Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر December 16, 2016
A A A
نهاية معركة حلب.. غداً يوم آخر
الكاتب: علاء حلبي - السفير

انتهت المعركة في حلب أخيراً، والحرب في سوريا وعليها، تدخل مساراً جديداً. قرار نهائي بخروج المسلحين بدأ تنفيذه بعد مفاوضات امتدت لأكثر من أسبوع شهدت تقلبات عديدة أفضت بمجملها إلى طريق واحد: إخراج المسلحين من المدينة. أسطولٌ طويل من حافلات النقل الداخلي الخضراء اللون، التي تحولت إلى علامة فارقة في الحرب السورية، احتشد عند منطقة الراموسة وإلى جانبه أسطول آخر من سيارات الإسعاف، فيما تم إبعاد كاميرات الصحافة إلى مسافة تزيد عن 300 متر، لتبدأ عملية إبعاد المسلحين وعوائلهم إلى محافظة إدلب.
المفاوضات التي شهدت تقلبات عديدة، وخروقات انتهت هذه المرة «بنتيجة جيدة في المرحلة الأولى» وفق مصدر حكومي سوري، جعلت عملية إخراج المسلحين تسير بالتوازي مع عمليات نقل حالات إنسانية من قريتي كفريا والفوعة المحاصرتين. المسلحون طلبوا ضمانات تكفلت روسيا بتأمينها، واستعانت بالصليب والهلال الأحمر لإخراج المصابين. طائرات من دون طيار حلقت في المكان، راقبت المسلحين عن كثب ورافقتهم خلال رحلتهم نحو… إدلب.
الحلبيون كبتوا حالة الفرح في الساعات الأولى لبدء تطبيق الاتفاق، الذي تم بعد اتصالات مكثفة تركية روسية إيرانية وافقت الحكومة السورية على نتائجها، خاصة لناحية تخوف أبناء الشهباء من فشل جديد للاتفاق وعودة أصوات المدافع إلى المدينة، مع ما يعنيه ذلك من تجدد سيلان الدماء في الشوارع، غير أن خروج الدفعة الأولى من المسلحين كانت شرارة انطلاق مظاهر الفرح التي عمت سائر حلب.
عمليات إجلاء المسلحين وعوائلهم إضافة إلى من شاء من المدنيين ستتم على مراحل عديدة ومتواصلة، في المرحلة الأولى تم إخراج نحو 1300 شخص، بينهم أكثر من 100 مصاب، تبعتها عمليات إجلاء لدفعات أخرى باستمرار، وذلك حتى يتم إخراج جميع من يرغب بالمغادرة.
في موازاة ذلك، توجهت 29 حافلة وسيارة إسعاف وفرق طبية إلى بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل المسلحين في ريف إدلب لإخراج الحالات الإنسانية وعدد من العائلات، بحسب ما ذكر محافظ حماه الدكتور محمد حزوري.

لعبة الأرقام
تضارب كبير في الأرقام والتقديرات لعدد الأشخاص المحاصرين في ما تبقى من أحياء حلب ولا يزالون بانتظار المغادرة، ففي وقت قدَّر الموفد الأممي الى سوريا ستيفان دي ميستورا عدد السوريين الذين يتم إجلاؤهم من حلب بنحو 50 ألف شخص، رفعت تركيا تلك التقديرات إلى نحو 100 ألف، فيما أكدت مصادر عسكرية وميدانية سورية أن العدد المتبقي لا يتجاوز الـ20 الف شخص، بينهم عائلات آثرت البقاء وعدم الخروج إلى إدلب، وهو أمر من شأنه أن يُخفِّض العدد كثيرا.
في هذا السياق، أشارت المصادر السورية إلى أن الدول الداعمة للفصائل المسلحة عمدت إلى تضخيم الأعداد والمبالغة فيها بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الضغط الدولي والتعبئة السياسية، في محاولة لإفشال عمليات تحرير مدينة حلب، موضحة أن «حقيقة الأمر باتت واضحة، فأعداد المدنيين لا تتجاوز الـ120 ألف شخص». واعتبرت المصادر أن التصريحات التركية عن البدء بتجهيز مخيم لاستيعاب 80 ألف شخص من مدينة حلب، إنما تصب في سياق الابتزاز السياسي ذي القالب الإنساني، والذي درجت تركيا على اللجوء إليه بهدف تحقيق مكاسب جديدة.
وقدرت إحصاءات «الإعلام الحربي»، التابع للمقاومة، عدد المدنيين الذين كانوا موجودين داخل أحياء حلب الشرقية قبل بدء العملية العسكرية الأخيرة بنحو 122 ألف شخص، تم إخراج أكثر من 100 الف منهم خلال مراحل الحملة العسكرية، ليُحشر من تبقى في زاوية ضيقة في أقصى جنوب المناطق الشرقية.
كذلك، أفاد «الإعلام الحربي» أن عدد المسلحين الذين يتم إخراجهم من مدينة حلب يبلغ نحو ثلاثة آلاف مسلح منظم، بينهم 400 مسلح يتبعون لـ «جبهة النصرة» ويمسكون بزمام «غرفة إدارة الفصائل المسلحة جميعها داخل المدينة»، حيث تجاوز عدد الفصائل التي يتوزع عليها المسلحون الـ20 فصيلاً، بينهم نحو عشرة فصائل تعتبر كبيرة وفاعلة في المدينة.

