Beirut weather 21.32 ° C
تاريخ النشر February 16, 2017
A A A
من اغتال الرئيس الحريري؟
الكاتب: عمر معربوني

harr

لا زلنا نعيش ترددات الزلزال الذي نتج عن اغتيال الرئيس الحريري بكل ما تعنيه معاني توصيف الإغتيال بالزلزال، فالهدفان الرئيسيان من الاغتيال قد تحققا، سوريا خرجت من لبنان والحرب الدامية في العراق وسوريا مستمرة، مع حرب باردة في لبنان لم تنطفئ نارها ولن تنطفئ في المنظورين القريب والمتوسط.
تعددت الآراء ولا تزال في توصيف الخلفية السياسية للإغتيال، وكذلك في التوصيف التقني الذي كان يجب ان يكون منطلِقًا من قواعد البحث الجنائي العلمي دون حشر السياسة فيه، لكن الأمور تسير حتى اللحظة بما يخدم الأهداف الرئيسية للإغتيال.

مئات الشهادات التي صدرت عن سياسيين وإعلاميين وغيرهم، جميعها يبتعد عن الموضوعية ويتركز على خدمة هدف واحد هو إلصاق التهمة بسوريا، حيث تم توفير كل ما يلزم من شهادات لإثبات الأمر، وهو موضوع اذا ما قمنا باستعراضه سيحتاج منا الى آلاف الصفحات في استعراضه وتفنيده وإجراء التقاطعات حوله، لكنه في النتيجة عاد وتراجع عن اتهام سوريا ليدخل في اتهام آخر يتوجه نحو حزب الله، ويتم توفير كل ما يلزم لهذا الإتهام من شهادات وفبركات في الجانبين التقني والسياسي لا يمكن عبرها اكتمال القرار الظني ببعده القانوني، حيث لا تزال الأمور في بعدها المباشر تتجه نحو الإتهام السياسي، مدعومة بقرائن وادلة يمكن فبركتها واللعب فيها وعلى رأسها موضوع الإتصالات الذي يقول الخبراء انه يمكن التلاعب به.

منذ اللحظة الأولى للاغتيال، تم توجيه الإتهام لسوريا عبر تصريحات اتخذت فيما بعد طابعًا شعاراتيًا شعبويًا، ليتشكل من خلالها منهجية سياسية واضحة ومنظمة أدّت عبر تراكم الضغطين الشعبي والسياسي الدولي الى خروج الجيش السوري من لبنان ليتحقق الهدف الأول من الإغتيال، وليتحقق لاحقًا الهدف الثاني وهو خلق مزاج شعبي يعادي سوريا والمقاومة لا يزال مستمرًا ويتصاعد.
الإستخدام والتوظيف السياسي لعملية الإغتيال لم يتوقف ولن يتوقف طالما هذه الحرب المجنونة في المنطقة مستمرة، والتي شكل اغتيال الرئيس الحريري احد اكبر شراراتها، حيث تتم عملية توظيف الإغتيال في تسعير المواجهة في بعدها المذهبي وهو امر مهما جمّلناه لا نستطيع ان ننكره.

في علوم البحث الجنائي، السؤال الأول الذي يطرحه المحققون هو “من المستفيد؟”. سؤال تم طرحه بالفعل ولكنه تركز على جهة سياسية واحدة هي سوريا، واغفل باقي الأطراف المؤثرة الإقليمية والدولية وعلى رأسها اميركا و”إسرائيل” المستفيد الأول مما يحصل في المنطقة، حيث يتقصد الطرف الذي يتهم سوريا عدم الإشارة الى طبيعة المرحلة التي سبقت عملية الإغتيال، فلا احد من هؤلاء يشير الى احتلال اميركا للعراق، ولا احد يشير الى السبب الرئيسي في صدور قانون محاسبة سوريا في الكونغرس الأميركي، ولا الى الظروف التي ادّت الى صدور القرار 1559. وهنا علينا ان نذكّر بزيارة وزير الخارجية كولن باول الى سوريا ولقائه بالرئيس بشار الاسد، والطلب منه بصيغة املاءات تضمنت اكثر من 30 طلبًا على رأسها قطع العلاقة مع ايران ووقف دعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، والذي أدّى الى وقوف الرئيس الأسد وانهائه للزيارة، وهو ما حصل مع الرئيس اميل لحود ايضًا ليتبين السبب الرئيسي في نقمة اميركا ومعها فرنسا على سوريا التي رفضت الإنخراط بصيغة “الشرق الأوسط الجديد”، وهي الصيغة التي طرحتها علنًا خلال عدوان تموز 2006 وزيرة الخارجية الأميركية غونداليزا رايس. ولهذا شكّل موضوع التمديد للرئيس لحود عنوان الخلاف ببعده الظاهري، حيث سعت سوريا بعد حصول الصدام مع الأميركيين الى تحصين وجودها، وهو امر لا يخالف السياسة التي كانت متبعة في لبنان وبرضا اقليمي ودولي حتى شكل لقاء كولن باول بالرئيسين الأسد ولحود بداية الصدام.

