Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر December 16, 2025
A A A
مشروع قانون الفجوة المالية يشرعن خسائر المصارف ويحمّلها للمودعين
الكاتب: اتحاد درويش - الأنباء الكويتية

قال الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث إلى «الأنباء»: «ما تم الكشف عنه في مسودة مشروع قانون الفجوة المالية الذي تعده الحكومة وما تم تسريبه مخيب للآمال، اذ يكرس اللاعدالة، سواء بالنسبة لمن تمكن من تهريب أمواله إلى الخارج، أو ممن لا يملكون النفوذ لتهريبها أن بإمكانهم إجراء تسوية بدفع 20% لنيل براءة ذمة».

وأضاف «الملفت في المسودة أنه يجري الدفع لأربع سنوات لمن يملكون حسابات لغاية المائة ألف دولار، وما يفوق هذا المبلغ يحول إلى صندوق تصدر فيه سندات للمودعين، وهو عبارة عن أصول المصرف المركزي وأصول من الدولة. والسؤال: هل جرى تقييم لهذه الأصول، وما الذي يؤكد للمودع بأن أمواله سترد بعد 10 أو20 سنة لقاء هذه السندات؟ وما هو ملفت أيضا أن من لديه حسابات فوق الـ 100 الف دولار انه لم يتم تحميل المصارف أي عبء، بل ان هذا العبء تحول إلى صندوق استثماري من أصول المصرف المركزي والدولة، وفي حال مساهمة المصارف فستكون مساهمتها ضئيلة».

في السياق، رأى أبو سليمان «أن ما جرى تسريبه من قانون الفجوة المالية مجحف بحق المودع أو الضحية الذي يتحمل الجزء الأكبر من الأعباء، فضلا عن استرداد كل الفوائد التي حصل عليها، اذا نحن والحال هذه أمام بلد ذات مخاطر عالية وتصنيفه الائتماني أقل من CC2، فإن تسريب ما تضمنته المسودة هو بالون اختبار. ونأمل أن يحصل تصحيح في الأخطاء لأنني أخشى من أن يلقى مشروع قانون الفجوة المالية مصير المشاريع السابقة، فلا يتبناه أحد في المستقبل».

وأشار أبو سليمان إلى «أنه مع تشكيل حكومة جديدة بدأنا نلمس نوع من الإيجابية منذ بدء الأزمة في العام 2019 والتي هي ثلاثية الأبعاد: مالية ونقدية واقتصادية، انعكست اجتماعيا على اللبنانيين ولاتزال آثارها السلبية قائمة، وألحقت ضررا كبيرا بأصحاب الحقوق من المودعين، بعد أن جرى التصدي للمحاسبة والشفافية وتوزيع الخسائر. أما الفارق فهو حصول ضغط من المجتمع الدولي، جرى بعده إقرار عدد من القوانين الإصلاحية منها قانون رفع السرية المصرفية وقانون إصلاح أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها، إلا أن هذه الإيجابية التي تسجل للحكومة في مسار التعافي تبقى غير كافية».

ولفت أبو سليمان إلى «أنه جرى إقرار قانون رفع السرية المصرفية العام 2022 بطرق ملتوية. وبعد ثلاث سنوات أعيد اقراره من جديد بعد تعديلات عليه استجابة للمطالب الدولية. أما فيما يتعلق بقانون إصلاح أوضاع المصارف وبعد اقراره في مجلس النواب جرى الطعن به أمام المجلس الدستوري الذي أخذ به جزئيا في مادتين. وكان صندوق النقد الدولي قد أبدى 13 ملاحظة عليه وحصل تصحيح وعاد وأرسل إلى مجلس النواب قبل أيام بعد أن وقع عليه رئيس الجمهورية. لكن هذا القانون يبقى مجحفا بحق المودعين اللبنانيين لناحية تعليق كافة الدعاوى القضائية بحق المصارف من شهرين إلى ثمانية أشهر، ما يعني عمليا تعطيل حقه المودعين في الدفاع عن أموالهم».

