Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر February 26, 2017
A A A
”الطفار“ يتمنون العيش كبقية الناس!
الكاتب: علي الحسيني - الأفكار

حركة مُكثفة يُجريها افرقاء سياسيون على رأسهم حزب الله وتيار المستقبل، هدفها انهاء ملفين أساسيين ما زالا عالقين في اروقة المحاكم العسكرية والقضاء اللبناني. الملف الاول يتعلق بالمطلوبين في منطقة البقاع والسعي الى انهاء ملفاتهم من خلال أحكام تنظر بوضع المنطقة بشكل عام والقائم منذ قيام الدولة تقريباً. أما الملف الثاني، فيتعلق بما يُعرف بالموقوفين الاسلاميين في السجون بحيث ان بعضهم لم تصدر بحقهم حتى اليوم، احكام على الرغم من وجودهم في السجون منذ اكثر من خمسة اعوام. ولا بد من الإشارة الى ان الحديث عن عفو ما او تخفيض مدة حكم، ينطبق على البعض وليس على الجميع إذ إن لكل مطلوب أو موقوف جرماً أو ارتكاباً محدداً.

صرخة البقاع
تزاحمت خلال الاسابيع القليلة الماضية، حركة مُكثفة على الارض قام بها اهالي موقوفين ومحكومين بجرائم مختلفة في لبنان، لمطالبة السلطة اللبنانية بعفو يخرج المسجونين من زنزاناتهم ويوقف المُلاحقات القضائية عن المطلوبين، وقد كان لافتاً الاصوات التي رفعها اهالي البقاع للكف عن ملاحقة ابنائهم المطلوبين بقضايا قالوا ان الدولة هي من دفعتهم لارتكابها بسبب تخليها عن منطقة البقاع منذ سنوات طويلة وحرمانها من الانماء المتوازن الذي يصب في مناطق محددة. وبالتزامن مع هذه الصرخة، دخلت قيادة حزب الله المرحلة الثانية الجدية والعملية من محاولة ايجاد حلول ومعالجات قانونية للقضايا والمسائل التي يمكن إدراجها تحت عنوان عريض مزمن هو قضايا الامن الاجتماعي والامني في البقاع، وتحديداً في المنطقة المعروفة بالبقاع الشمالي، والذي تندرج تحته عناوين فرعية أخرى بدءاً من مسألة الثأر، مروراً بقضية الخروج على الانتظام  العام والقوانين والانظمة المرعية، وصولاً الى معضلة الصراع والتنابذ التاريخي مع السلطة وأجهزتها ومؤسساتها ولاسيما منها الامنية والقضائية.

وليس خافياً ان قطار المرحلة الاولى لهذه المهمة الشاقة قد انطلق قبل نحو خمسة اشهر عندما أعلن عضو شورى الحزب الشيخ محمد يزبك على الملأ ان الامين العام السيد حسن نصر الله ستكون له اطلالة اعلامية مخصصة حصراً للحديث عن إشكاليات الوضع في البقاع. والأسئلة في هذا المضمار، هل فعلاً سيصدر قانون عفو في المستقبل القريب، ومن هي الفئات التي ستستفيد منه، ومن هي الفئات التي سيتم إستثناؤها؟

في تعريف (الطفار).. ضحية من؟
(الطفار) في جرود بعلبك الهرمل هم المطلوبون من قبل الدولة اللبنانية لجنحة أو جريمة ارتكبوها، يلاحقون على أساسها من قبل القضاء الذي وضع على حجم الضعفاء غير المسنودين سياسياً، فيلجأ هؤلاء الى الجرد بعيداً عن أعين القوى الأمنية ومخبريها تحت سلة من الظروف القاسية وفي حالات كثيرة قد يجد المرء نفسه امام طفّار غالباً ما يكونون ضحية مجتمعهم المتعدد الاسباب وأبرزها الجهل والفقر، وان سألت طافراً ما عن سبب الارتكابات التي اقترفها فسيؤكد لك ان عاملين اساسيين أديا الى سلوكه هذا الطريق الوعر، إما مكيدة دبرت له عن طريق قريب، أو اضطراره للأخذ بالثأر، وفي كلتا الحالتين يصبح أمام خيار بين حالتين لا ثالث لهما، تسليم نفسه للعدالة، او سلوك طريق <الطفار>.

وعادة ما يلجأ (الطفار) الى الجرود مختزنين غضباً وحقداً ضد ما يعتبرونه ظلماً واجحافاً واستهدافاً ومطالبة بواجبات مواطنية، دون مقابل حقوقي يوازن هذه الواجبات، ومعظم شباب البقاع الصاعد يتعاطف مع هؤلاء المتمردين لكونهم يعايشون الواقع ذاته فيتحولون الى ابطال حكايات شعبية وقصص محلية واحياناً إلى مضرب مثل في البطولة وفي الكرم والجود والشهامة وعزة النفس.

