Beirut weather 15.21 ° C
تاريخ النشر December 17, 2025
A A A
أوراق إضافية في يد «قسد»: تركيا تخشى تحرّكاً كردياً داخلها
الكاتب: فراس الشوفي

كتب فراس الشوفي في “الأخبار”

تستمرّ السخونة على خطوط التّماس بين «قسد» والقوات التابعة لحكومة الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، بما فيها الجماعات العاملة تحت قيادة الجيش التركي، ويتخلّلها تبادل متقطّع لإطلاق النيران ومحاولات محدودة للتقدّم. إلّا أنّ شنّ أنقرة ودمشق هجوماً فعليّاً ضدّ «قسد» لإخضاعها وإلزامها بالاندماج على الطريقة التركية، لا يبدو في متناول اليد، في ظلّ التوازنات الميدانية والدولية والإقليمية الحالية.
لكن مع اقتراب نهاية العام، وانتهاء «شبه المهلة» التي أعطيت لتثبيت اتفاق 10 آذار بين الطرفين قبل تسعة أشهر، تزداد الهوّة السياسية اتّساعاً بين «الإدارة الذاتية» والحكومة الانتقالية في دمشق، وتتضارب الأجندات والأهداف حدّ الصدام. حتى أنّ تناقض الطرفين في المواقف العلنية، يفضح محاولات المبعوث الأميركي وسفير الولايات المتحدة في تركيا، توم برّاك، تعميم أجواء تفاؤليّة غير موجودة حول قرب الاندماج، والتي تستهدف إرضاء الأتراك وتقديم إنجاز وهمي ما في سوريا، إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وهو بالمناسبة أسلوب الدعاية ذاته الذي يستخدمه موفدو ترامب الآخرون هذه الأيام في الملفات المتعدّدة.

عمليّاً، لا توجد مهلة فعليّة لتطبيق اتفاق 10 آذار، وفق ما تؤكّده مصادر قيادية في «الإدارة الذاتية». إلّا أنّ الأشهر الأخيرة كانت بمثابة اختبار لصدق النوايا بين الإدارة والحكومة الانتقالية، ومدى قدرة دمشق على الالتزام بتعهّداتها. وظهر في التفاصيل والتطبيق، حجم التباين الواضح بين نظرة الطرفين إلى الاتفاق، وغياب جدّيتهما في السير قدماً نحو عملية اندماج يشرف عليها الأميركيون.
فاتفاق 10 آذار (الذي رماه الأميركيون كَحبل نجاة للشرع، لانتشاله من حفرة المجازر التي ارتكبتها قواته في الساحل وحمص)، يمنح الأكراد ما لا تستطيع تركيا احتماله، وهو الاحتفاظ بقوتهم العسكرية ولو تحت جناح دمشق، والحصول على مكاسب ثقافية واسعة. وفي الوقت نفسه، يلزمهم بالدمج، مع كل مخاوفهم من عملية «غير عادلة» تنتزع منهم استقلالية قوتهم العسكرية، خصوصاً بعد ما حصل في السويداء والساحل، أو تجبرهم على التراجع عن المطالبة باللامركزية الموسّعة والفدرالية.

وهذا ما يعني عجزاً أو رغبة من الطرفين في المماطلة في تطبيق الاتفاق، مع استمرار المراوحة السياسية وافتراق الأهداف على خطوط تماس ثابتة، لكن مشتعلة. وهذا أيضاً ما دفع «قسد»، إلى رفع مستوى تواصلها مع الشيخ حكمت الهجري والشيخ غزال غزال لتعزيز الموقف وتوحيد المطالب، بما من شأنه تعزيز وضعها في مواجهة الضغوط الخارجية وفي مسار التفاوض مع الحكومة الانتقالية.
كذلك، جاءت حادثة مقتل الجنود الأميركيين على يد أحد عناصر الأمن العام التابعة للشرع في تدمر، كتأكيد لما دأبت قوات «قسد» على قوله لقوات «التحالف الدولي»، في شأن التداخل الكبير بين تنظيم «داعش» والقوات الموالية للحكومة الانتقالية، وصعوبة الاتكال على هذه القوات وتقديم الدعم إليها كشريك في محاربة «الإرهاب» (راجع الأخبار). وتتقاطع المعطيات التي تقدّمها «قسد» عن النوايا العدائية ضدّها من قبل الحكومة الانتقالية، مع الهتافات والتهديدات التي أطلقت ضدّ الأكراد في أثناء الاحتفالات التي نظّمتها دمشق في ذكرى سقوط النظام السابق. هذه الخشية الأمنية والاجتماعية من التطرّف والعنصرية، يضاعفها شعور «قسد» بأنّ الحكومة الانتقالية الحالية لا تريد أي شركاء في الحكم، وأنّ إشراكها شخصيات من خلفيات مختلفة عنها، هدفه إخفاء حقيقة النظام المتطرّفة وإعطاء صورة عن تعدّدية غير موجودة في الحكم. حتى أنّ «الإدارة الذاتية» وحكومة دمشق كادتا تصلان إلى تفاهم حول توحيد المناهج الدراسية برعاية وزير التربية الحالي ذي الأصول الكردية، محمد عبد الرحمن تركو، وتوقيع اتفاق رسمي في هذا الخصوص، إلّا أنّ الشيخ المكلّف بإدارة وزارة التربية من قبل «هيئة تحرير الشام» (وهو السلطة الفعلية في الوزارة)، قام بعرقلة المسألة بعد اعتراضات من «الهيئة» ومن الأتراك.
أمّا بالنسبة إلى موقف واشنطن، فلا تعني ضغوط برّاك الإعلامية ضدّ «قسد»، أنّ موقف فريق ترامب يختصر موقف الإدارة الأميركية والغربيين. إذ إنّ مصادر «قسد» مطمئنّة إلى أنّ أطراف «التحالف الدولي» تتفهّم مخاوفها، لا بل تتبنّى مطالبها السياسية، لكن من دون المجاهرة بذلك إعلامياً، لعدم الخروج عن الموقف الأميركي المعلن على لسان برّاك.

