Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر January 9, 2017
A A A
عين الحلوة : بنادق للإيجار أم «عاصمة» للاجئي الشتات
الكاتب: جاد صعب - الديار

مخيم عين الحلوة… من أَحياء حملت اسماء القرى الفلسطينية المحتلة، تكريسا للهوية الوطنية الفلسطينية… الى كانتونات ومربعات امنية وامارات لجماعات متعددة الهويات، تعمل وفق اجندات متشعبة ومتضاربة بابعاد اقليمية او دولية، وفق بوصلة الارهاب.
كل امارة في المخيم، لها حدودها وجهازها الامني واداتها العسكرية واجراءاتها  الخاصة، والاهم ان كل امارة لها مسجدها، لكن ما يوحد كل تلك الجماعات انها ملتزمة باجندة واحدة يصدر عنها «امر مهمة» واحد… تحويل المخيم الى بؤرة امنية ملتهبة.
المخيم الذي اُرهق سكانه الذين يتجاوز عددهم السبعين الفا من اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا منذ الايام الاولى لما عُرف بـ «نكبة» الفلسطينيين في العام 1948، ما تزال اجندات التنظيمات الارهابية تخصصه بحيز واسع من التوترات الامنية التي تحصد في كل مرة المزيد من الضحايا، فيما العجز الكامل الذي تظهره المرجعيات السياسية والامنية الفلسطينية داخل المخيم، يشكل ادانة للفصائل والقوى التي لم تنجح في اخراج المخيم من دائرة التوتير المشبوه، فيما هي منشغلة بمعالجات قاصرة لا يأمل منها الفلسطينيون بان تنقلهم من حفلات الجنون الدموي… الى الامن والاستقرار، برأي شرائح واسعة من فلسطينيي المخيم.

ارهابيون يغتصبون هوية المخيم
مخيم عين الحلوة الذي يحلو للفلسطينيين ان يسموه «عاصمة الشتات»، بات اليوم في نظرهم، مخيم الموت المجاني بعد ان فقد هويته النضالية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، واضاع مسيرة طويلة من التضحيات قدمها ابناء المخيم، خلال كل محطات العدوان الاسرائيلي، وبخاصة عدوان العام 1982، حيث اكتسب المخيم سمعة ميزته عن غيره من المخيمات، بعد ان شهدت ازقته الضيفة اشرس المعارك مع حجافل قوات الغزو الاسرائيلي، التي لم تجد من وسيلة لها للدخول الى المخيم، الا حين دكته بصواريخ الطائرات الحربية لتدمره عن بكرة ابيه، لكن المخيم خرج منتصرا على الغزاة، بعد ان خرج منه اطفال الار بي جي الذين الحقوا بقوات الاحتلال خسائر فادحة، فيما ما زال العديد من الفلسطينيين يخفف من وطأة من يشهده المخيم من حوادث تقف وراءها جماعات ارهابية تعمل تحت لافتة «الاسلام»، حيث يقول هؤلاء «ان هوية المخيم لا يمكن لاحد ان يغيرها، وتاريخ المخيم يلفظ كل من يسيء له وللقضية الفلسطينية»، لكن هؤلاء يقرون بان القضية الفلسطينية لا يمكن ان تحميها شعارات تصبح خارج السياق، اذا لم تُتَرجم الى فعل يحمي المخيم .. ويبقى السؤال : الى متى سيبقى اللاجئون الفلسطينيون يسددون فواتير المشاريع المشبوهة الوافدة من خارج المخيم.
يتحسر اللاجئون الفلسطينيون على تاريخهم النظيف في مخيم كان رمزا للنضال الفلسطيني، فيما اليوم، باتت انظار العالم تتجه نحوه على انه البؤرة الملتهبة دوما بـ «امر يوم» تصدره هذه الجماعة الارهابية ام تلك، فالمخيم، ووفق ما يرى بعض فاعلياته، هو اليوم اشبه ما يكون بـ «امارة» غير معلنة للارهابيين الذين يستبيحون حياة الفلسطينيين بدم بارد، مع كل جولة اشتباكات، او حادثة اغتيال، او اندلاع حرب قنابل في ازقته وزواريبه الضيقة، هناك العشرات من الضحايا تسقط من ابنائه، ولا احد يعرف الى متى سيبقى هذا المسلسل الدموي الطويل؟.