الوضع على ما هو عليه  منذ سبعين عاماً
في البقاع ثمة رأي واحد لدى الجميع وهو ان الدولة لم تنظر منذ الاربعينات إلى أبناء المنطقة كجزء من النسيج اللبناني. تركتهم وحدهم يومذاك في ظل التحريضات التي كان يقوم ضباط من المكتب الثاني ضد العشائر بحيث كانوا يحرضونهم ضد بعضهم البعض، وعلى الرغم من ذلك كان باستطاعة عنصر من المخفر أن يُحضر اكبر (طافر) من خلال التواصل مع وجيه عشيرة أو بلدة أو مختارها. وبرأي معظم البقاعيين ان الدولة أمعنت في ترك المنطقة على حالها، فهي لم تضع أي خطة وتنفذها في البقاع، لا على صعيد الأشغال ولا المياه ولا الزراعة أو الصناعة. وفي الوقت ذاته كان نواب المنطقة يغضون الطرف عن الإهمال لأسباب تتعلق اما بوضعهم او بمصالحهم.

ويتوزع المطلوبون في البقاع على اربع فئات من الجرائم: المخّدرات والقتل والسرقة والمخالفات مثل السير والبناء على الأرض المشاع، وهذه الفئة لها حصة الاسد. وبخلاف السائد فإن أعداد المطلوبين في البقاع هي أقل مما يُذكر في وسائل الإعلام بحيث يتردد ان عددهم هو 35 ألف مطلوب. لكن الحقيقة هي ان جميع المطلوبين لا يزيد عددهم على عشرة آلاف، والعدد الأكبر من هؤلاء مطلوبون بمخالفات تحولت إلى أحكام جزائية، فيما العدد الآخر يتعلق بأشخاص هامشيين في جرائم المخدرات والقتل والسرقة والسلب. أما المطلوبون الجديون، فلا يزيد عددهم على 500 شخص. ففي بلدة الكنيسة مثلاً، هناك أقل من 10 مطلوبين، وكذلك الأمر في بريتال، البلدة التي يُتداول اسمها كمنطقة خارجة على القانون. وعلى سبيل المثال، ففي احدى الملفات القضائية المتعلقة بقضية الاتجار بالمخدرات، هدد موقوف 54 شخصاً بأنه سيزج بأسمائهم في القضية اذا لم يدفع كل منهم له مبلغ ألفي دولار أميركي. وهذا هو الحال في عدد من القضايا بحيث يتم ادراج بعض الاسماء إما ابتزازاً وإما أذية، وهذا ما يعمل عليه اهالي البقاع اليوم لتجنيب أبنائهم هذه الاتهامات او الفبركات التي برأيهم ان الدولة تأخذها وكأنها موثوقة.

طافر يروي قصته
لم يتجاوز عمره الثلاثين عاماً. له في الحياة فلسفة تُشعرك وكأنك امام شاب من عائلة برجوازية يميل الى الفطنة والذكاء في اجوبته وفي طريقة شرحه للامور. لكن اكثر ما يُحزنه انه تحوّل الى (طافر) من دون قصد، ودائماً الحق على الطليان. يعود الشاب بذاكرته الى اول مذكرة توقيف صدرت بحقه فيقول: هاجرنا لبنان في العام 1996 الى استراليا وتعلمت في مدارسها، والدي رجل معروف في البلد فهو صاحب شركات اعمار ومطابع في لبنان والخارج. في العام 2002 لم أكن أنوي الالتحاق بالخدمة العسكرية فسافرت الى تركمانستان حيث ادرت مطعماً كبيراً لنا يتبع لاحدى مؤسساتنا الاعمارية التي يُديرها اكثر من ستة آلاف عامل، وبقيت هناك لغاية العام 2009، يومئذ تم الغاء الخدمة الاجبارية فعدت الى لبنان حيث تزوجت وقمت بتأسيس شركة. ويتابع: في ذاك الوقت لم أكن اتقن اللغة العربية بشكل جيد، وفي تلك الاثناء قام احد اقربائي بعملية خطف خلالها السيد علي احمد منصور من بلدة غزة البقاعية، يومئذ كان سكني في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية واذ بأحدهم يُخبرني بأن منزل اهل زوجتي في البقاع تتم مداهمته من قبل القوى الامنية، والغريب انهم كانوا يبحثون عن اسمي لأعود واعلم في وقت لاحق ان بعض المخبرين قد وضعوا اسمي لكي يبتزوني مادياً، وهنا علمت ان اشقاء زوجتي هم من قاموا بعملية خطف منصور. بعدها تطورت الامور وتفاقمت وأصبحت مضطراً لأتابع قضية ملاحقتي بنفسي، لكن المشكلة انه في تلك الاثناء التي اقفلت فيها هاتفي واختفيت عن النظر، كان احد العملاء مع شركتي يبحث عني فقال له اهل البلدة انني هارب من وجه العدالة بتهمة الخطف. عند ذلك رفع هذا الشخص مجموعة دعاوى وشيكات مؤجلة بقيمة مليون ونصف المليون دولار علماً انني لم اكن استلمت منه سوى بضاعة بقيمة مئة ألف دولار عبارة عن بلاط غرانيت لتكر بعدها السبحة واليوم انا مطلوب بأكثر من مئة مذكرة توقيف.

