Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 16, 2017
A A A
مسيحيو شرق صيدا قلقون على مصيرهم
الكاتب: محمود زيات - الديار

لو قُدِّر لقوى الارهاب ان تتغلغل في الداخل اللبناني، لكان المسيحيون اولى ضحاياها، وقد دلَّت على هذه الحقيقة جملة من الوقائع والمعطيات، ليس ما حدث قبل اشهر في بلدة القاع البقاعية من استباحة لدماء ابنائها الآمنين داخل منازلهم سوى واحدة منها، ولو قُدِّر للحركات والجماعات الاسلامية المتشددة والارهابية، ان يكون لها موطئ قدم في صيدا او اي بقعة جنوبية، لكان المسيحيون اولى الضحايا.
حاضرة بقوة، الكنيسة المسيحية في حياة الجنوبيين، لكن مشهد تعايش المسيحيين في الجنوب مع الاخرين… تختلف من منطقة الى اخرى، جراء الواقع السياسي والطائفي ومدى منسوب التحريض الطائفي الذي عرفه اللبنانيون مع اندلاع الحرب في العام 1975، وفي ظل تنامي الجماعات الاسلامية المتطرفة او الارهابية، في صيدا الصورة قاتمة على الرغم من اربع سنوات من اجتثاث الحالة العسكرية التي شكلها الشيخ احمد الاسير في بلدة عبرا المسيحية، ومرور اكثر من خمس عشرة سنة من مسلسل عبوات القتل المتنقل على المحلات التجارية التي تبيع الكحول في قرى وبلدات صيدا، اعقب مسلسلا مماثلا تولى «تنظيف» المدينة من الكحول،  وحصلت تفجيرات وعمليات اطلاق نار على اصحاب البائعين، وفي شرق صيدا الاوضاع غير مثالية، فيما تتعايش البيئات الاجتماعية والطائفية  المسيحية مع البيئات الاخرى في معظم مناطق الجنوب… بعيدا عن اي شكل من اشكال التطرف الديني الذي ترجمه بعض الجماعات في لبنان باستهدافات امنية، بذريعة بيع الكحول… المخالف للشرائع الاسلامية، والمُشرَّع في القوانين اللبنانية.
وفي دلالة خطيرة على الواقع المسيحي في صيدا الذي ترسمه بدقة القداديس الدينية التي تقام في كنائس المدينة الثلاث، فان الاقبال على المشاركة في الاعياد الدينية تراجعت نسبته، ويشعر المسيحيون من ابناء المدينة ان الضغوط الامنية التي تسجل وفي وتيرة متصاعدة منذ خمس سنوات، وما يرافقها من تفجيرات متتالية في مخيم عين الحلوة الملاصق للمدينة، تؤثر سلبا على تواصلهم وحركتهم مع منطقتهم، والمشاركة في قداديس الكنائس غالبا ما تتم في ظل اجراءات امنية مشددة يتخذها الجيش اللبناني والقوى الامنية الاخرى، لدواع يفرضها الوضع الامني الحافل بالمخاطر والتهديدات.

تنامي الارهاب في صيدا … اقلق سكان شرق صيدا
لا يخفي كاهن رعية في احدى بلدات شرق صيدا… خشيته من المخاطر والتحديات والاحداث التي تجعل المسيحيين قلقين على مصيرهم ووجودهم، على عكس الوضع في مناطق اخرى في الجنوب، بعد مسلسل من الحروب ومنها «حرب شرق صيدا» وموجات النزوج الجماعي، والتدمير المنظم للمنازل رعته «بلدوزر» من طراز «اشتراكي» وما نتج عن ذلك لاحقا من عمليات فرز ديموغرافي، ومع وحل الميليشيات اللبنانية وعودة المهجرين ودخول الجيش اللبناني الى المنطقة في العام 1991، ويلفت الى ان المسيحيين من ابناء قرى وبلدات شرق صيدا شقوا طريق عودة المهجرين التي بدأت خجولة، ثم توسعت فيما بعد من دون ان تكون عودة كاملة، نظرا لارتباط الاجيال الشابة الجديدة في اعمالها ضمن مناطق لجوئها خلال الحروب، فضلا عن الازمات المعيشية التي عانى منها ابناء قرى وبلدات شرق صيدا وساحل جزين، في اماكن النزوح، وهي ازمة دفعت بالعديد منهم الى بيع اراضيهم لمصلحة مشاريع اسكانية وعمرانية لشركات عقارية صيداوية، ساهمت في التمدد العمراني لصيدا في القرى والبلدات المسيحية، وهو امر كان سيكون طبيعيا فيما لو كان العيش المسيحي في هذه المنطقة كاملا ومحميا من التعصب الاسلامي الذي برز من خلال ظهور تنظيمات اسلامية متشددة في الوسط السني، بدأت «ملائكتها» تظهر في القرى المسيحية في شرق صيدا وساحل جزين، وامتد الى بعض قرى اقليم الخروب وساحل الشوف.
تحركت الكنيسة في السنوات الماضية للحد من الامتداد الجغرافي لصيدا الى قرى وبلدات الجهة الشرقية، من خلال اجراءات اتخذتها، لاعاقة عمليات بيع الاراضي في القرى المسيحية، وبالفعل نجحت هذه الاجراءات في كبح جماح مجموعة من رجال الاعمال والمتمولين المسلمين العاملين في القطاع العقاري الذين «تسلَّلت» مشاريعهم العقارية الى تلك القرى مع اغراءات وتسهيلات اغرت الباحثين عن وحدات سكنية داخل مدينة صيدا، فلم يجدوا فيها «مرقد عنزة»، بسبب الارتفاع الجنوبي لاسعار العقارات داخل المدينة، فكان ان تغيرت بعض معالم القرى، سيما في عبرا والهلالية كفرجرة والقرية وعين الدلب، لم يتعامل المسيحيون بارتياح، مع الانتشار العمراني والسكاني، بعد الاستثمارات العقارية الواسعة التي «التهمت» بعض القرى الصغيرة في شرق صيدا، وبلدة كفرجرة ليست مثالا وحيدا. ووفق رأيه، فان التعايش الوطني بين اللبنانيين، لا يحتاج الى بناء مسجد يُبنى لرعية اسلامية جاءت تقطن في بلدة ذات اغلبية مسيحية، كما حصل في العديد من القرى والبلدات، وفي الوقت نفسه، لا يحتاج التعايش الى كنيسة تبنى لرعية مسيحية جاءت لتقطن في بلدة ذات اغلبية مسلمة، علما ان «الهجرة» المسيحية الى القرى المسلمة تكاد تكون معدومة، فيما هي ناشطة في المقلب الآخر، بسبب سنوات النزوح الجماعي للمسيحيين في قرى شرق صيدا وساحل جزين، وخضوع مناطق حدودية واسعة من الجنوب تحت الاحتلال الاسرائيلي لاكثر من 22 عاما، ما صعب على اللبنانيين على اختلاف تعدد طوائفهم ممارسة حياتهم بصورة طبيعية، فالمعاناة من الاحتلال الاسرائيلي كانت واحدة والمصير واحد… والمطلوب الحفاظ على التنوع الديني والطائفي والسياسي والحزبي في كل المناطق اللبنانية، من دون ان تسعى جماعة ما او طائفة ما ان تفرض ارادتها على جماعة اخرى او طائفة اخرى.