Beirut weather 21.32 ° C
تاريخ النشر January 23, 2017
A A A
هل ستحارب تركيا جبهة النصرة؟
الكاتب: عمر معربوني - بيروت برس

nasra

كل ما يحصل من متغيرات في الجانبين السياسي والميداني هو في الحقيقة من بركات تحرير حلب، ليس هذا وحسب فترددات زلزال التحرير ستستمر لفترة ليست بالقصيرة.
ما قبل تحرير حلب كنا واضحين لجهة توصيف نتائج التحرير في البعد الجيوسياسي، وهو ما نتلمسه عبر العديد من المتغيرات وسنبقى نتلمسه في المرحلة القادمة، فما بعد تحرير حلب ليس كما قبل التحرير، وهو الثابت الذي تنطلق منه كل الحراكات السياسية والميدانية، وأغلبها بلا شك مفاجئ ومتسارع. وعلى رأس هذه المفاجآت ما اعلنه دونالد ترامب من موقف معادٍ للإسلام دون تمييز بين المذاهب والحركات والجماعات، والمستند هنا ليس ما جاء على لسانه البارحة خلال حفل تنصيبه رئيسًا لأميركا فقط، فما نطقه ترامب البارحة هو اختصار لموقف مرتبط بتوصيف الإسلام كدين وليس كجماعات او مذاهب، وما تذكيري بالأمر إلّا للقول إنّ مواقف ترامب ستزيد الهوّة بين الدول الإسلامية وبينه، ومن بين هذه الدول تركيا التي تتأرجح في مواقفها بين روسيا وبين اميركا والتي بات مؤكدًا الى حد كبير انها ستسير في المسار الروسي دون تردد بما يحفظ امنها ومصالحها.

في السياسة يمكننا توقع كل شيء عندما تكون المسألة مرتبطة بالمصالح وليس بالعواطف، حيث يغدو عدو اليوم صديق الغد والعكس صحيح. وممّا لا شك فيه ان تركيا المكرهة حتى اللحظة بذهابها الى الآستانة قد تتخلى عن باطنيتها وتذهب الى اللقاء بعد يومين حاسمة لأمرها وتوجهها، خصوصًا أنّ موقف “جبهة النصرة” الواضع منذ ساعات قد رسم بين تركيا والنصرة حالة عداء واضحة، حيث تعتبر “النصرة” أنّ المسار السياسي لم يخدم يومًا “الثورة”، وأنّ الدول التي تضغط على “المعارضة” للمشاركة بلقاء الآستانة هي نفسها التي تؤثر في الخلاف بين الفصائل، اضافةً لاعتبار “النصرة” لقاء الآستانة مؤامرة وأنّ كل من يشارك باللقاء متآمر.

إذن “النصرة” تعلن الحرب، وما يحصل في محافظة ادلب هو على ما يبدو حرب مفتوحة من النصرة على جميع الجماعات بما فيها حركة احرار الشام التي آثرت عدم الذهاب الى الآستانة كرمى “للنصرة”، حيث تعاني الحركة انقساما حادًا بين جناحيها الإخونجي والسلفي المتشدد.
موقف “النصرة” من لقاء الآستانة جاء بعد تدابير تركية اوقفت من خلالها التقدم نحو مدينة الباب بشكل مؤقت والبدء بتشكيل قوة عسكرية لمواجهة “جبهة النصرة” التي تمادت بغيّها بحسب التوصيف المستجد لمصادر تركية، حيث تشير الأحداث الى نية النصرة تشكيل امارتها وهو ما يبدو جليًا من خلال المعارك المستمرة منذ ثلاثة ايام بمواجهة “حركة احرار الشام” بشكل اساسي، ويشمل ايضًا مواقع ومقرات لـ”جيش ادلب الحر” و”لواء صقور الجبل”، بما في ذلك اعتقال مسؤولين في الجماعات المذكورة.

ما يحصل في ادلب وما ذهبت اليه المواقف التركية يشكل مفاجأة من العيار الثقيل لن تنتهي على ما يبدو قريبًا، فالجماعات الذاهبة الى الآستانة اقترحت إضافةً الى مناقشة وقف اطلاق النار مسألة تشكيل قوات مشتركة بينها وبين الجيش السوري بقيادة روسية – تركية لمحاربة “داعش”، وهو اقتراح قد يتطور بعد ما تفعله “النصرة” في ادلب الى شمولها بالقتال من قبل القوات المشتركة التي تقترحها الجماعات المشاركة في الآستانة.
في مكان ما من الواضح ان القنوات الإستخباراتية هي التي تدير المرحلة بكل تعقيداتها وتناقضاتها لجهة اعادة تركيب الإصطفافات والتحالفات، وهذا سيجعل المشهد القادم مفتوحًا على مزيد من المفاجآت قد تبدو فيه “النصرة” رابحًا للمعركة بشكل مؤقت، وهو ما سيجعل الأتراك بشكل اساسي امام خيارات كلها مرّ، فـ”النصرة” صديقة الأتراك ستصبح على ما يبدو في وضع يشبه “داعش” لجهة انقلاب التحالفات.

انه مشهد بلا شك ساهم الروس بشكل كبير في صياغته من خلال بركات تحرير حلب التي وضعت الأتراك في موقف معقد ألزمهم وسيلزمهم لاحقًا لتقديم مزيد من التراجعات قد تستغرق بعض الوقت حتى يتبلور مشهد مسارات الإدارة الأميركية، حيث أعلن الروس اليوم أنّ حلًا سياسيًا في سوريا بدون مشاركة اميركية فاعلة لن يكتمل.
الرابح الأكبر من هذه التحولات والمتغيرات هو بلا شك سوريا الدولة التي تنتظرها استحقاقات كبيرة في الميدان وفي المسؤوليات السياسية والإجتماعية والإقتصادية.