العفو من الشمال الى البقاع
السلطات المعنية في لبنان كانت اصدرت قوانين عفو من الفئتين العام والخاص أكثر من مرة منذ الاستقلال حتى الأمس القريب، أبرزها القانون رقم 84/91 والذي جاء بعد انتهاء الحرب اللبنانية وآخرها صدر في العام 2005 علماً أن قوانين العفو تنقسم إلى عفو عام وعفو خاص وبالتالي، إن صدور قانون عفو لن يشكل سابقة في لبنان، لكن اليوم توجد العديد من العراقيل تتداخل فيها كل من المخاوف الأمنية، والعراقيل السياسية والاعتبارات الطائفية والمذهبية، والأسباب المعنوية والإنسانية، وهنا من الضروري الإشارة الى أن الفئات التي تطالب بالعفو متعددة وأبرزها:

أولاً: الموقوفون في الشمال على خلفية الأحداث الأمنية ونحو 20 جولة من المواجهات المسلحة التي شهدتها طرابلس بين عامي 2008 و2014، قبل أن تنتهي بخطة أمنية في نيسان 2014، إضافة إلى موقوفين ومطلوبين كانوا قد شاركوا بمعارك مخيم نهر البارد ضُد الجيش اللبناني بين أيار وأيلول عام 2007.

ثانياً: هناك أكثر من 4000 مطلوب في البقاع، بنحو 35,000 مُذكرة توقيف بجرائم سلب وسطو مسلح وقتل وثأر عشائري وزراعة وترويج وبيع الممنوعات والإتجار بالمخدرات.

ثالثاً: الموقوفون والمطلوبون بأحداث عبرا الأمنية التي حصلت في حزيران 2013، وما سبقها ورافقها وتبعها من اعتداءات إرهابية على مواقع وعناصر الجيش اللبناني في الجنوب.

رابعاً: الموقوفون والمطلوبون بأحداث عرسال الأمنية التي حصلت في آب 2014، وما سبقها ورافقها وتبعها من إعتداءات ارهابية على مواقع وعناصر الجيش اللبناني في البقاع.

خامسا: الموقوفون والمطلوبون بتفجيري مسجدي التقوى والسلام في مدينة طرابلس في آب 2013، والتي تبين أن الخليّة التنفيذية للهجومين الإرهابيين تضمّ خمسة أشخاص من جبل محسن.

سادساً: الموقوفون والمطلوبون بجرائم عادية وغير سياسية، علماً أن هؤلاء كانوا قد استفادوا من قرار مجلس النواب في آذار 2012 مشروع تخفيض السنة السجنية إلى تسعة أشهر بدلاً من اثني عشر شهراً عن كل سنة حكم.

فيتوات سياسية
التيار الوطني الحر وأهالي العسكريّين الشُهداء وغيرهم من الأطراف يضعون فيتو على إطلاق أي موقوف أو العفو عن أي متورط بقتال الجيش اللبناني، ويضع حزب الله من جهته فيتو على إطلاق او العفو عن الموقوفين الإسلاميين المتشددين مثل أحمد الأسير وخالد حبلص وسواهما من السلفيّين المتشددين وكل من قاتل إلى جانب تنظيمي داعش والنصرة أو تعاملوا معهما، بينما يضع تيّار المستقبل بدوره فيتو على اطلاق أو العفو عن ميشال سماحة والمتورطين بتفجيري جامعي التقوى والسلام. بدورها تعتبر الأجهزة الأمنيّة الرسمية في لبنان أن الإفراج عن موقوفين متشددين سيُعيد أحياء الكثير من الشبكات الإرهابية التي بذلت جهوداً مضنية لتفكيكها ولإزالة خطرها عن اللبنانيين، ومن الممكن ان يفقد لبنان ورقة مساومة مُهمة لإعادة عسكرييه المخطوفين لدى تنظيم داعش الذي بدأ بدوره يلوح مؤخراً بورقة الشيخ الاسير وبعض الموقوفين.