خلال الفترة المقبلة قبل ان تتضح وجهة المعركة المستمرة بين الإجماع الفلسطيني والخارجين عليه. معركة هي الأولى من نوعها وفي وجهتها، ولكنها قد لا تكون الأخيرة، ولاسيما إذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار أن في المخيم اكثر من بلال بدر وأكثر من حالة مماثلة له، لكن ثمة ضوءاً اخضر غير موجود حتى الساعة لإنهاء كل تلك الحالات التي تتسبب بأرق سكان المخيم. فبعد مضي نحو اسبوع تقريباً على اشتباكات عين الحلوة الدامية بأحداثها ونتائجها، بات امام المخيم والقوى الفلسطينية فيه تحد اكبر يتمثل في المضي بخطوات تحصين ساحتهم وجوارهم، والحفاظ على امن واستقرار صيدا وانتظام الحياة فيها، لأن تلك المدينة لا تزال رغم كل شيء، وستبقى معتزة فخورة باحتضانها للقضية والشعب الفلسطيني ومدافعة عن حقوقه وقضاياه المحقة. ومن هنا، وجب على جميع القوى داخل المخيم، العمل على إنهاء وجود بدر وما يُمثله من خطر على الأمنين، اللبناني والفلسطيني.

ثمة أوساط سياسية وعسكرية ترى انه بعد أكثر من اسبوع من اشتباكات هي الأعنف بين القوة الفلسطينية المشتركة مدعومة من <حركة فتح> وبين مجموعة بلال بدر والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، يمكن القول ان الوضع في المخيم مرشح للمزيد من التأزم في ظل رفض بدر ومجموعته تسليم انفسهم رغم انتهاء المهلة التي حددتها لهم القيادة السياسية الفلسطينية الموحدة في لبنان، ما دفع بالقوى الاسلامية في المخيم لاستدراك الأمر بمبادرة حملتها الى قيادة حركة فتح في لبنان وتقضي بتسليم حي الطيرة الى القوة المشتركة واعتبار بدر مطارداً أو بمعنى آخر متوارياً عن الأنظار. لكن الحركة قررت عدم الرد على هذه المبادرة بانتظار التشاور بشأنها مع مسؤول ملف الساحة اللبنانية في السلطة الفلسطينية عضو اللجنة المركزية عزام الأحمد، ليتحدد على ضوء ذلك مسار التطورات الميدانية في المخيم، استمرار المعارك او اعلان وقف لإطلاق النار.

تساؤلات مشروعة
اكثر من اسبوع ولم تتمكن القوى الأمنية الفلسطينية من إنهاء حالة بلال بدر على الرغم من الفارق الواضح لناحية العديد البشري والعتاد العسكري بحيث تميل كفة ميزان القوة لصالح القوى الفلسطينية وتحديداً حركة فتح. ومن هذا الباب تحديداً، تداخلت الاسئلة والاهتمامات المرافقة لبعض الاستفسارات حول الاسباب التي تحول دون التخلص من هذه الحالة الشاذة، فهل هي محلية ام إقليمية، أم أن هناك فعلاً خيانة تحصل أو أقله قلّة تعاطي بشكل جدي من البعض وخصوصاً الحركات الاسلامية في المخيم؟ مصادر ميدانية من داخل المخيم تشير الى ان هناك من أقنع حركة فتح بضرورة انهاء حالة بلال بدر، وعندما بدأت المعارك بدا أن بدر هو مجرد واجهة لكل الحركات المتشدّدة التي تمنع سقوطه وان هناك حركات اسلامية هي التي تُغطي بدر وجماعته عسكرياً ومادياً ولوجستياً، حتى أن هناك اتهاماً من بعض سكان المخيم لحركة حماس، بأنها هي من تدعم بدر في مواجهة فتح وتمده بالسلاح من تحت الطاولة.

ويتوالى كشف المستور حول حقيقة صمود بدر وجماعته. ففيما وجدت القوى الاسلامية في عين الحلوة الوقت المناسب لاحتواء بلال بدر على غرار احتضانها للمطلوب هيثم الشعبي وإفهامه انه لن يكون نداً لها او يوازيها كما حاول ان يفرض في شروطه الاخيرة اثناء التفاوض معه على الموافقة لنشر القوة المشتركة قريباً من مربعه الامني، دون ان يعني ذلك ضمنياً التخلي عنه بالمطلق، تذهب الاوساط المعتدلة الفاعلة على ارض المخيم الى القول، ان الاسلاميين في عين الحلوة، لا يُريدون انهاء حالة بدر كي لا تُكسر شوكتهم في ما بعد لأن القضاء عليه سياسياً وأمنياً وجسدياً سيكون فاتحة او ربما يشجع على تكرار التجربة معهم، وهذا ما لا تقبل به الجماعات الاسلامية مهما كانت الاسباب او التداعيات الامنية.