جماعات… ومربعات امنية
في المخيم، ثمة من يرتعب من خارطة توزع الجماعات الارهابية داخل المخيم، والتي بات انتشارها على نطاق واسع في الاحياء الاساسية التي عُرفت قبل سنوات بانها معاقل اساسية لحركة «فتح» التنظيم الفلسطيني الاكبر وصاحب النفوذ الاقوى في الساحة الفلسطينية، فهي حزب السلطة الفلسطينية المحدودة في رام الله، فلم يعد حي حطين الواقع عند الطرف الجنوبي للمخيم، فتحاويا، ولا حي طيطبة او الصفصاف او رأس الاحمر، بعد تغلغل الجماعات والتنظيمات الاسلامية المتطرفة المتناغمة مع قوى الارهاب التي تقاتل في بجهات في سوريا والعراق، وقبل ذلك في افغانستان، سيما وان هناك من يلفت الى ان اكثر من 40 مقاتلا من ابناء المخيم، انخرطوا للقتال في صفوف جماعات ارهابية، ومنها تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، وقتلوا على جبهات في افغانستان والعراق قبل العام 2011، ثم قتل عدد من هؤلاء في سوريا ما بين عامي 2012 و2016.
العابر في شوارع المخيم، تصادفه لُحى طويلة على رؤوس «اسلاميين» يرتدون ازياء اسلامية، تظن انك في احياء في افغانستان، يحملون اصحابها بنادق رشاشة مستنفرة امام كل ما يمكن ان يصادفها، لا مرجعية امنية قادرة على ضبط الامن في المخيم، على الرغم من تشكيل قوة عسكرية من مختلف الفصائل الفسطينية، ولا مرجعية سياسية يمكنها التفاهم على آلية او صيغة تُخرج من المخيم من دائرة الاستهداف الامني، ولا قناعة لاي من الفصائل، من ان الخطط الامنية التي اعدت في الماضي ويجري اعدادها اليوم، جدية، فالشكوك كبيرة حول الشعور بالمسؤولية لدى القيادات الفلسطينية التي لم تقدم صيغة تُخرج المطلوبين اللبنانيين الذين التجأوا قبل سنوات الى داخل المخيم، بعد تورطهم في عمليات ارهابية استهدفت الجيش اللبناني وتفجيرات استهدفت مناطق سكنية ومقرات دبلوماسية في بيروت والمناطق، اضافة الى مطلوبين فلسطينيين يتحصنون داخل مربعات امنية مقفلة، تعجز الفصائل واداتها الامنية عن الدخول اليها.

رحلة البحث عن مرجعية فلسطينية
الاعتقاد السائد لدى الفلسطينيين من سكان المخيم، هو ان غياب المرجعية الامنية والسياسية في المخيم، من شأنه لو تشكلت ان تضع حدا للمسلسل الدموي الذي يعيشه المخيم، وان تمسك بزمام الامور وضبط الوضع الامني  واخراج المطلوبين من المخيم او العمل على تسليمهم الى الجهات الامنية اللبنانية، فهناك استحالة للتعايش مع الحالات الارهابية التي بدأت تترسخ داخل احياء المخيم، وبخاصة انها من خارج النسيج الاجتماعي للفلسطينيين المقيمين في المخيم، وبالتالي، فان اي حسم عسكري مع هذه الجماعات، من شأنه ان يُخرج المخيم بصورة نهائية من دائرة التوتير والارهاب الى ساحة عيش لآلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين حموا على مدى السنوات الماضية من زج المخيم في التجاذبات السياسية والامنية التي شهدتها الساحة اللبنانية، في ضوء الصراع الذي كان يستعر بين مختلف الاطراف السياسية اللبنانية، ومهما كانت كلفة هذا الحسم، فانها ستكون اقل بكثير مما يدفعه المخيم، مع كل جولة اشتباكات او مسلسل اغتيالات.
حين تبتهج البنادق في مخيم عين الحلوة… لاغتيال السفير الروسي في تركيا، وتخرس حين يدوس مقاوم فلسطيني على عشرات المستوطنين الاسرائيليين في جبل المكبر في القدس المحتلة، هي بحق… بنادق للايجار، يقول فلسطيني وهو يتكىء على جدار نخرته رصاصات الاشتباكات الاخيرة التي جرت قبل ايام.