حاول الأتراك إقناع أوجلان بالضغط على أكراد سوريا

وبحسب المعلومات، فإنّ ضباط «البنتاغون» العاملين في الشرق السوري يطمئنون مسؤولي «قسد» إلى وقوف القوات الأميركية إلى جانبهم واعتبارها إياهم الشريك الأول في «الحرب على الإرهاب» في سوريا. كما أنّ الأميركيين لم ينسحبوا من أي مواقع جديدة، بل أعادوا انتشارهم في مواقعهم الحالية في الشرق وبعض المواقع التي انسحبوا منها، وقاموا بتعزيز أخرى، في الوقت الذي يزداد فيه نشاط «داعش» على نحو ملحوظ في البادية والمدن، خصوصاً بعد أن وجد عناصر التنظيم ملاذات واسعة وآمنة للعمل ضمن مناطق الحكومة الانتقالية.

هذه التعقيدات الميدانية والسياسية، وضعت تركيا والرئيس رجب طيب إردوغان، أمام ظروف معقّدة إضافية لحل المسألة الكردية في داخل تركيا، وأبطأت عملية الحوار القائمة مع رئيس «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، في داخل سجنه. فالأجواء السلبية التي تحيط علاقة تركيا بـ«قسد»، انعكست أيضاً على تجاوب «العمال» مع إردوغان، الذي يسعى إلى حلّ المسألة الكردية في داخل تركيا بأي ثمن.

وتعتقد مصادر دبلوماسية غربية، أنّ تركيا تستشعر خطراً كبيراً من النوايا الأميركية والإسرائيلية تجاه إيران، واحتمال قيام الأميركيين والإسرائيليين بعمليات هدفها إسقاط النظام الإيراني وفرط عقد طهران الداخلي، ما يعني انتقال «حال التفكّك» سريعاً إلى داخل الجمهورية التركية. وبحسب المصادر، فإنّ الأتراك يعتقدون بأنّ أيّ خلل في إيران سيعني تحرّك الكرد في كردستان الشرقية، في ظلّ وجود إقليم كردي في شمال العراق وقوة عسكرية وازنة لـ«الإدارة الذاتية» في سوريا، وهو ما سينعكس سريعاً تحرّكاً كردياً واسعاً في داخل تركيا.

ومن جهتها، تشير مصادر «قسد» إلى أنّ تركيا تدرك أنّ سلاح «قسد» بات أمراً واقعاً؛ ولذا، فهي تحاول احتواءه والالتفاف عليه، في الوقت نفسه الذي تستمر فيه في مسار المصالحة مع أوجلان، وذلك لقطع الطريق على أي تحرّك كردي في داخل تركيا، خصوصاً مع صعوبة احتواء العلويين الأتراك والسوريين، في حال حصول تمرّد كردي واسع. وكان حاول الأتراك أيضاً إقناع أوجلان بالضغط على أكراد سوريا عبر الاتصال بقائد «قسد» مظلوم عبدي، والقيادية إلهام أحمد، إلا أنّ أوجلان أبلغهم بأنّ ملف «قسد» يجب أن يعالج معها، وهو منفصل عن أي تسوية في داخل تركيا. ومع هذا، يعتقد أوجلان أنّ حكومة دمشق الحالية غير مأمونة الجانب ولا تقدّم أيّ عنصر طمأنينة للكرد، محذّراً الأتراك من أنّ «الغريق يتعلّق بأفعى» في تلميح إلى احتمال بحث «قسد» عن تحالفات مؤلمة لهم في حال شعرت بالخطر أو تعرّضت إلى تهديدات جدّية.