Beirut weather 15.77 ° C
تاريخ النشر December 11, 2025
A A A
لقاء غير عادي بين نتنياهو وترامب
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

في 29 من الشهر الحالي يلتقي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ظروف مختلفة كلياً عن اللقاءات السابقة التي جمعت نتنياهو مع ترامب وسلفه جو بايدن منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وإذا كان اللقاء الذي جمع نتنياهو مع بايدن قبل الانتخابات الرئاسية بأسابيع في تموز 2024، مثل نقطة التحوّل في الحرب الإسرائيلية، التي كانت تعيش خطر الهزيمة، كما قال نتنياهو أمام الكونغرس مناشداً الأميركيين عدم التخلي عن “إسرائيل”، لأن “هزيمتنا هزيمتكم وانتصارنا انتصاركم”، لتبدأ مرحلة الانخراط الأميركي الكلي في حروب “إسرائيل”، بدءاً من الاغتيالات النوعية للقادة وحرب التدمير التي شملت غزة ولبنان، وصولاً إلى حرب أميركية على اليمن وحرب أميركية إسرائيلية على إيران، بما ثبت أنه كان قرار الحزبين الجمهوري والديمقراطي وخيارهما، بحيث إن شيئاً لم يتغير مع انتقال السلطة في البيت البيض من بايدن إلى ترامب، إلا تباهي ترامب بأنه الأفضل في تلبية مصالح وطلبات “إسرائيل” ومستلزمات حروبها، بما في ذلك حمايتها من المساءلة وملاحقة القضاة في المحاكم الدولية الذين فعلوا ذلك.

 

– بعدما اختبرت واشنطن بقيادة الرئيس ترامب نتائج مشاركتها في حروب “إسرائيل” بصفتها حروباً أميركية، وواشنطن لم تنسَ لحظة أنه صاحب القرار وأن “إسرائيل” في النهاية تخوض حرب أميركا، لكن خطة الحرب وحساباتها ووصفاتها هي التي كانت إسرائيلية، كما تكون موازنات المقاولين للمشاريع التي يتم إسنادها إليهم، وفي الحصيلة أجرت واشنطن قراءتها لعائدات الحروب من خلال ما تضمنته وثيقة استراتيجية الأمن القومي، بما هو أشدّ وضوحاً وثباتاً من أي تعليق أو تصريح أو موقف، وجوهر الوثيقة يقوم على إنهاء زمن التورط في حروب خارج المدى الجغرافي الحيوي للأمن القومي الأميركي، الذي حدّدته الوثيقة بحدود القارة الأميركية، شمالها وجنوبها.

 

– توصيف الوثيقة للمنطقة كما حدّدته نصوصها يتضمن، كما تلخصه الصحف الأميركية، تأكيد تراجع أولوية المنطقة، حيث لم يعد يُنظر إلى الشرق الأوسط على أنه مسرح الصراعات الملتهب الذي يتطلب انخراطاً عسكرياً أميركياً واسع النطاق، وتراجعت أولويته مقارنة بمناطق أخرى مثل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي المنطقة تؤكد الوثيقة على ما تسميه بمنع الهيمنة عبر السعي إلى منع قوة معادية (مثل الصين أو روسيا أو إيران) من الهيمنة على المنطقة ومواردها وممراتها المائية الحيوية، وثالثاً تدعو الوثيقة إلى تجنب “الحروب الأبدية” عبر التأكيد على سحب القوات والحدّ من التدخلات العسكرية المباشرة وطويلة الأمد التي لا تخدم المصالح الأميركية الحيوية، ورابعاً بناء الشراكات الاقتصادية من خلال التركيز على تعزيز الشراكات الاقتصادية والاستثمارات المتقدّمة بدلاً من الوجود العسكري المكثف وخامساً التعامل مع التهديدات الإقليمية من خلال العمل على الحد من نفوذ إيران وتأثير ما تصفه بشبكة وكلائها على المصالح الأميركية وحلفائها في المنطقة كتهديد مستمر يجب التعامل معه، و سادساً دعم الحلول الدبلوماسية والتأكيد على أهمية العمل الدبلوماسي لحل النزاعات، مثل الصراع العربي الإسرائيلي والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.

 

– بالنسبة لبنيامين نتنياهو، تمثل هذه الوثيقة انتكاسة كبرى لمفهوم الحروب التي لم تنته بالنسبة إليه، فهو بالرغم من كل الخسائر التي ألحقها بخصومه بدعم أميركي لا محدود وغير قابل للإنكار، لم ينجح بحسم عسكري في أي جبهة من جبهات الحرب الممتدة من غزة إلى لبنان والعراق وسورية واليمن وصولاً إلى إيران يتيح له فرض شروط الاستسلام، ولذلك تتمثل استراتيجيته عبر السعي لمواصلة كل الحروب غير المنتهية والتي يستحيل مواصلة أي منها دون انخراط أميركي أعلى من الانخراط السابق الذي تريد واشنطن الانسحاب منه، وحيث يبدو طبيعياً اختلاف مفهوم وشروط التفاوض والتسويات بين مَن يريدها منصة لمواصلة الحروب ومن يريدها منصة للانسحاب من الحروب، ويعرف نتنياهو وفقاً للوثيقة التي صدرت قبيل زيارته واشنطن بأيام، أن أهميّة مكانة السعودية ومصر وتركيا في زمن الوثيقة ربما تكون أعلى مرتبة من مكانة “إسرائيل”، من زاوية الحاجة الأميركية في مفهوم المصالح الاقتصادية والتسويات والخروج من الحروب، دون أن يعني ذلك التخلي عن “إسرائيل” ومصالحها، لكن دون أن يؤدي التمسك بأمن “إسرائيل” وتفوّقها إلى خوض الحروب وفق الفاتورة الإسرائيلية، وإذا كانت أميركا تحتاج إلى القبول الإسرائيلي كي تطبق منهجيتها الجديدة فإن “إسرائيل” تحتاج إلى أميركا في كل شيء أكثر من أي زمن مضى، خصوصاً أن جيشها يحتاج إلى هدنة طويلة كي يعيد بناء قدراته، ولا يمكن الاعتماد على واشنطن بخوض الحرب بالنيابة عنه، ولا إمكانية لإعادة البناء دون أميركا.

 

– لن تنتهي زيارة نتنياهو كما انتهت زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بالطرد من البيت الأبيض، لأن العلاقة بين أميركا و”إسرائيل” ليست كالعلاقة بين أميركا وأوكرانيا، ولأنه ليس في مواجهة “إسرائيل” روسيا الحازمة في شروط حربها، والقادرة على خوضها، وليس بيئة عربية مفككة وهشّة ومستعدة دائماً للمساومة، ولأن وراء أوكرانيا أوروبا التي تعتبر حرب أوكرانيا وجودية لها، بينما تقف أوروبا وراء ترامب في سعيه لإيقاف حروب الشرق الأوسط، وحكوماتها تحت ضغط شوارع ملتهبة لصالح التضامن مع فلسطين، ولذلك سوف ينتهي اللقاء بالتفاهم، لصالح أرجحية الموقف الأميركي، ويحصل نتنياهو على تعهد ترامب بضمان حصول نتنياهو على العفو من المثول أمام القضاء الإسرائيلي، ومجموعة ضمانات مالية تسليحية وتعديلات على الخطط التفصيلية للتسويات يحملها نتنياهو في جيبه بالنسبة لكل من جبهات غزة ولبنان وسورية واليمن وإيران.