وحدها حركة فتح، اعتبرت ان ما يحصل فرصة نادرة لتوجيه رسالة الى الجانب اللبناني بأن المخيم لن يكون ممراً او مستقراً او منطلقاً لأي عمل امني ينعكس على الامن الوطني، وان القوى السياسية تبذل جهوداً جدية للحفاظ على امن واستقرار المخيم، ناهيك عن استيعاب الاستياء والاعتراض الشعبي الذي علا في الاونة الاخيرة لغياب المعالجة الجذرية والمطالبة بحلول حاسمة لفرض الامن ولو بالقوة. ومن هنا استند اللواء منير المقدح على جملة (الحسم ولو مهما كلف الأمر). والامر الثاني الذي شجع حركة فتح على المضي في قتال بدر، قيامه في الفترة الاخيرة باغتيال بعض ضباطها وعناصرها، وقد وجدت الفرصة الذهبية للاقتصاص منه وجعله يدفع فاتورة الحساب الطويلة.

تطور سير المعركة
مع صدور هذا العدد، تكون معارك عين الحلوة قد دخلت يومها العاشر تقريباً ولتتمحور في جبل الحليب، حي الطيرة وسوق الخضار. محور حرب استخدمت فيه الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية وشهد عمليات تقدم للقوة المشتركة مدعومة من فتح اكثر من مرة. وأسفرت الاشتباكات فيه عن سقوط اكثر من عشرة قتلى وخمسين جريحاً معظمهم من المدنيين. وبقيت حتى الأمس أصوات القذائف الصاروخية تُسمع بين الحين والآخر في اجواء المخيم ومدينة صيدا جراء الاشتباكات.
واللافت ان ثلاثة تطورات، دخلت على خط الاشتباكات في المخيم. الأول هو وصول مجموعة تضم أكثر من 60 عنصراً من الجبهة الشعبية القيادة العامة الى المخيم، وأبدوا الاستعداد الى دخول المعركة الى جانب فتح. ولهؤلاء حساباتهم، التي تتقاطع مع حسابات فتح التي لا تريد ان تكون وحدها في الواجهة كي لا تستدرج العداء مع كل المجموعات الإسلامية، وكي لا تدخل في اشتباكات معها وحدها. فيما القيادة العامة تعتبر أن تدخلها العسكري هو رد على العمل الاستفزازي الذي قام به بدر يوم الجمعة الفائت، حين اقتحم أحد مكاتبها وطرد عناصرها منه واستولى على سلاحهم. كما يمكن ان تستفيد القيادة العامة من تدخلها هذا لتعزيز وجودها في المخيم.

من هو بلال بدر والى اين فرّ؟
بلال بدر هو الابن الأصغر لدرار محمد بدر ابو اياد الذي كان ينتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي. عند وفاة والده كان عمر بلال نحو 8 سنوات، ونتيجة الفقر والبطالة والوضع الاقتصادي الصعب، ترك بلال المدرسة ليُمضى فترة شبابه عاطلاً عن العمل متسكعاً. أما الحادثة الاولى التي غيرت مجرى حياته وجعلته يعيش متخفياً، فكانت قبل نحو 12 سنة بعد حصول خلاف فردي تطور الى اطلاق نار بين افراد من آل السعدي وآل ماضي، تورط فيها بلال وأصبح من المطلوبين للقضاء اللبناني، ثم بدأ اسمه يلمع داخل المخيم كناشط اسلامي.

أما عن المكان الذي يُمكن أن يكون لجأ اليه، فتشير المعلومات الأمنية الواردة من عين الحلوة، في اولى استنتاجاتها إلى ان بدر، قد تمكن من الخروج من حي الطيري في عين الحلوة بعد المعارك التي اشتدت ليل الاحد الماضي، ما افسح في المجال للقوة الفلسطينية الامنية من الدخول والسيطرة على الحي الذي كان يعد معقلاً له. ورجحت ان يكون بدر قد توارى داخل مخيم عين الحلوة وتحديداً في الطوارئ حيث يقيم صديقه شادي المولوي، لكن الثغرة التي مكنته من الخروج لا علاقة لها بأي صفقة كونه بحكم سيطرته في الحي قد ترك نافذة تمكنه من الفرار. لكن مصادر فلسطينية رجحت ان يكون بدر قد استخدم نفقاً للفرار من منطقة القتال، في حين ان المصادر تجمع انه لم يتمكن من الفرار خارج المخيم بحكم الطوق الامني الذي نفذه الجيش اللبناني وصعوبة عبوره احياء لا سيطرة فيها للاسلاميين داخل المخيم.

بعد انتهاء اجتماع القيادة السياسية الفلسطينية الموحدة في صيدا ظهر الثلاثاء الماضي، أكد الجميع على: انتشار القوة المشتركة الفلسطينية في كامل حي الطيرة استناداً للحاجة والضرورة وبصلاحيات كاملة من القيادة السياسية. تفكيك حالة مجموعة بلال بدر بشكل كامل ونهائي واعتباره مطارداً ومطلوباً من اجل تسليمه للعدالة والدولة اللبنانية. كما تتمسّك حركة فتح بخيار الحسم العسكري، لكن لا شك أن دونه مخاطر ومحاذير، لأن الاستمرار في المعركة ودخول حي الطيري بالقوة، قد يؤدي إلى توسيع رقعة الاشتباكات، وانضمام مجموعات أخرى إلى مساندة بدر، او حتى الى <فتح> جبهات أخرى داخل المخيم، لتشتيت القوى.