Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر December 20, 2025
A A A
ماركو روبيو يؤكد تغيير الخطاب
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أن وزير الخارجية الأميركية ومستشار الأمن القومي الأميركي بالوكالة ماركو روبيو يُحسب من صقور إدارة الرئيس دونالد ترامب، باعتباره أحد رموز المحافظين الجدد في الإدارة الذين يصعب قياس مواقفهم بالبراغماتية، كما قد يفعل ترامب نفسه، حيث لا بدّ للمنطق العقائدي أن يكون حاضراً في حسابات روبيو على خلفية الرؤية التي تعتبر علناً أن مصلحة “إسرائيل” وأمنها هما مصلحة أميركا وأمنها، كما لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن كلام روبيو الجديد يتزامن مع مبالغات يتمسك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بإصدارها بعد كل اجتماع للجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية بين لبنان و”إسرائيل” منذ تعيين السفير السابق سيمون كرم كمدني يترأس الجانب اللبناني المفاوض، وقد وصل الأمر بوصف مكتب نتنياهو للتعيين بالتحول التاريخي والحديث عن أول حدث من نوعه منذ عشرات السنين والتركيز على مفاوضات اقتصادية، بينما كانت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بالتقييم العام أبعد مدى من لجنة الميكانيزم في مقاربة قضايا غير أمنية واقتصادية على وجه التحديد بمقاربة ملف النفط والغاز. وهذه المبالغات لا توحي إلا بالسعي لتسجيل انتصارات إعلامية والإيحاء بتنازلات لبنانية كبيرة لصالح الموقف الإسرائيلي، لاتخاذ ذلك سبباً لتبرير التخلي عن شعار التهديد بحرب قيل إنها كانت وشيكة، بينما لا يبدو أنها كانت وشيكة، أو أنها كانت ممكنة، كما يتزامن كل ذلك مع أحاديث تدور على طاولات المندوبين الذين يزورون بيروت، وخصوصاً الوفود المصرية والفرنسية محورها استبدال الحديث عن نزع السلاح بتجميده وعن القضاء على حزب الله باحتوائه، وعن تحريض الجيش على قتال المقاومة إلى التسليم باستحالة ذلك وعن استعداد “إسرائيل” لحرب تسحق حزب الله إلى الحديث عن استحالة تحقيق ذلك، كما فعل توماس برّاك باستبدال مواقفه السابقة بمواقف جديدة لا تشبهها أبداً.

 

يقول ماركو روبيو “إننا لا نريد أن يستعيد حزب الله قدراته على تهديد “إسرائيل”” و”نأمل أن تكون في لبنان حكومة قوية وألا يعود حزب الله للسيطرة على الجنوب”، مشدداً على “أننا سندعم الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله ونأمل أن تمهّد المحادثات بين لبنان و”إسرائيل” الطريق إلى الأمام وأن تمنع مزيداً من الصراع”. وفي هذا الكلام حسم أمر اعتبار مستقبل سلاح حزب الله شأناً يخصّ الدولة اللبنانية فإن ذهبت إلى نزعه سوف تلقى دعماً أميركياً، بعد مواقف واصلت على مدى شهور كانت تحذّر الدولة من عدم القيام بذلك وتهدد بحرب إسرائيلية تفعل ذلك إذا لم تفعل الدولة اللبنانية. وفي هذا الكلام لم يعُد موضوع نزع السلاح واجهة الموقف، بل حلّت مكانه معادلة جديدة هي عدم تشكيل تهديد لـ”إسرائيل” وعدم عودة حزب الله إلى الجنوب، والتمسك بالمحادثات اللبنانية الإسرائيليّة وتحديد هدفها بمنع المزيد من الصراع. وهنا نحن أمام ملامح هدنة طويلة تقوم على تثبيت سيطرة الجيش اللبناني على جنوب الليطاني، وامتناع “إسرائيل” عن مواصلة اعتداءاتها، وتفعيل الميكانيزم لضمان الهدوء، وما يفرضه كل ذلك من انسحاب إسرائيلي وعودة الأهالي في القرى الحدودية وتسهيل عملية إعادة الإعمار، والأمل بأن يفتح ذلك الباب لقيام الدولة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، الأمر الذي سوف يلقى دعماً أميركياً.

 

يتزامن هذا التغيير في الخطاب الأميركي على أعلى مستويات السياسة والأمن في واشنطن التي يمثلها روبيو بصفته كرئيس للدبلوماسية وأيضاً بصفته مستشاراً للأمن القومي، مع مقدمات مهّدت لها مواقف صادرة عن المبعوث الرئاسي توماس برّاك، ومع مبادرات دبلوماسية تتم في كنف دول لا يمكن أن تتحرك دون تنسيق مع واشنطن ودون تغطيتها، وكل ذلك بعدما اشترك الجميع خلال شهور ماضية في خلق مناخ سياسي إعلامي ضاغط يضع الأولوية لقيام الدولة بنزع السلاح، ويهدّد بالحرب، ويضخ خطاباً إعلامياً انتقادياً شديد اللهجة للموقف اللبناني ويصفه بالمتخاذل تواكبه جوقة محليّة تهدّد بالحرب، وتحذر من ضياع الفرصة الدولية والإقليمية المؤاتية، وتكثر الكلام عن مواكبة المتغيرات واللحاق بالقطار، والمثال الذي قدّمه توماس برّاك ومورغان أورتاغوس هو التشبه بسورية الشجاعة في التفاوض وملاحقة سلاح المقاومة، إلى أن جاءت الفضيحة بأن ذلك كله لم ينفع بالمقابل في وقف الاعتداءات ولا في منع التوغل واحتلال الأرض، وتبعتها فضيحة أخرى بقيام أحد عناصر الأجهزة الأمنية بقتل ثلاثة جنود أميركيين مكلف بحمايتهم، في عملية أعلن تنظيم داعش المسؤولية عنها، وهو ما لم يحدث مثله مع الجيش اللبناني وأجهزة الأمن اللبنانية طوال عقود من العمل المشترك مع الأميركيين.

 

الجوقة الداخلية عندما أرادت الاستقواء بكلام روبيو تجاهلت الحديث عن أولوية عدم عودة حزب الله إلى الجنوب وعدم تشكيله تهديداً لـ”إسرائيل”، ونقلت فقط حديثاً عن تأييد قيام الدولة بنزع سلاح حزب الله وليس مطالبتها بذلك، لكن كل يوم سوف يحمل المزيد من التكذيب لأصحاب الأكاذيب، لأن صمود المقاومة أمام حملات الترهيب، وصمود الدولة عند حدود المصلحة الوطنية، رسما معادلة بدأت تؤتي أكلها، وربما بهذا تحدّث بعضهم عن عودة الترويكا حاملاً مبخرة كاهن الإصلاح؟!