Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر December 19, 2025
A A A
تأجيل لقاء ترامب نتنياهو؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

موعد 29 كانون الأول لعقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اجتماعاً مفصلياً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليس تكهناً وضعه إعلاميون، أو تسريباً إعلامياً مجهول المصدر، فقد صدر الموعد في بيان صادر عن ديوان رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، حيث قالت المتحدثة باسم الحكومة شوش بدروسيان، في إحاطة عبر الإنترنت للصحافيين: “سيلتقي رئيس الوزراء بالرئيس ترامب الإثنين 29 ديسمبر، وسوف يناقشان خطوات والمراحل المستقبلية وقوة الاستقرار الدولية ضمن “خطة وقف إطلاق النار”، وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو سوف يزور الولايات المتحدة بين 28 ديسمبر و4 من يناير 2026، ومن المرتقب عقد اللقاء في منتجع مارالاغو في فلوريدا بالقرب من مكان إقامة إبن نتنياهو، وأضافت أنه من المتوقع أن يناقش الطرفان الخطوات المقبلة في خطة السلام الأميركية المتعلقة بغزة، إلى جانب اتفاقيات أمنية مع سورية ولبنان وغيرها من القضايا الإقليمية.

 

– بالرغم من هذه التأكيدات الرسمية لحكومة نتنياهو، والتي لا تصدر عادة إلا بعد تثبيت موعد وبرنامج الزيارة وضمنها اللقاء مع الرئيس ترامب، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، “إنني لم أحدّد بعد موعداً للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنه يرغب في رؤيتي”، وهذه رسالة علنية من ترامب لنتنياهو تقول بأن الموعد الذي تمّ تحديده أصبح بحكم الملغى، وهذا يفترض أحد احتمالين، الأول أن نتنياهو أقدم بعد الاتفاق على الموعد على خطوة أو خطوات تصيب خطوطا أميركية حمراء مستقوياً بأن الموعد قد حدد ولم يعد ممكناً إلغاؤه، فجاء الجواب بأن الموعد تم إلغاؤه، والثاني أن هناك قضايا لا بد من التفاهم عليها قبل الموعد منعاً للفشل، وما يترتب عليه، وأنه إلى حين أن يتم الاتفاق فلا موعد بما يعني الضغط على نتنياهو من أجل تقديم تنازلات تجعله أقرب إلى الموقف المطلوب منه أميركياً كي يتم تثبيت الموعد أو تعيين موعد قريب بدلاً منه.

 

– نتنياهو يحتاج اللقاء في أقرب وقت لأنه ينتظر دعماً أشد قوة من ترامب لإقناع رئيس الكيان بالموافقة على منح نتنياهو العفو الذي طلبه ترامب علناً في اجتماع الكنيست مع إعلان وقف إطلاق النار في غزة، ولا يبدو أن ترامب يرفض القيام بذلك، لكنه يشترط لفعل ذلك إنجاز اتفاق مع نتنياهو على الملفات المطروحة للتباحث بينهما، وهي كيفية إخراج اتفاق غزة من عنق الزجاجة، حيث لا تملك إدارة ترامب ترف الفشل في اتفاق يحمل اسم ترامب نفسه، وهي تواجه أزمات كثيرة وتعثراً في أغلب الملفات، والمخرج المناسب هو السير بتشكيل القوة الدولية لغزة من دون اشتراط الحصول على موافقة مسبقة من حركة حماس على تسليم سلاحها، وتشكيل القوة من دون اتفاق مع حماس قد يؤدي إلى تعثر التشكيل أو تعثر الانتشار، وبوليصة التأمين الوحيدة على هذا الصعيد هي المشاركة التركية في القوة التي رفع نتنياهو من وتيرة رفضه لها بعد تحديد موعد زيارته لواشنطن من دون مراعاة أن هذا تجاوز خط أحمر أميركي يفترض البحث فيه خلال اللقاء دون رسم أسقف جاهزة له، كما حدث في تجديد الإعلان الإسرائيلي عن الرفض القاطع لمشاركة تركيا في قوة غزة، بعد محادثة هاتفية بين ترامب ونتنياهو طلب خلالها ترامب وفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية من نتنياهو إزالة التحفظات عن المشاركة التركية.

