Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر January 7, 2017
A A A
الصحافة الورقية ثروة قومية تجب المحافظة عليها
الكاتب: نبيل المقدّم - البناء

أقفلت جريدة «السفير» أبوابها، وانصرف العاملون فيها للتفتيش عن مورد للزرق في مكان آخر.

التعويضات التي حصلوا عليها لا تكفي إلا لفترة وجيزة من الزمن، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية العام 1990 وخاصة في السنوات العشر الأخيرة.

طيلة فترة ثلاثة وأربعين عاماً هي عمر جريدة «السفير»، والتي شكلت طيلة فترة صدورها عصباً وطنياً وقومياً عند جيل آمن بأنّ الكلمة الحرة هي مفتاح الانتصار في الصراع من أجل الحق والعدالة. قراء «السفير» سيفتقدونها من دون شك، ولكنهم مع الوقت سيعتادون على غيابها وسيتحوّلون الى قراءة صحف أخرى.

أزمة «السفير» ليست أزمتها وحدها. هي أزمة مؤسسات صحافية أخرى لا تقلّ حضوراً وعراقة عن «السفير». اندثرت وغابت او هي باتت على طريق الاندثار. قبل «السفير» أقفلت مجلة «الحوادث» أبوابها، والتي أسّسها سليم اللوزي، وكانت إحدى أبرز المجلات الأسبوعية السياسية في لبنان والعالم العربي. وسبب الإقفال انّ ورثة سليم اللوزي لم يحسنوا إدارة الامبراطورية الصحافية التي تركها لهم. وبدورها جريدة «النهار». تصارع من أجل البقاء بعد غياب غسان تويني.

طلال سلمان صحافي عريق وإداري ممتاز أدار جريدته طوال فترة صدورها بحنكة عالية. وهو نظر حوله وأدرك أنّ الأمور من بعده، بعد عمر طويل، لن تكون كما يشتهي. فقرّر أنّ الوقت قد حان للتوقف والاكتفاء بهذه اللائحة الطويلة من الأمجاد. لا شك في أنّ طلال سلمان حزين جداً لإقفال جريدته، وهو الذي كان قبل عامين يخطط لمستقبلها بعد أربعين عاماً.

ما هي أزمة الصحافة في لبنان؟ هل هي أزمة مالية فقط أم أنها أيضاً أزمة مواهب خلاقة لم تعد موجودة بكثرة في الجيل الحاضر من الصحافيين؟

في مقارنة بين الأمس واليوم نجد أنّ جيلاً من العمالقة مرّ بتاريخ الصحافة في لبنان من الصعب أن يتكرّر. جيل صنع نفسه بعصاميته. شقي في الركض وراء سبق صحافي.

وصل الليل بالنهار من أجل كتابة مقال. لم يعتمد على أجهزة المخابرات من أجل الحصول على مقال جاهز يسرّب اليه قصداً كما يحصل اليوم مع بعض الصحافيين.

أزمة «السفير» و«النهار» وغيرهما من وسائل الإعلام تجعلنا ندق ناقوس الخطر حول مستقبل الصحافة في لبنان هل كُتب على كلّ وسيلة إعلامية ازدهرت ونجحت أن تنطفئ وتغيب بعد غياب مؤسسها أو تقاعده؟ مَن قال إنّ هذه المؤسسات هي ملك العائلة فقط؟

الإعلام ملك الوطن والشعب هو مرآة الأمة ومقياس نهضتها. هو ثروة قومية تنبغي المحافظة عليها والحفاظ على استمراريتها، بخاصة عندما تكون الثروة صحفاً بحجم صحيفتي «السفير» و«النهار»، على سبيل المثال لا الحصر. قيمتها أطنان من الكلمات كتبت بحبر القلب. قاومت الظلم وتحدّت التعسّف والاستبداد وفضحت أوكار الفساد.

«السفير» أقفلت، وكان إصدارها السنوي عوداً إلى الذاكرة وشهادات، وربما تتبعها صحف أخرى غداً. هذا الأمر قد يجده البعض طبيعياً ومنطقياً في ظلّ ازدهار الإعلام الالكتروني وتقدّمه في سرعة نقل الخبر على الإعلام المكتوب، ولكن السؤال: هو هل الحداثة تلغي العراقة؟

الصحف هي حارسة الذاكرة كانت وستبقى. لها نهكتها وحضورها والتي لا يمكن للإعلام الالكتروني أن يطمسها مهما بلغ من انتشار وتطور.

قد يعترض البعض على كلامنا ويتهمنا بالمبالغة في عاطفتنا تجاه الصحف الورقية التي لنا فيها مئات المقالات والتحقيقات والحوارات الصحافية، وخاصة جريدة «السفير».

الدعوة الى المحافظة على الصحافة الورقية ليست من باب العاطفة فقط. بل هي دعوة للمحافظة على القيمة الحقيقية للصحافة في لبنان والعالم العربي.

فشتان بين المواقع الالكترونية والصحف الالكترونية التي ترتبط معظم اخبارها بمحركات البحث مثل «غوغل» وغيرها والنسخ واللصق من الصحف الورقية. وبين الصحف الورقية التي تعتمد على معيار الدقة والتقييم الموضوعي للخبر قبل نشره، وخاصة في ما يتعلق بالصحافة الاستقصائية وكشف ما وراء الكواليس.

كما أنّ القارئ يجد نفسه قادراً أكثر على التفاعل مع الخبر المنشور في الصحافة الورقية أكثر من نظيرتها الالكترونية.

أخيراً نقول إنّ النظرة الى الإعلام من باب المردود المادي فقط هي نظرة خاطئة، فالصحف الورقية، كما يقول أحد الزملاء، «علامة التعددية وحرية التعبير وميدان تواجه الآراء ومعايير النقاش وسياسة التداول».
***

كاتب وإعلامي من لبنان