94953e41-b1b4-418e-bd2b-1a0a79a058d6

النصر الكبير
عملية إخراج المسلحين من حلب وإعادة المدينة كاملة إلى كنف الدولة السورية مثَّلت حتى الآن أبرز مراحل الحرب السورية، وقد خرج الجيش السوري وقوات الحلفاء من هذه المعركة بـ «نصر كبير»، فيما اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد في شريط مصور نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي أن ما يجري في حلب هو « لحظة تاريخية».
عملية السيطرة على حلب جاءت بعد عمل عسكري متواصل بدأ فعليا في شهر أيلول عام 2013، أي بعد أكثر من عام على سيطرة المسلحين على الأحياء الشرقية للمدينة إثر «غزو» خارجي جاء من الريف الشمالي المتصل بتركيا، غير أن العملية الفعلية والنهائية للسيطرة على المدينة بدأت فعليا في 13 من تشرين الثاني الماضي، حيث تمكن الجيش السوري بدعم روسي من استعادة كل أحياء حلب باستثناء بقعة صغيرة لا تتجاوز الـ 2.5 كيلومتر مربع، لتنتهي الحرب في الشهباء بإخراج المسلحين منها باتجاه إدلب الخاضعة لسيطرة «جبهة النصرة».
في هذا السياق، ذكر نائب رئيس إدارة العمليات العامة الفريق فيكتور بوزنيخير، أن «العمليات الهجومية التي أجرتها القوات الحكومية السورية أسفرت عن طرد المسلحين من كل الأحياء التي كانوا يسيطرون عليها، ونجح الجيش السوري في تصفية أكثر من 900 إرهابي وتدمير العشرات من وحدات الأسلحة الثقيلة والمعدات».
وتابع أن عمليات الترميم تجري حاليا في جميع المنشآت ذات الأهمية الاجتماعية وذلك بعد تفكيك الألغام التي خلَّفها المسلحون، مشيراً إلى أنه تمت إعادة تزويد عدد من المنشآت بالمياه والتيار الكهربائي.
وأشار بوزنيخير إلى أن قوات الهندسة الروسية أزالت الألغام من محيط أكثر من 300 منزل، بما فيها منشآت ذات أهمية اجتماعية، كما مسحت 30 كيلومتراً من الطرق العامة، وأبطلت مفعول 2742 مادة مشبوهة على مساحة 17 هكتارا.

مدينة منكوبة
أربع سنوات من الحرب في مدينة حلب، المصنفة كأقدم مدينة مأهولة في التاريخ، انتهت بدمار كبير. المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية صنفت حلب «مدينة منكوبة». مدير الآثار في المدينة المهندس خالد مصري أشار خلال حديثه إلى «السفير» إلى أن الأضرار متفاوتة، القلعة سليمة ومحيطها مدمر، المسجد الأموي تعرض لدمار جزئي في مئذنته، بالإضافة إلى سرقة الكثير من معالمه الأثرية، بينها منبر المسجد الذي تم نقله إلى تركيا.
مصري شدد خلال حديثه على أن «عمليات المسح تحتاج إلى فترة طويلة لتحديد الأضرار الفعلية، إلا أن عملية المسح الأولية لبعض المناطق التي دخلنا إليها تشير إلى أن الدمار كبير، وأن الخسارة الإنسانية كبيرة في حلب»، موضحاً أن «السوق المقبي المسجل كأطول سوق مسقوف في العالم ضمن موسوعة غينيس للأرقام القياسية تعرض لدمار كبير، كما تعرضت ساحة الحطب ومعالمها الأثرية لدمار مماثل».
وأمام حالة الدمار الكبيرة، دعا مدير آثار حلب جميع المنظمات العالمية المهتمة بالتراث الإنساني للمساهمة في إعادة إحياء ما يمكن إحياؤه من معالم المدينة الأثرية على اعتبارها «إرثا بشريا».
انتهت المعركة أخيراً في عاصمة الشمال السوري وقلب اقتصاد سوريا، إلا ان آثار القتال تركت جرحا عميقا لا يبدو أنه سيلتئم في وقت قريب، دمار كبير ضرب كل القطاعات في المدينة، وحرب خلّفت آلاف الجرحى وأكثر من 30 ألف قتيل، بالإضافة إلى آلاف المفقودين.
أمام هذا المشهد يتساءل الحلبيون اليوم «ما جدوى كل هذه الحرب، وما هي ثمارها؟». يعتقد أبناء المدينة أنهم تعرضوا للعقاب بسبب تحييد أنفسهم عن الحرب في سنتها الأولى، فدفعوا أكبر فاتورة حتى الآن إثر غزو مسلح آت من الشمال المرتبط بتركيا. وبرغم ذلك، يراهن أبناء الشهباء على أنفسهم وقدرتهم على إعادة عجلة الحياة إلى الدوران والازدهار في مدينة لم تكن تعرف النوم يوماً.

f4d7aa48-298c-4f0f-aab1-c899f795c13a