ولفت أبو سليمان إلى «أن المادتين 13 و14 تشرعان الـ Bail in بشكل مباشر، عبر تخفيض وتهديد الودائع الصغيرة قبل الكبيرة. والأخطر أن المادة 5 تمنح الهيئة المصرفية العليا سلطة مطلقة كتعيين مديرين مؤقتين وحل المجالس وبيع الأصول أو شطب المصارف، وبقرارات سرية غير قابلة للطعن كما تنص المادة 9. ولا يقدم المشروع أي ضمانة لاسترجاع الودائع في حال التصفية، فيما يعلق تنفيذ أجزاء منه على قانون الانتظام المالي، ما يترك حقوق الناس رهينة قانون آخر لم يقر بعد. باختصار هذا مشروع يشرعن خسائر المصارف ويحملها للمودعين بدل الدولة والمساهمين، ورفضه واجب قبل أن يصبح واقعا مفروضا على كل اللبنانيين».

وقال أبو سليمان «الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي هي مطلب للبنان قبل أن تكون مطلب خارجي، ومطالب الصندوق وشروطه هي التدقيق في ملفات 14 مصرف، وهذا ما لم يحصل. فالأموال التي هربت أو أودعت لدى مصرف لبنان أو صرفت بطريقة جيدة.. كل ذلك يجب معرفته. لذا أقول أن قانون رفع السرية المصرفية هو أهم مدخل للمحاسبة».

ورأى «أن طلب المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو في كتاب أرسله إلى حاكم مصرف لبنان ايداعه كشفا مفصلا عن حركة الحسابات المصرفية لمدراء المصارف، يعد خطوة إيجابية لاقاه فيها حاكم البنك المركزي. ونأمل الوصول بها إلى خواتيمها المرجوة».

وعن مشروع قانون موازنة 2026 الذي يخضع للمناقشة في لجنة المال والموازنة، قال «ان الحكومة أرسلت المشروع إلى مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية لكن من دون قطع حساب. إلا أن هذه الموازنة تتضمن توازنا في الأرقام بحيث إن الواردات هي بحجم النفقات، ويبدو الأمر وكأنه فرض أمام المجتمع الدولي وصندوق النقد من أن العجز هو 0%. في حين أننا نعلم أن أحد شروط الصندوق أن يكون الدين بالنسبة إلى الناتج المحلي أقل من 100% وأن تكون خالية من العجز لأن ما يهمهم هو استدامة الدين».

وأضاف أبو سليمان «لسنا أمام موازنة استثنائية، ذلك أن الانفاق الاستثماري منخفض جدا ويشكل11% فقط والباقي مصاريف تشغيلية. والـ 11% تعني أن لا استثمارات تقوم بها الدولة لخلق فرص عمل، ولا تكبير لحجم الاقتصاد. ولم تحمل الموازنة سياسة مالية أو رؤية اقتصادية واضحة او سياسة ضريبية عادلة ولا ضرائب تصاعدية. فالميسور يدفع ضرائب كما محدودي الدخل، والضرائب غير المباشرة بقيت كما هي. كما لم تلحظ الموازنة إعادة هيكلة القطاع العام ووقف التوظيف السياسي. وفي موضوع العجز يجب الحديث عن الأرقام، فهناك قروض لاتزال خارج الموازنة. ولم تدخل فاتورة تسديد مادة الفيول العراقي.. عمليا الأرقام غير دقيقة مئة بالمئة، اضافة إلى الدين وخدمة الدين بقيت معلقة».

ووصف أبو سليمان «ما حصل بالنسبة إلى مشروع قانون الموازنة أننا قدمنا فرضا للمجتمع الدولي، وقلنا له أن العجز هو صفر بالمائة. وجاءت الموازنة ضمن المهل الدستورية وبلا قطع حساب».