Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر December 20, 2025
A A A
هل يُحدث مؤتمر شباط فرقاً حقيقياً في تجهيز الجيش؟
الكاتب: حسين زلغوط

كتب حسين زلغوط في “اللواء”

مع تحديد موعد مؤتمر دعم الجيش اللبناني في شباط المقبل، يعود السؤال القديم – الجديد إلى الواجهة: هل سيشكّل هذا المؤتمر محطة مفصلية في مسار تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، أم أنه سيضاف إلى سلسلة مؤتمرات الدعم التي حملت عناوين كبيرة ونتائج محدودة؟ سؤال مشروع في ظل تعقيدات داخلية خانقة، وتشابكات إقليمية ودولية تجعل من ملف دعم الجيش الوطني أكثر حساسية من أي وقت مضى.

لا شك أن المؤتمر يأتي في لحظة استثنائية، فالجيش يقف عند تقاطع أزمات متراكمة، أزمة اقتصادية تضرب رواتب العسكريين ومعيشتهم، تحدّيات أمنية متصاعدة على الحدود وفي الداخل، وتراجع في القدرة التشغيلية بفعل نقص التمويل والعتاد. في المقابل، تُجمع القوى السياسية، ولو نظرياً، على أن الجيش يبقى العمود الفقري للاستقرار، والمؤسسة الأكثر تماسكاً في دولة تتآكل مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى..
إن التجارب السابقة تفرض قدراً من الحذر، فمؤتمرات الدعم غالباً ما تُولد محمّلة بخطابات التضامن والالتزام، لكنها تصطدم لاحقاً بجدران الشروط السياسية والاعتبارات الاستراتيجية للدول المانحة. الدعم، في كثير من الأحيان، لا يأتي على شكل خطة شاملة لإعادة بناء القدرات، بل يُجزأ إلى مساعدات لوجستية أو تدريبية، أو هبات محدودة العتاد، تكفي لإبقاء المؤسسة على قيد العمل، لا لنقلها إلى مستوى جديد من الجهوزية.
في هذا السياق، يبرز العامل الإقليمي بوصفه محدّداً أساسياً لنتائج مؤتمر شباط، فالمنطقة تعيش على وقع توترات مفتوحة، من حروب غير محسومة إلى صراعات نفوذ تتبدّل ساحاتها باستمرار. في مثل هذا المناخ، تتحوّل الجيوش الصغيرة إلى عناصر في معادلات أكبر، ويصبح دعمها مشروطاً بوظيفتها ضمن التوازنات القائمة. فالدول المؤثرة لا تنظر إلى دعم الجيش كغاية بحد ذاتها، بل كوسيلة لضبط الاستقرار ومنع الانزلاق إلى الفوضى، من دون السماح بتغيير جوهري في موازين القوى.
أما العامل الدولي، فيزيد الصورة تعقيداً، فالعالم يشهد إعادة ترتيب أولويات، حيث تتقدم ملفات كبرى على حساب أخرى. الأزمات الاقتصادية العالمية، والحروب المستنزفة، وصعود النزعات في بعض الدول، كلها عوامل تقلّص شهية الإنفاق الخارجي.
وفي ظل هذه الظروف، يصبح دعم الجيوش في الدول الهشّة خاضعاً لمعادلة الكلفة والمنفعة، لا لمنطق الشراكة طويلة الأمد.
أما على مستوى الداخل، لا يمكن فصل فعالية المؤتمر عن البيئة السياسية المحلية، فالدعم الخارجي، مهما بلغ حجمه، يبقى محدود الأثر إذا لم يترافق مع رؤية وطنية واضحة لدور الجيش، ومع إصلاحات إدارية ومالية تضمن حسن استخدام المساعدات. كما أن الانقسامات السياسية، ومحاولات زجّ المؤسسة العسكرية في سجالات داخلية، تضعف الثقة الدولية وتدفع المانحين إلى اعتماد مقاربة حذرة، تقوم على الدعم المشروط والمراقب.

من جهة أخرى، ثمة من يرى في مؤتمر شباط فرصة لا يجوز التقليل من شأنها، فحتى الدعم العادي قد يكون حاسماً في مرحلة الانهيار… تحسين رواتب العسكريين، تأمين المحروقات والذخائر، وتحديث بعض المعدات الأساسية، كلها خطوات قد تمنع تآكل المؤسسة من الداخل وتحافظ على الحد الأدنى من الجهوزية. وفي بلد تتراجع فيه قدرات الدولة، يصبح الحفاظ على هذا الحد الأدنى إنجازاً بحد ذاته.
لكن الرهان الحقيقي يبقى على نوعية الدعم لا كميته، فهل سيخرج المؤتمر بآليات تنفيذ واضحة، وجداول زمنية محددة، والتزامات قابلة للتحقق؟ أم سيكتفي ببيانات ختامية فضفاضة تترك الباب مفتوحاً للتأجيل والتسويف؟ الفارق بين السيناريوهين هو الفارق بين دعم يُحدث أثراً مستداماً، وآخر يذوب سريعاً تحت ضغط الوقائع.
نختم لنقول ان مؤتمر دعم الجيش في شباط يبدو انه سيتأرجح بين طموحين: طموح معلن بتعزيز مؤسسة تُعد صمام أمان وطني، وواقع سياسي – إقليمي يفرض سقوفاً منخفضة لهذا الدعم، والنجاح، إن تحقق، لن يكون انقلابياً، بل تدريجياً ومحدوداً. أما الفشل، فلن يكون بالضرورة غياب المساعدات، بل الاكتفاء بدعم يُبقي الجيش واقفاً على قدميه، من دون أن يمنحه الأدوات اللازمة لمواجهة تحديات مرحلة شديدة القسوة.
وبين الوعود والوقائع، يبقى الجيش في موقع الانتظار. انتظار أن يتحوّل الإجماع اللفظي على أهميته إلى التزام فعلي، وأن يخرج مؤتمر شباط من كونه حدثاً دبلوماسياً عابراً، إلى محطة تؤسس لمسار دعم جديّ، يدرك أن استقرار الدول لا يُدار بالمسكنات، بل ببناء مؤسسات قادرة، وفي طليعتها المؤسسة العسكرية التي أثبتت قدرتها على التعامل مع كل التحديات والمخاطر وفق ما تقتضيه مصلحة الوطن.