Beirut weather 24.1 ° C
تاريخ النشر November 28, 2025
A A A
سنة على وقف النار أسقطت الـ 1701
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

عندما يتحدث بعض النواب اللبنانيين من حزب القوات اللبنانية والتغييريين عن أن نزع سلاح المقاومة في كل لبنان شرط لوقف الاعتداءات الإسرائيلية يشبهون حديثاً مفترضاً عن أن إلغاء الطائفية في اتفاق الطائف كان شرطاً لوقف الحرب الأهلية، والفرق كبير بين أن يكون حصر السلاح بيد الدولة هدف لاتفاق وقف إطلاق النار، كما كان هدفاً للقرار 1701 وهدفاً في اتفاق الطائف نفسه، وكما هو انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وانتخاب مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف هدف وإلغاء الطائفية هدف في اتفاق الطائف. وإذا أردنا دقة التشبيه فإن حصر السلاح هدف مشروط بتحقيق الانسحاب إلى ما وراء الخط الأزرق ووضع استراتيجية للدفاع الوطني، وفقاً لخطاب القسم والبيان الوزاري، كما أن إلغاء الطائفية رهن تشكيل الهيئة الوطنية التي تضع خطة مرحلية لتحقيق الهدف، ومثلما كان انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني هدفاً مشروطاً بالتحقق من الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق وفقاً للقرار 1701، وصار شرطاً لتحقيق الانسحاب ووقف النار بالإشارة إلى حدوثه فوراً في اتفاق وقف النار، بعدما كانت الإشارة إلى الانسحاب ووقف الاعتداءات بالحدوث فوراً في القرار 1701، والكلام السياسي بخلاف ذلك كذب ونفاق وتلاعب بالوقائع ومحاولة توظيف سياسي لتصفية الحساب وخدمة أجندات بعيداً عن الحقيقة.

 

بعد سنة على وقف إطلاق النار يجب القياس على الأهداف الحقيقية والشروط الحقيقية وليس على تقولات القوالين، والواضح أن القراءة الأميركية للاتفاق تغيّرت خلال سنة، وأن القراءة الإسرائيلية للاتفاق تغيّرت خلال سنة، وأن القراءة اللبنانية لا تزال حيث كانت قبل سنة، ولذلك تبدو “إسرائيل” ممسكة بزمام المبادرة وتبدو أميركا غير منزعجة من تعثر الاتفاق، ويبدو لبنان حائراً تائهاً بلا رؤية، لأنه لا يزال يتعامل مع الموقفين الإسرائيلي والأميركي وكأن ما كان صالحاً قبل سنة لا يزال صالحا بعدها، فما الذي تغيّر؟

 

ما لا ينتبه إليه أغلب اللبنانيين هو أن وقف إطلاق النار جاء ثمرة لقناعة أميركية إسرائيلية بلا جدوى مواصلة الحرب بعد بلوغ الحرب البريّة ذروتها وعجز القوات الإسرائيلية عن إحداث اختراق جدي في الجبهة، بالرغم من كل الخلل الذي فرضه الإسرائيلي في مجالي القدرة النارية والاستخبارية والتكنولوجية والمفاجآت التي أحدثها والأضرار التي تسبب بها للمقاومة، في زمن قياسي. وهذا العجز حقق التوازن الذي أنتج الاتفاق مع تغيير بالموازين عن 2006 ما رتب تعديلاً بأولويات لانسحاب بين “إسرائيل” وحزب الله، وبعدما كان الانسحاب الإسرائيلي في الـ 1701 فوراً وانسحاب المقاومة من جنوب الليطاني مشروطاً به، صار انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني فوراً والانسحاب الإسرائيلي مشروطاً به.

 

رغم الشروط المثالية للفوز بالحرب وفرض نزع السلاح كشرط فوري لوقف الحرب، كما فرض الانسحاب من جنوب الليطاني، فشل الجيش الإسرائيلي بالفوز لأنه عجز عن ربح الحرب البرية، ولأن هذا العجز تمّ في ظروف أفضل لصالح “إسرائيل” قبل عام فمن الصعب تصديق أن تعود “إسرائيل” إلى حرب لا تحسم دون الفوز بالحرب البرية في ظروف أسوأ، لا تملك فيها فرص تصنيع مفاجآت بحجم ما فعلت قبل سنة، من البيجر إلى اللاسلكي واغتيال القادة وصولاً للسيد حسن نصرالله وتدمير المقدرات، والجيش الذي يفترض به خوضها فقد الكثير من عناصر قوته قبل سنة خلال حرب غزة، ومجتمع داخلي وخارجي فقد الكثير من الاستعداد للمزيد من الحروب.

