Beirut weather 17.81 ° C
تاريخ النشر December 12, 2025
A A A
3 عمليات توسعة خلال شهر: «الخطّ الأصفر» ينزاح غرباً
الكاتب: يوسف فارس

 

كتب يوسف فارس في “الأخبار”

يعيد جيش الاحتلال توظيف «الخط الأصفر» في قطاع غزة، كما فعل بـ«محور نتساريم» الذي ظلّ يفصل شمال القطاع عن جنوبه طوال 15 شهراً من القتال، واستُخدم كواحد من أبرز دعائم الحرب النفسية على الفلسطينيين. وكان أعلن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مراراً، أنّ «محور نتساريم» هو واحد من أهمّ الأصول الأمنية والاستراتيجية التي لن يتخلّى عنها أيّاً كانت الضغوط والتحدّيات. وترافق ذلك مع آلاف المقالات والتحليلات التي كتبها المحلّلون العسكريون الإسرائيليون عن مستقبل تلك المناطق الشاسعة التي جرى تدمير مبانيها وتسويتها بالأرض. وروّج وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بدورهما، لكون المناطق المشار إليها، ستشهد إعادة ولادة مستوطنة «غوش قطيف» التي انسحب منها الاحتلال عام 2004. لا بل نُظّمت زيارات من لجان استيطانية ووزراء متشدّدين إلى هناك، بالتوازي مع نشر مواد مصوّرة للمواقع الأمنية المستحدثة والطرق المعبّدة الجديدة التي أوحت بأنّ بقاء جيش العدو سيدوم من دون أفق لأيّ انسحاب محتمل.

في تلك المرحلة، كان الغزّيون يشعرون بأنّ «نتساريم» أضحى فاصلاً بين زمانين، مضى الأول منهما حاملاً معه غزة القديمة ذات السيادة والأرض الواحدة المحرّرة، إلى غير رجعة. ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، في 10 تشرين الأول الماضي، بقي «الخط الأصفر» الذي يبتلع إلى الشرق منه نحو 58% من أراضي القطاع، ومن ضمنه أحياء ومدن كاملة، مثل مدينة بيت حانون ومخيم جباليا ومدينة بيت لاهيا، وأحياء الشجاعية والتفاح والزيتون شرق مدينة غزة، والقرارة وبني سهيلا وعبسان شرق محافظة خانيونس، ومدينة رفح كاملة، أكثر ملفات الحرب النفسية والضغط المعنوي التي يتشارك فيها جيش الاحتلال والمؤسسة السياسية والأمنية، ومعهما الكتّاب والصحافيون الإسرائيليون. إذ يُحاط هذا الملف بقدر كبير من الغموض والتصريحات المتناقضة، فتارة يوصف بأنه حدود غزة الجديدة، وتارة أخرى يعلن رئيس أركان العدو، إيال زامير، أنّ الجيش لن ينسحب منه، وثالثة يعلن إعادة التموضع في مناطق أكثر أماناً حوله، تمهيداً للدخول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، التي يُفترض أن تتضمّن انسحاباً إسرائيلياً واسعاً. ووسط ذلك، يدور الحديث عن مشاريع لبناء مجمّعات سكّانية آمنة منزوعة التطرّف والسلاح، ستخضع للسيطرة الأمنية لمجموعات العملاء وسيُسمح لسكان غزة الذين يرفضون حكم «حماس» بالانتقال إليها بعد الفحص الأمني.

وفي ظلّ موجة التسريبات والتصريحات المشوّشة تلك، يبدو الثابت الوحيد أنّ جيش الاحتلال يوسّع، أسبوعاً بعد آخر، حدود «الخط الأصفر»، ناقلاً المكعّبات الصفراء لتلتهم المزيد من المناطق. وسُجّلت في أثناء الشهر الماضي ثلاث عمليات توسعة نُقلت فيها المكعّبات الصفراء غرباً، الأولى في حي الشجاعية حيث وُسّع «الأصفر» ليحاذي مفترق حي الشجاعية، ملتهماً كامل مساحة الحي؛ والثانية في منطقة بني سهيلا، حيث استيقظ سكان مركز إيواء ليجدوا أنفسهم محاصرين بعدما ضُمّت المدرسة التي يسكنونها إلى الخط؛ والثالثة، أمس، في مخيم جباليا، حيث نُقلت المكعّبات الصفراء بضع عشرات من الأمتار إلى الغرب. وتترافق تلك التحرّكات مع عمليات قصف وتمهيد ناري كثيف، وهي تتسبّب في قضم المزيد من المناطق غير الآمنة التي تصبح في مرمى الرصاص وقذائف الدبابات بشكل مستمر، فضلاً عن أنها تسهم في كيّ الوعي الجمعي للسكان، لتثبّت معادلة الارتداد العكسي لفعل المقاومة بوصفها المتسبّب في ضياع نصف مساحة القطاع، عوضاً عن تحرير المزيد من الأرض المحتلة.

مع ذلك، فإنه في «المناطق الصفراء» التي ينشط فيها جيش الاحتلال في تدمير ما تبقّى من منازل، ويبذل مجهوداً يومياً في الكشف عن أنفاق المقاومة، ويبني المزيد من المواقع العسكرية المزوّدة بكاميرات مراقبة ورافعات ودشماً عسكرية، لا يعكس كل ما سلف ذكره، أي مؤشرات على وجود بعيد المدى. لا بل إنّ التجهيزات اللوجستية التي شُيّدت في «محور نتساريم» وإلى جانبه الميناء الأميركي العائم، كانت تتجاوز بعشرات الأضعاف ما تمّ تجهيزه في مناطق «الأصفر». كما أنّ مشاريع إعادة الإعمار في غزة الشرقية، ومعها كلّ ما يتمّ الترويج له عن بناء نواة حكم جديد، تأخذ طريقها يوماً بعد آخر إلى التفكّك والتلاشي، خصوصاً في ظلّ رفض الجهات المانحة، وفي مقدّمها الأميركيون، التعاطي مع مليشيا العملاء، فضلاً عن الرفض الشعبي الجمعي للتعامل مع أي مشاريع إدارة مدنية إسرائيلية في المناطق المذكورة. وإزاء ذلك، سيأخذ «الخط الأصفر» وقته كوضع مؤقّت، مرتبط بالضرورات الأمنية المتعلّقة بالبحث عن الأنفاق، قبل أن يتحوّل إلى عبء أمني سيصار إلى التخلّص منه، ليُطوى مثل مئات المشاريع التي استُخدمت في إطار الحرب النفسية وإعادة تشكيل الوعي الجمعي.