 

– وفقاً لما هو منشور في وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن ملف الجبهتين اللبنانية والسورية على جدول أعمال اللقاء بين ترامب ونتنياهو، حيث في الشأن السوري يسعى نتنياهو إلى الحصول على دعم أميركي للحفاظ على وتيرة التوسّع والضغط طلباً لاتفاق يمنح الشرعية لاحتلال جبل الشيخ والمنطقة العازلة إضافة إلى ضم الجولان، ولو ضمناً بتجاهل هذا الاحتلال في الاتفاق، وإيجاد منطقة أمنية تمتد حتى العاصمة دمشق تتاح فيها حرية التحرك البري لقوات الاحتلال وتختفي منها أي قوات سورية رسمية، إضافة إلى بقاء الأجواء السورية متاحة أمام سلاح الجو الإسرائيلي والامتناع عن امتلاك سلاح جو ودفاع جوي سوري، وما يعنيه كل ذلك من تأثير على نظرة تركيا لأمنها القومي ونفوذها الإقليمي ومكانة سورية فيهما. ويعتبر نتنياهو أن حادثة تدمر التي سقط فيها ثلاثة جنود أميركيين قتلى برصاص عنصر من داعش منتمٍ إلى قوات الأمن والحماية السورية، يفترض أن يقنع إدارة ترامب بتخفيض درجة الثقة بجدوى الرهان على جبهة النصرة وحكمها في سورية، والنظر إليها كمصدر خطر لا أمان، انطلاقاً من الفرص التي يتيحها الاقتراب من النصرة من تمكين لداعش في الاقتراب من الأميركيين والإسرائيليين بثوب النصرة، بينما فهم إعلان الرئيس الأميركي التذكيري بموافقته على ضم الجولان وندمه على عدم طلب مقابل لذلك بعدما علم أن الأمر يساوي تريليونات الدولارات، بمثابة تذكير تهديدي لنتنياهو بإعادة فتح ملف الجولان وضمه من الجانب الإسرائيلي، بما يعني تمسك واشنطن ببقاء القرار بيدها فيما يخصّ سورية وموافقة “إسرائيل” على تخديم الرؤية الأميركية التي تقرّر وحدها المفيد وغير المفيد، خصوصاً أن العلاقة بالملف السوري امتداد للعلاقة بالملف التركي.

 

– لبنانياً، تسجل المواقف الأميركية تراجعاً من مربع الضغط لصالح مواجهة بين الجيش اللبناني وحزب الله، وكذلك من مربع الرهان على عمل عسكري إسرائيلي تحت شعار نزع السلاح، وقد كشفت تصريحات المبعوث الأميركي توماس برّاك الأخيرة إقراراً بلا جدوى هذين الرهانين، بعدما هو من يروّج لهما، ويسخر من قلق المسؤولين اللبنانيين من حرب أهلية، ويلوّح بحرب إسرائيلية ساحقة، وفيما تبدي “إسرائيل” تجاوباً مع طلبات تخفيض السقف التي تقدّمها واشنطن، مثل القبول بتعيين مدني في لجنة وقف النار (الميكانيزم)، بدلاً من تفاوض سياسي اقتصادي وصولاً لاتفاق سلام، يبدو أن التوافق على رؤية موحّدة نحو لبنان لم يتحقق بعد بين واشنطن وتل أبيب، بين منهجيّة الاستثمار على ما تستطيعه الدولة اللبنانية من احتواء للسلاح وما يوجبه ذلك من التزام “إسرائيل” باتفاق وقف إطلاق النار، أو منهجية الضغط العسكري الإسرائيلي ورفض تنفيذ موجبات اتفاق وقف إطلاق النار، وما يترتب عليه من وحدة موقف بين الدولة وحزب الله.

 

– يمكن اختصار لحظة إعلان إلغاء موعد نتنياهو مع ترامب كلحظة تركية بامتياز.