 

منذ اتفاق وقف النار حدثت ثلاثة تحوّلات، إعادة تكوين السلطة في لبنان تحت الرعاية الأميركية، وسقوط سورية، ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتغيّرت “إسرائيل” من الداخل لصالح مزيد من التوراتية على حساب البراغماتية ولصالح الحاجة إلى صورة نصر تبرر وقف الحرب، وكذلك لصالح الحاجة للتخلص من أي سلاح في الجوار يمكن أن يشكل تهديداً يوماً ما بعد تجربة الطوفان وجبهة الإسناد، ووجدت “إسرائيل” بالتغيرات الحاصلة فرصة لتعديل مقاربتها من الضغط لمقايضة تنفيذ الاتفاق بنزع السلاح، إلى التمسك بالحصول على ترتيبات في الجغرافيا اللبنانية والجغرافيا السورية لها صفة الديمومة، مستفيدة من تغير أميركا بالاتجاه ذاته نحو إنكار معيار الحدود المعترف بها دولياً لصالح مفهوم الحدود المفيدة والحدود الآمنة، أي حدود السيطرة على الثروات والتمدّد في البر والتمادي في الأجواء، وهو ما يفسّر ما يحدث في سورية، رغم الاحتضان الإقليمي والأميركي للحكم الجديد وارتضاء الحكم الجديد لمسار التفاوض دون اشتراط استعادة الجولان المحتل كنهاية للطريق.

 

لا يزال أغلب اللبنانيين في الحكومة والبرلمان وعبرهما في الوسط السياسيّ يسخرون من الحديث عن أطماع إسرائيلية، وعن لا جدوى مقاربة المقايضة بين السلاح والانسحاب، ويعيشون وهم الاعتقاد بأن نزع السلاح ولو لم يكن واجباً وفق اتفاق وقف النار فهو كفيل بتحقيق الانسحاب الإسرائيلي، ولا يزالون يعتقدون بأن “إسرائيل” قادرة على شنّ حرب وسوف تفعل، ويعتقدون أن لكلمة الشرعية الدستورية والدولية مفعولاً سحرياً في واشنطن وتل أبيب يغني عن التفكير من خارج الصندوق بكيفية مواجهة تحديات جدية لا يفيد ولا يجدي التذاكي ولا الرهان على ألعاب صغيرة لتحقيق مكاسب صغيرة في التعامل معها.

 

الإسرائيليون والأميركيون يدركون الأوهام اللبنانية ويعاملونها كجرح يضغطون عليه حتى يخضع لبنان ويقبل بالتدريج، من التفاوض فيمنح شرعية للتفاوض السوري ويستر عوراته، ثم الضغط لنزع السلاح ولو أدّى ذلك إلى حرب أهلية، والخبرة الأميركية الإسرائيلية مع الهبل والجنون اللبنانيين تقول إن ذلك ممكن، ثم تفتح الملفات الحقيقية حول المياه والنفط والحدود الجاهزة للتوقيع ويقدّم الأميركي القلم للتوقيع، ولهذا يتمّ التريث في سورية حتى ينضمّ لبنان، لأن المنطقة قد لا تتحمل فضيحة واحدة، لكن فضيحة قد تستر عورة فضيحة أخرى، فهل يعرف اللبنانيون والسوريون كيف يتعاملون مع نقاط الضعف الأميركية والإسرائيلية، وهل هم مقتنعون بأن هذه أولويات تتقدّم على صغائرهم؟

 

يريد الإسرائيلي بدعم من الأميركي التفاوض على اتفاق جديد لأنه يريد تكريس سقوط الـ 1701، ولذلك على لبنان التمسك به لا التصرّف كما فعل مع مؤامرة إنهاء مهام اليونيفيل؟