Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر December 24, 2016
A A A
مسيحيو حلب يبنون مغارة الميلاد من ركام كاتدرائيتهم
الكاتب: نقلاً عن النهار

مسيحيو حلب يبنون مغارة الميلاد من ركام كاتدرائيتهم… “ليت الأنقاض تجمع شملنا”
*

في الكاتدرائية المارونية في حلب، يجمع نعمة بدوي وشقيقه بشير القطع الخشبية وبقايا من حطام السقف الذي سقط جراء القصف ليصنعوا منه مغارة الميلاد استعدادا للاحتفال بأول عيد بعد انتهاء المعارك في المدينة.

يدوس نعمة (53 عاما) على الزجاج المتناثر، يحمل بحذر الواحا خشبية خشية ان يجرح يديه وقطعا مما تبقى من اثاث، يربطها سوية لتصبح جزءا من المغارة الكبيرة التي يحضرها. ويقول الفنان التشيكيلي: “نبني المغارة من انقاض الكاتدرائية، من الخراب فيها وبقايا السقف (…) لنظهر انتصار الحياة على الموت”.

وغيرت المعارك التي شهدتها مدينة حلب على مدى اكثر من اربع سنوات معالم المدينة الاثرية القديمة التي تحولت الى خط تماس بين الجيش السوري والفصائل المعارضة، فحل الدمار على بواباتها القديمة واسواقها وخاناتها.

تبدو آثار القصف والمعارك واضحة على الكاتدرائية التي هجرها المصلون والزوار طوال سنوات الحرب. استقرت احدى القذائف على جدارها الامامي واخرى على قبتها وثالثة انتشرت شظاياها داخل البهو.

يأمل نعمة وشقيه بشير (50 عاما) الانتهاء من عملهم قبل يوم الميلاد الذي يصادف الاحد المقبل برغم الثلج الذي كان يتساقط فوقهم من فتحة في السقف الخشبي المنهار والذي تحول الى كومة من الالواح الخشبية في بهو الكاتدرائية.

ويقول بشير: “الضرر المعنوي لدمار الكنيسة اكبر واعمق من الضرر المادي”، مضيفاً: “هذا المكان هو منبع لذكرياتنا وافراحنا واعيادنا وارغب في تحويل الركام الى جمال”.

سارع نعمة وبشير فور سماعهم قبل ايام باقتراب سيطرة الجيش السوري على كامل مدينة حلب الى بدء العمل في الكاتدرائية.

ويروي بشير: “جئنا فور علمنا ان العمليات العسكرية في حلب شارفت على الانتهاء”، مضيفاً: “حين دخلت الكاتدرائية المرة الاولى، صدمني المشهد المحزن التي هي عليه وكأنها سفينة تحطمت في قاع البحر”.

واعلن الجيش السوري مساء الخميس استعادته السيطرة على كامل مدينة حلب بعد انتهاء اجلاء عشرات آلاف المدنيين والمقاتلين من آخر جيب كانت تسيطر عليه الفصائل المعارضة.

فوق مدخل الكاتدرائية وضع لوح ابيض صغير كتب عليه “الكاتدرائية المارونية 1873 – 1923”.

وفي بهو الكاتدرائية، يدخل الضوء خفيفا من النوافذ المكسرة وتصدر القطع الخشبية المتدلية في ما تبقى من السقف صوتا موسيقيا كلما حركها الهواء.

.

.

يكسو الغبار الكتب المقدسة التي وضعت على درج يوصل الى الطابق الثاني حيث يوجد بيانو خشبي لم يعد صالحا للعزف بعدما تكسرت مفاتيحه البيضاء والسوداء اللون.

شكل المسيحيون عشرة في المئة من سكان مدينة حلب قبل الحرب اي 250 الفا ونصفهم من الارمن. لكن غادر معظمهم فرارا من المعارك طوال سنوات النزاع فيها، ولم يعد هناك سوى مئة الف، وفق الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش.

ويعيش غالبيتهم في الاحياء الغربية التي بقيت تحت سيطرة الجيش السوري منذ انقسام المدينة في العام 2012.

يوجه بشير، وعلى رأسه قبعة بنية اللون ولف رقبته بوشاح سميك، المتطوعين العاملين معه وشقيقه حول كيفية وضع تماثيل ملونة للسيدة العذراء والقديس يوسف والمجوس الثلاثة بالاضافة الى بقرة وخروف وراعي غنم.

ويقول بشير: “قررنا اقامة قداس في يوم الميلاد، وندعو الناس الى المجيء والصلاة برغم الدمار” في الكاتدرائية. ويضيف بعدما التقط صورا للمغارة التي يكمل بناءها “سنقيم قداسا، كنت ارغب ان يحضره اطفالي لكني لن اتمكن من احضارهم بسبب البرد والهواء الذي يدخل من الفتحات في السقف والجدران”.

وعلى سقف المغارة وضع تمثال ملاك بجناحين ابيضين وقد تم ربطه بصعوبة بقطع المغارة الخشبية التي غطاها الثلج.

يأخذ طوني مارديني (24 عاما) قسطا من الراحة بعدما وضع بصعوبة تمثال السيدة العذراء على مدخل المغارة.

ويقول الشاب الذي تطوع في العمل في الكاتدرائية “عمري 24 عاما، عشت عشرين منها داخل هذه الكنيسة فقد كنت اتردد عليها يوميا. لكننا حرمنا منها خلال السنوات الاربع الماضية”.

ينفخ طوني بين يديه كي يدفئهما ويحاول جاهدا أن يشعل النار في قطع خشبية دون ان يفلح بسبب الثلج.

يقول وهو يكمل عمله في الكوخ “خلال سنوات الحرب، كنا نأتي لتفقد الكنيسة كلما سمعنا صوت قذيفة او انفجار، ولاحظنا تغير معالمها مع مرور الوقت والخراب الذي يزداد فيها”. ويضيف: “كنا نشعر بحزن وغصة شديدين”.

يرسل طوني دعوة لاصدقائه للمشاركة في صلاة يوم العيد في الكاتدرائية مستخدما موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

يؤكد كثيرون نيتهم الحضور، يبتسم طوني ويختم بالقول: “عسى أن تجمع هذه الأنقاض شملنا مجددا بعد الشتات”.
***

المصدر: (أ ف ب)