اذن، اذا ما قاربنا مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس الحريري بشكل شامل لوجدنا ان لا مصلحة مباشرة لسوريا وحزب الله في تنفيذ الإغتيال، حيث اتسمت علاقة الرئيس الحريري بحزب الله في الفترة ما قبل اغتياله بسنتين بالحميمية والتناغم حول اغلب القضايا، سواء في موضوع العداء للكيان الصهيوني والنظرة للمقاومة كعامل اساسي يحفظ لبنان، وهنا أذكّر بما طرحه الرئيس الحريري حول المواءمة بين نموذج البناء والمقاومة وعدم التناقض بينهما في ظل اجواء ضاغطة على لبنان كمكوّن اساسي من مكونات المنطقة. النظرة نفسها كانت تجاه سوريا رغم بعض التباين في مسائل مختلفة، والتي استمر الحوار حولها حتى اللحظة الأخيرة ما قبل الإغتيال.

قد يعتبر البعض أنّ ما اورده هي مبررات اذا ما انطلق من التموضع المسبق ببعده الشعبوي السائد الذي لا يهتم بأي بحث علمي، بقدر ما تم تعويده على التلقي عبر سياق متواصل من التعبئة والتحريض، ولكن علوم السياسة وقوانينها شيء مختلف تمامًا عما حصل ويحصل.
برأيي أنّ مقاربة عملية الإغتيال بالبعد التقني تبقى العامل المفصلي في تحديد الجهة المنفذة للإغتيال، وهو الأمر الذي تم التلاعب به منذ لحظة الإغتيال عبر سيناريوهات مختلفة لا علاقة لها بالقواعد العلمية، وهو ما سأبيّنه عبر تفنيد تقني لمسرح العملية:

1-    من المعروف ان اي انفجار ناتج عن عبوة موضوعة داخل سيارة او على جانب الطريق يولّد قوة عصف باتجاه محدد من الطبيعي ان يتم توجيهه بإتجاه الهدف، وهو ما يؤدي الى:
أ‌-    قذف السيارات المستهدفة نحو الجهة المقابلة لموقع العبوة على شاكلة قوس بحسب توزع قوة العصف الناتجة عن التفجير، إضافةً الى تغير شكل هياكل السيارات وانبعاجها من الجانب الذي تعرض للإنفجار وهو ما لم يحصل، حيث احتفظت السيارات بشكلها ولم تنقذف من مكانها ولم تأخذ شكل القوس في انتشارها، اضافة الى ان تطاير السيارات باتجاه الأعلى ينفي انفجار العبوة فوق الأرض ويؤكد ان الإنفجارحصل من الأسفل الى الأعلى، وهو ما ينتج عادة عن انفجار قذائف المدفعية والصواريخ مع استبعاد امكانية وجود العبوة تحت الأرض لعدم امكانية زرعها في مكان يعج بالناس ويحتاج الى تحضيرات انشائية لجهة حفر المكان وزرع العبوة وتجهيزها وامور اخرى يعرفها الخبراء.
ب‌-    إنّ الحفرة التي تشكلت بنتيجة الإنفجار كانت بحجم يقارب 9×15 مترًا وبعمق 3 امتار، وهو ما يحتاج الى اكثر من 5 اطنان من المتفجرات في حال كان التفجير فوق الأرض وليس 1000 كلغ كما جاء في تقارير لجنة التحقيق الدولية.
ت‌-    عدم حصول اضرار كبيرة في بناء السان جورج الكبير وتشابه الأضرار وانتشار الشظايا في المبنيين الصغير والكبير للسان جورج، وهي شظايا اصابت المبنيين من الأسفل الى الأعلى في حين لو كان التفجير عبر سيارة لكانت الشظايا متراكمة في اتجاه محدد.
ث‌-    عدم العثور على القطع الثقيلة للسيارة كالتراسميسيون وعلبة السرعة في اسفل الحفرة وهو ما يحصل عادة في هكذا تفجيرات، والعثور على قطع من السيارة في البحر كما ورد في التحقيقات ما يؤكد وجود فبركة وتضليل متعمدين، مع الإشارة الى ان قساطل المياه اسفل الحفرة تضررت والتوَت نحو الأعلى ما يؤكد ان القذيفة او الصاروخ اخترقت التربة وانفجرت لاحقًا.

