Beirut weather 14.65 ° C
تاريخ النشر November 30, 2025
A A A
على حافة التاريخ: لبنان بين الضوء والظلال
الكاتب: سارة هنداوي - الديار

بيروت تقف اليوم على عتبة لحظة استثنائية، تنتظر ضيفًا يحمل رسالة وحدة وأمل في قلب بلد يرزح تحت أزمات متراكمة. الشوارع هادئة نسبيًا، لكن كل زاوية تحكي قصة انتظار: صور البابا ليون الرابع عشر على واجهات المقاهي، الشموع التي أعدّها السكان لتضيء الطريق، والوجوه المتأملة بغد مجهول.

“حتى قبل أن يخطو قدماه لبنان، نشعر أن وجوده يضع السؤال الكبير أمام الجميع: هل سنستطيع أن نصغي لبعضنا بعضا قبل أن ينفجر كل شيء؟”

الأطفال يقفون بانتظار لحظة المشاهدة، الكبار يتبادلون نظرات صامتة، والشباب يلتقطون الصور ويخططون لمشاركة هذه التجربة مع من يحبون. بيروت لم تعد مجرد مدينة، بل مشهدا حيّا من الترقب الذي يعكس أحوال بلد يصارع الحياة وسط أزمات سياسية واقتصادية وأمنية.

الشوارع تنبض بالانتظار

قدوم البابا ليس مجرد حدث ديني، بل رمزا سياسيا وإنسانيا يحث على الحوار والوحدة. لبنان يعيش انقسامات عميقة: حكومة متعثرة، مجلس نواب متوقف، أحزاب متنازعة، ومخاوف من تصعيد أمني وإقليمي. وجود شخصية عالمية كهذه يضع لبنان في دائرة الاهتمام الدولية، محذرًا من أن استمرار الجمود قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى.

الأهالي يتهيؤون للغد: الأطفال يلوّحون بالصور، الشموع تضيء الأرصفة، والشباب يهمسون بأن هذه اللحظة الرمزية ربما تكون الأخيرة قبل اختبار حقيقي لقدرة لبنان على تحويل الأزمات إلى حوار وبناء.

بعد تاريخ طويل

زار البابا تركيا، وشارك في احتفاليات تاريخية تحمل رسائل وحدة بين الكنائس والمذاهب. الرحلة تمنح لبنان بعدًا عالميًا ورمزيًا: هو قلب مشروع مستمر للسلام والتضامن. رسائل أسلافه من يوحنا بولس الثاني إلى فرانسيس تتجدد، معبرة عن دعم الشعوب المضطربة، وكأن لبنان على موعد مع فصل جديد من هذه الرسائل قبل أن تتحول الدلالة الرمزية إلى واقع ملموس.

مرفأ بيروت: رمز الألم والأمل

مرفأ بيروت يبقى رمزًا للألم والأمل معًا. المباني المتضررة من انفجار 4 آب، مشاريع إعادة الإعمار البطيئة، وأصوات الأهالي الذين فقدوا أحبائهم، كلها عناصر تجهّز المشهد النفسي والرمزي للزيارة.

“ننتظر غدًا وكأن كل أوجاعنا ستجد من يسمعها… حتى قبل أن يخطو البابا قدماه هنا.”

الأطفال، رغم براءتهم، يشعرون بثقل اللحظة. بعضهم يهمس لرفاقه:

“غدًا سنتذكر هذا اليوم كل حياتنا”، وكأنهم يدركون أن الدلالة أحيانًا تكون أعمق من الواقع الفعلي.”

ما هو مصير لبنان بعد رحيل البابا: السؤال الأكبر

حتى قبل وصوله، الرسالة التي يحملها تمنح اللبنانيين شعورًا مؤقتًا بالأمان، وكأن المدينة نفسها تتنفس لحظة توقف عن الخوف. لكن السؤال الأكبر يلوح في الأفق: ماذا سيحصل بعد مغادرته؟ هل ستبقى رسالته مجرد ذكرى مؤثرة، أم ستفتح مجالًا لحوار فعلي يعيد ترتيب الأولويات الوطنية؟

لبنان يقف على مفترق طرق حساس: الانقسامات السياسية العميقة، حكومة عاجزة، مجلس نواب متوقف عن اتخاذ أي قرار حاسم، كلها عوامل تجعل البلاد عرضة لأي تصعيد داخلي. ومع التهديدات الإقليمية، خصوصًا التوترات مع إسرائيل على الحدود، تصبح المخاطر أكبر مباشرة بعد مغادرته، وكأن لحظة السلام الرمزية ستُختبر فعليًا أمام الواقع.

الشعب قبل البروتوكولات

المشهد من الأرض قبل وصول البابا واضح: تجمعات شعبية، أطفال ونساء وشباب يتهيؤون لليوم الكبير، كل زاوية تنبض بالحياة والانتظار. الصور الصغيرة، الزغاريد الخافتة، والشموع المشتعلة في اليدين، تخلق لحظة حافلة بالتوتر والتفاؤل معًا.

الشباب يتحدثون عن الخوف من أي تصعيد محتمل وعن الرغبة بأن تتحول الرسائل الرمزية إلى خطوات فعلية تعيد الفرص لمستقبلهم.

لبنان على مفترق السلام والحرب

حتى قبل وصوله، زيارة البابا تحمل بعدًا سياسيًا حساسًا: لبنان يعيش على حافة أزمات داخلية وخارجية، والتوترات مع إسرائيل تزيد من ثقل كل كلمة وحركة. الشعب يشعر بالخوف من الحرب، وفي الوقت نفسه يعلق أمله على الرسائل الإنسانية والدينية للزيارة.

الأسئلة الكبرى: هل ستترجم زيارة البابا إلى خطوات فعلية نحو الحوار؟ هل ستنجح الرسائل الرمزية في دفع الأطراف اللبنانية إلى تخفيف الانقسامات؟ وهل سيصبح لبنان قادرًا على مواجهة مخاطر الحرب والسيطرة على أزماته الداخلية؟

بين الضوء والظل

زيارة البابا ليست مجرد حدث ديني؛ هي اختبار للبنان بأكمله. في كل شارع وزقاق، يتردد صدى الغد المجهول: الأطفال يحدقون بعينين مفتوحتين، الشباب يتساءلون، والأهالي يتأملون مستقبل وطنهم بعد رحيله.

السؤال الأكبر يلوح أمام الجميع: هل ستتحول الرسائل الرمزية إلى خطوات فعلية تحمي لبنان من الانقسامات والمخاطر الإقليمية، أم أن الظلال ستبتلع الضوء بمجرد مغادرته؟

هي دعوة صامتة لكل لبناني: هل سنحوّل هذه اللحظة إلى فعل قبل أن يغادر الضوء ويحل الظل؟ هل نمتلك الشجاعة لنثبت أن وطننا قادر على الصمود؟

لبنان يقف مترقبًا، على مفترق الأقدار، متشبثًا بفرصة لإعادة بناء نفسه، متسائلًا عن قدرته على مواجهة كل اختبار آتٍ.