Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر January 19, 2017
A A A
هل تخرج دمشق من «عنق الزجاجة»؟
الكاتب: جانبلات شكاي - الراي

لم تمر أيام سوداء على أهالي دمشق طوال السنوات الخمس السابقة، كما هي الحال في الشهر الأخير. فعادةً عاشت العاصمة السورية أزمات مختلفة كانت في مراحل منها أمنية، وهذه تجاوزتها منذ فترة، وفي مراحل أخرى، معيشية، وكلها كانت تمتد لأسبوعين أو ثلاثة. أما اليوم فإن معظم الأزمات السابقة جاءت متلاحقة لتصبح مركبة، وما زاد الطين بلة، دخول المدينة أزمة مياه شديدة بعد انقطاعها عن معظم أحياء العاصمة للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة على خلفية المعارك في وادي بردى.

ورغم كل المشاكل التي تطفو على السطح، إلا أنه لن يكون من العدل، عدم ملاحظة الفارق الكبير بين وضع العاصمة حاليا، ووضعها قبل سنتين أو ثلاث، حين كانت المعارك تدور داخل الأحياء القريبة والمحيطة بدمشق، وأحيانا داخلها، ولا تنام المدينة إلا على أصوات المدافع والراجمات وتحليق الطائرات الحربية في سمائها، وحين كان معظم ريفها القريب تحت سيطرة المعارضة.

اليوم لم يعد تحت سيطرة فصائل المعارضة سوى عدة بقع قريبة من دمشق تتلخص في بعض القرى الصغيرة في وادي بردى، مع مساحة تتقلص دوماً لصالح النظام ضمن غوطة دمشق الشرقية، إضافة إلى أحياء جوبر والقابون وبرزة البلد، التي تعيش المصالحة، وبلدات جنوب المدينة أبرزها مخيم اليرموك ومحيطه.

هذا التحسن الأمني الكبير الذي أعاد الحياة لليل دمشق، وفتح الطريق بينها وبين مدن الريف التي كانت قبل أشهر قليلة تحت سيطرة المعارضة مثل درايا والمعضمية وقدسيا والهامة والتل، لا يعكره هذه الأيام إلا الأزمات المعيشية التي تتفاقم كلما عادت مدينة جديدة إلى «حضن الوطن» على خلاف ما هو متوقع، على اعتبار أن أعباء الحكومة الاقتصادية تتوسع لخدمة مناطق لم تكن في أجندتها، وكانت فصائل المعارضة هناك تحمل جانبا كبيرا من تكاليفها، وخصوصا عبر ضخ مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة كانت تأتيها من الدول المانحة والداعمة لها، وتوقفت هذه التحويلات مع انتهاء عهد حكمها وترحيلها عمليا إلى إدلب.

ومع بداية فصل الشتاء بدأ الدمشقيون بالتذمر لفقدان وقود تدفئة المنازل وارتفاع ثمنه حتى وصل إلى أكثر من 10 أضعاف ثمنه قبل الأزمة، ولجأ حينها معظم الناس للتعويض عبر استخدام الكهرباء للتدفئة، رغم أن هذه عادة لا تأتي حتى في أرقى الأحياء المحصورة جدا، أكثر من 18 ساعة في اليوم، وتنخفض تدريجيا لتصبح نحو ست ساعات لمعظم أحياء المدينة التي ينهشها الفقر.

ووضع الكهرباء بداية فصل شتاء هذه السنة كان أفضل بالتأكيد من شتاء العام الماضي أو الذي سبقه، فقد استطاعت الحكومة استثمار آبار نفط وغاز استردتها من تنظيم «داعش» في محيط تدمر، لتوليد الكهرباء، وارتفع انتاج البلاد، الذي كان يزيد على 250 ألف برميل قبيل الأزمة، من نحو ثمانية آلاف برميل في اليوم مع نهاية عام 2015 إلى أكثر من 30 ألف برميل نفط يوميا قبل نهاية العام الماضي، وهو الأمر الذي انعكس ايجابا على توفير الكهرباء.

لكن الهجوم المفاجئ لـ «داعش» على تدمر والسيطرة عليها وعلى الحقول المحيطة بها، وجه ضربة قوية لمحطات توليد الكهرباء، خصوصا أن الأمر ترافق مع استعادة الجيش السوري السيطرة على معظم حلب، ما يعني تحمل مزيدا من الأعباء لتخديم الأحياء الجديدة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ساعات التقنين لتصل إلى 12 ساعة في الأحياء الراقية، وإلى أكثر من 20 ساعة في معظم أحياء المدينة، وأحيانا يمر يوم كامل أو أكثر على بعض الأحياء من دون كهرباء.

ووسط حالة التملل هذه، جاءت أزمة المياه لتنسي الدمشقيون كل أزماتهم السابقة، فلم تعد المشكلة لدى نحو خمسة ملايين من سكان العاصمة في تأمين التدفئة بقدر ما باتت المشكلة في تأمين مياه الشرب، أو مياه الحمامات، وباتت طوابير الناس مألوفة ليس فقط عند باعة الغاز وفي محطات الوقود، وإنما عند صنابير المياه في الحدائق العامة أو أمام الصهاريج.

ورغم الصورة السوداوية السابقة التي تؤشر على فشل الحكومة في تأمين أساسيات الحياة للناس، إلا أن الأمر يبدو وكأنه المخاض قبل الخروج من عنق الزجاجة، وساهمت أزمة المياه برفع سقف مطالب الشارع الموالي في دمشق، حيث لم يعد مستغربا أو مستهجنا قراءة تعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي، والواسعة الانتشار منها خصوصا، تطالب الجيش السوري بـ «سحق كل من يقطع المياه».

ووسط هذا التأييد الواسع، تحرك الجيش السوري لإنهاء سيطرة المعارضة على البقعة الوحيدة المتبقة غرب العاصمة، وفق مبدأ العصا والجزرة، رافعة راية المصالحة من جهة، ومواصلة عملية اقتحامها لقرى وادي بردى بالتعاون مع عناصر «حزب الله».

ووفق المعادلة السابقة خسر مقاتلو «وادي بردى» بلدة بسيمة ثم بلدة عين الخضرا، لينجح النظام بذلك في استعادة السيطرة على أهم مصدر لمياه الشرب للعاصمة، وتخسر المعارضة ليس فقط فرصة المصالحة، وإنما قرى الوادي التي تدمرت نتيجة العمليات العسكرية أو نهبت وتم تعفيشها من القوات المنتصرة.

وبدأت تلوح في الأفق نهاية لأزمة مياه العاصمة، دفعت ثمنها غاليا قرى وادي بردى، وبالتزامن، تحرك وفد حكومي كبير ضمن وزراء الزراعة والصناعة والاقتصاد والنقل والنفط والاتصالات والإدارة المحلية، إضافة إلى رئيس هيئة تخطيط الدولة، يتقدمهم رئيس الوزراء عماد خميس في اتجاه طهران في زيارة تستمر أربعة ايام، بهدف «رسم رؤية جديدة في العلاقات على المستويين العام والخاص، تقوم على مبدأ الشراكة في اقامة المشاريع ضمن عملية إعادة الإعمار».