2-    فرضية الإستهداف من الجو بمقاربة موقع الإنفجار وما نتج عنه تبقى الفرضية الأكثر دقة، حيث تتوفر مجموعة كبيرة من الأدلة تشير الى هذه الفرضية منها:
أ‌-    حجم الحفرة وشكلها حيث يمكن لصاروخ جو – ارض من انواع مختلفة ان يحدث هكذا حفرة وبهذا الحجم، واذا ما اجرينا مقارنة بين صورة الحفرة في مكان الإغتيال والحفر الناتجة عن القصف الصهيوني في لبنان وغزة لوجدنا تشابهًا كبيرًا يصل حد التطابق باختلاف النتيجة، وهذا ما يؤشر باتجاه نوع المتفجرات المستخدمة حيث ان استخدام المتفجرات العادية بما فيها مادة الـC4 كان سيؤدي الى اضرار كبيرة بالمباني لم تحصل حيث يرتبط الأمر بسرعة المادة المتفجرة. فالخبراء يعرفون تمامًا ان سرعة مادة الـTNT لا تتجاوز الـ7000 متر في الثانية، وهي سرعة كافية لإحداث دمار كبير، فكلما بطأت سرعة التفجير كلما كانت الأضرار اكبر في حين ان عدم حدوث تدمير كبير يذهب بنا الى الإفتراض ان المادة المتفجرة تجاوزت سرعة الـ20000 متر في الثانية، وهو ما يبرر عدم حدوث التدمير في المحيط.
ب‌-     تولد حرارة عالية في موقع الإنفجار أثّر في المعادن الكثيفة ومنها ساعة الرئيس الحريري وحدوث انصهار في صفائح سيارته الفولاذية، وهذا ما يؤكد وجود درجة حرارة عالية لا يمكن للمتفجرات المعروفة ان تولدها.
ت‌-    تقرير المستشفى العسكري الفرنسي الذي عالج النائب باسل فليحان، حيث اشار الى وجود آثار اشعة على جسده تشبه ما تمت ملاحظته على جثث شهداء غزة وهو ما يؤكد استخدام مادة اليورانيوم المخصب بما لا يدع مجالًا للشك في عملية الإغتيال، حيث يمكن إطلاقها بصاروخ صغير لا يتجاوز طوله المتر او حتى اقل، وهي صواريخ صنعتها المانيا ويمكن اطلاقها من طائرة بدون طيار، وباستطاعة هذا الصاروخ ان يحدث انفجارًا مماثلًا لما حصل في عملية اغتيال الرئيس الحريري.

كان بإمكاني التوسع اكثر والدخول في الكثير من التفاصيل وتأكيدها عبر قواعد البحث العلمي، ولكني اكتفي بهذا القدر مؤكدًا قناعتي بانه طالما ان “إسرائيل” هي المستفيد الأول من الإغتيال وما حصل بعده فلا شيء يمنع من اتهامها، خصوصًا ان شرح الأبعاد التقنية لمسرح عملية الإغتيال يؤكد الأمر ويخرجه من دائرة الفرضية الى تأكيد قيام “إسرائيل” بعلم وموافقة اميركا بإغتيال الرئيس الحريري، طالما ان الأهداف السياسية للإغتيال قد تحققت ويدعمها شرح البعد التقني في العملية، اضافة الى ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس يادلين الذي أقر بإدارة جهازه الأمني “أمان” للعديد من الإغتيالات والتفجيرات في لبنان، واعترف بأنه “كان لحادثة اغتيال الرئيس الحريري الفضل الأكبر في اطلاق أكثر من مشروع لإسرائيل في لبنان”، مشيرًا الى أنها “سجلت أعمالًا رائعة في إبعاد الاستخبارات والجيش السوري عن لبنان وفي حصار حزب الله”.