Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر January 8, 2017
A A A
إنقاذ سوريا أم إنقاذ تركيا؟
الكاتب: نبيه البرجي - الديار

انقاذ سوريا أم انقاذ تركيا؟ هوذا السؤال الهائل الذي يشغل بال الكرملين، وربما بعض المحافل الدولية الآن…
لا أحد يظن ان الولايات المتحدة والكونغرس دليل صارخ، يذرف الدموع، او يضيء الشموع  حداداً على كرنفال الجيش في الشرق الاوسط، لا أحد هناك سوى اسرائيل، الآخرون، كل الآخرين.. حثالة…
لا بل ان هناك باحثين أميركيين يعتقدون ان التفاعلات الايديولوجية، والسوسيولوجية، في بلدان المنطقة، وحيث الصدام الحتمي بين القرن والقرون الوسطى، لا بد ان تفضي الى سلسلة من الزلازل التي قد تكون اكثر فظاعة وأكثر كارثية…
عيون الدببة القطبية على تركيا، الذين يلتقون المسؤولين الروس، او الديبلوماسيين، أو حتى المراسلين الصحافيين، يفاجأون بمدى المخاوف الروسية من انفجار الفوضى في تركيا.
الروس يقولون ان تداعيات الأزمة السورية تبقى، بالرغم من كل اهوال هذه الأزمة، محصورة في نطاق جغرافي محدد. ولكن أي تداعيات لازمة عاصفة في تركيا يمسك فيها اصحاب الايديولوجيات المجنونة بالمدن الكبرى، وبالترسانات العسكرية، وبالمؤسسات المالية والصناعية؟
الروس يلاحظون ان تركيا تتاخم اوروبا، عبر بلغاريا واليونان، وتتاخم القوقاز عبر ارمينيا وجورجيا واذربيجان، وان العالم التركي يعبر آسيا الوسطى وصولاً الى تركستان الشرقية (اقليم سينغيانغ الصيني)…
بطبيعة الحال، هي تتاخم سوريا والعراق، اي كل المنطقة العربية، كما ان حدودها مع ايران تمتد على مسافة 499 كيلومتراً، ودون اغفال الحدود «السيكولوجية» مع باكستان…
السنّة، وهم الاكثرية، ينتمون الى تيارات مختلفة، العلمانيون، والقوميون، والاسلاميون الذين يجنحون اكثر فأكثر نحو الافكار الراديكالية. وهناك اقليتان كبيرتان: العلويون الذين يتراوح عددهم بين الـ15 والـ18 مليوناً، وهم مسحوقون عقائدياً، وسياسياً، وحتى اجتماعياً، والاكراد الذين يناهز عددهم العشرين مليوناً والذين يقطنون في مناطق جعلت منهم ما يشبه «الصخور البشرية».
تركيا دولة مركبة، اتاتورك وضع الطرابيش، واللحى، وحتى المآذن، جانباً، وقال بالعلمانية التي وحدت تركيا، كدولة مركبة اتنياً ومذهبياً، قبل ان تبدأ بالتحلل التدريجي، ولكن في ظل مؤسسة عسكرية حديدية كانت هي من تتولى ادارة السياسات من وراء الستار.
الآن، ثمة رجل ويدعى رجب طيب اردوغان، السلطان العثماني الذي لم يُعرف آباؤه الا في القرن الثالث عشر قال لحيدر العبادي، رئيس الوزراء في دولة انتجت أهم الحضارات وأهم الامبراطوريات، «من انت حتى تدعوني الى الانسحاب من العراق؟».
ها هو يبعث الآن برئيس وزرائه بن علي يلدريم الى بغداد، وقد نجد يلدريم غداً في دمشق، بعدما لاحظ (وكاد يقول ذلك علنا) ان ما فعلته يداه في سوريا والعراق بدأ يرتد، وبصورة كارثية، على تركيا، وحيث لا مجال حتى لاستقطاب الأكثرية السنية التي جردها من افضل جنرالاتها، وقضاتها، واكاديمييها، وصحافييها، ومثقفيها.
حتماً، لا قصة غرام بين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان الذي بلغت به الغطرسة (أم الغباء؟) حد اسقاط طائرة روسية فوق سوريا، القيصر يعتبر ان السلطان الذي سقط عن حصانه، والذي قف على ساق واحدة، قد يكون الشخص الوحيد الذي يمكن ان يحول دون انفجار الفوضى، وعلى نحو عاصف، وبالتالي انتقال ابي بكر البغدادي من الموصل الى اسطنبول.
الروس يدركون اي دور اضطلع به اردوغان في تصنيع تنظيم الدولة الاسلامية، ويدركون اي لغة مذهبية استخدمها ليس فقط للتعبئة الداخلية، وانما للاستيلاء على الأكثرية السنية في المنطقة العربية، هو الآن، رجل الخطوات الضائعة والاستراتيجيات الضائعة.
لا بأس ان يقول ديفيد اغناثيوس «السلطان تحت عباءة القيصر»، بوتين هو من نصحه باعادة النظر في سياساته من دمشق وبغداد، وان كان اردوغان يراوغ حتى وهو يتساقط.
الروس يقدمون له العكاز كي لا يقع ارضاً، غريب ان يتحول السلطان الى دمية، المهم، روسياً واوروبياً، ألا تتناثر تركيا لأن حدودها مشرعة على الجهات الاربع.