Beirut weather 20.21 ° C
تاريخ النشر December 22, 2025
A A A
“الفجوة الماليّة” بين العدالة للمودعين واستعادة الثقة وإرضاء صندوق النقد
الكاتب: هيام عيد - الديار

قد يكون السؤال الأساسي والمصيري المطروح، عشية إقرار الحكومة لمشروع قانون “الفجوة المالية”، يتعلق بقدرة هذا المشروع على أن يكون “الحل” العادل للأزمة المالية، والذي يحقق العدالة للمودعين بالدرجة الأولى، وفي استعادة الثقة بالدرجة الثانية، خصوصاً في ظل حديث رئيس الحكومة نواف سلام عن تسديد 85 في المئة من الحسابات المصرفية الموجودة في القطاع المصرفي ، خلال فترة لا تتعدى 4 سنوات.

فالنصّ الموزع على الوزراء، يشير إلى استرداد كامل لودائع صغار المودعين التي تقلّ عن 100 ألف دولار، مقسّطة على 4 سنوات، على أن يحصل الكبار منهم على القيمة ذاتها، وأن يتمّ تحويل القيمة المتبقية إلى سندات قابلة للتداول ومن دون أي اقتطاع منها، على أن تكون مدعومة بعائدات وأصول مصرف لبنان، أو ناتجة من بيع جزء منها على مدى 15 عاماً، وهذه الأصول تتضمن كما هو معروف ممتلكات “المركزي” ، كالكازينو على سبيل المثال، وغيره من المؤسسات والعقارات التي تقدر بمليارات الدولارات.

وفي قراءة أولية للمشروع، يقول الخبير والباحث في الجامعة الأميركية الدكتور محمد فحيلي لـ”الديار”، أن المشروع يكشف “نقاط الاحتكاك الحقيقية بين منطقين، سياسي داخلي يحاول إدارة الغضب الإجتماعي عبر صياغات تطمينية أو توزيع خسائر يرضي مراكز نفوذ بعينها، وتقنيقانوني يدفع باتجاه قواعد متعارف عليها دولياً في معالجة أزمات المصارف، وخصوصاً أن أي انحراف عنها يُحوّل القانون إلى وصفة نزاعات قضائية طويلة، ويفاقم انعدام الثقة ويُقفل الباب أمام أي برنامج تمويلي من صندوق النقد الدولي أو مسار استعادة الحد الأدنى من الوظيفة المصرفية”.

ويضيف: “أمّا بالنسبة للنقطة “الأكثر حساسية وهي تراتبية الحقوق في توزيع الخسائر، أي القاعدة التي تقول إن الخسائر تُحمَّل وفق تسلسل قانوني، يبدأ برأس المال والمساهمين قبل أن يصل إلى الدائنين، ومن بينهم المودعون”، ويكشف أنه “إذا شعر الرأي العام بأن النصّ يحمي المساهمين أو يعيد إنتاج الامتيازات نفسها، فلن يمر اجتماعياً حتى لو مرّ سياسياً، ولن يصمد قانونياً إذا بدا أنه يقفز فوق أبسط مبادئ الإفلاس وإدارة التعثر، في بلد مثل لبنان، حيث تداخلت المصارف مع الدولة ومع المصرف المركزي إلى حدّ تمييع المسؤوليات”.

ويؤكد الدكتور أنه “لا يمكن توزيع الخسائر من دون تحديد إذا كانت هناك مكاسب استثنائية، أو ممارسات غير سليمة ينبغي أخذها بالحسبان قبل تثبيت الخسارة النهائية، ذلك أن أي قانون يتجاهل هذه الزاوية، يطلب من المجتمع أن يصدّق رواية أحادية، بأن الجميع خسر بالتساوي، بينما الذاكرة العامة تقول العكس”.

وعن دور وتأثير وضغط صندوق النقد الدولي في عملية توزيع الخسائر، يقول إن “السؤال الذي يجب أن يُطرح في لبنان، ليس عن كيفية إرضاء صندوق النقد، بل هل نكتب قانوناً لا يظلم الناس مرتين: مرة حين خسرت الودائع قيمتها، ومرة حين يُطلب من المودع أن يدفع قبل أن يدفع من استفاد ومن راكم المخاطر ومن أخفق في الحوكمة؟”.

في هذا المعنى، يجد فحيلي أن “احترام التراتبية وتوضيح الضمان وتحديد نطاق التدقيق وإجابة أسئلة الاستدامة في دفع حقوق المودعين خلال السنوات المقبلة واعتراف الدولة بدينها للمصرف المركزي، ليس تنازلاً للخارج أو لصندوق النقد، بل دفاع عن الداخل عن فكرة أن الدولة لا تزال قادرة على إنتاج قواعد عامة لا تُفصّل على قياس الأقوى”.

ويخلص فحيلي إلى الجزم بأنه “على الصيغة النهائية لقانون الفجوة المالية، أن تُكتب بلغة العدالة القابلة للدفاع، وبمنطق الاستدامة القابل للتحقق، وأن تكون واضحةً، لقطع الطريق على أي التباس، كيلا يتحول هذا القانون، إلى مجرد محطة جديدة في مسلسل توزيع الخسائر على المجتمع، خصوصاً وأن لبنان لم يعد يحتمل قوانين رمادية، بل قانوناً يضع قواعد واضحة لحقوق المودعين ومسؤوليات المساهمين والمصارف والدولة والمصرف المركزي”.