Beirut weather 14.65 ° C
تاريخ النشر November 15, 2025
A A A
لبنان بين الرياح الساخنة والرياح الباردة
الكاتب: نبيه البرجي

كتب نبيه البرجي في “الديار”:

بين كل المبعوثين الأميركيين الى لبنان، على مدى العقود الستة المنصرمة، لم نجد مبعوثاً بقذارة ووقاحة توم براك الذي من أصل لبناني، و “الاسرائيلي” أكثر من “الاسرائيليين”، وهو الذي يفتقد الحد الأدنى من الحس الديبلوماسي، أيضاً من اللغة الديبلوماسية. تصوروا أن يهدد بالحاق لبنان ببلاد الشام اذا لم يستجب للشروط الاسرائيلية، لكأنه الحاكم العرفي، لا الوسيط بين الدولة اللبنانية والدولة العبرية.

الآن تهديد آخر، من خلال مواكبته المباشرة لمحادثات الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، قال ان “دمشق ستساعدنا بنشاط (!!) في مواجهة فلول”داعش” والحرس الثوري الايراني وحركة حماس وحزب الله. بداية ما هو الرابط بين “تنظيم الدولة الاسلامية” التي تدعو بالرايات السوداء والسواطير الى اقامة الخلافة، وقطع رؤوس كل من يخالف ثقافة تورا بورا، وحزب الله كحركة مقاومة ضد الغزاة، سواء من الشمال أم من الجنوب؟

واذا كان الحزب قد قاتل في سوريا، فمن أجل مواجهة “داعش” وغيره من التنظيمات الهمجية، التي لو نجحت في احتلال دمشق، لكانت الرايات السوداء اياها ترفرف على القصرالجمهوري في بعبدا، وعلى السراي الحكومي في بيروت، وكون سوريا هي خط الدفاع عن لبنان، مثلما لبنان خط الدفاع عن سوريا. ولكن ماذا حين تتحول سوريا الى “حالة أميركية”، بعدما شاهدنا مدى مساعدة الولايات المتحدة “لاسرائيل” في حربها البربرية ضد غزة ولبنان، وصولاً الى قصف مبنى الأركان في دمشق، وحتى قصف محيط “قصر الشعب” الذي يقيم فيه الرئيس الشرع.

كلام براك الذي نشره عبر منصة “اكس” رأت فيه أكثر من جهة اعطاء الضوء الأخضر، وبمؤازرة عسكرية من واشنطن أو من “تل أبيب”، الى الشرع للدخول الى لبنان من أجل تفكيك حزب الله. بطبيعة الحال الدخول من البقاع الشمالي والبقاع الشرقي، لتتكرر مذبحة الساحل ضد العلويين، ومذبحة السويداء ضد الدروز، ضد الشيعة في البقاع، ما دمنا نعلم الطبيعة “الداعشية” للبنية الايديولوجية للسلطة الحالية في سوريا، وكذلك التشكيل الفسيفسائي للفصائل (الايغور والأوزبك والشيشان)، ناهيك بـ “الفزعة” لكأننا في الزمن الجاهلي.

في هذه الحال، كيف يمكن الضغط على حزب الله لتسليم سلاحه ؟ لا شك أن الرئيس جوزف عون قد قرأ ما قاله براك، وكذلك الرئيس نواف سلام، وأصحاب المعالي الوزراء. حتى الساعة لا مؤشر على انسحاب “الاسرائيليين” من أرضنا، ووقف الغارات التي تقتل مواطنين لبنانيين لا مواطنين بنغاليين…

كلام خطِر للمبعوث الأميركي (واقعاً… المبعوث الالهي)، لتتفاوت الآراء حول قراءته. أهو للتهويل أم للتنفيذ ، ما دام يعكس خلاصة ما جرى في المكتب البيضاوي، الذي بدا خلال المحادثات كما لو أنه غرفة عمليات لادارة التطورات السياسية والعسكرية المقبلة، وبعدما بات لبنان بالكامل بين فكي الكماشة الأميركية، ما يجعله أمام احتمالات بالغة الحساسية وبالغة التعقيد، اذا لم تنجح المبادرة الديبلوماسية التي لا تزال قيد الاعداد (الصعب)، في اختراق هذا المشهد الأبوكاليبتي.

كلام براك تزامن مع كلام رجل دين شيعي عرف بعلاقاته الاستخباراتية المتعددة، والذي يقول فيه ألاّ مكان للشيعة في البقاع ولا في الضاحية، مكانهم الوحيد في الجنوب أي داخل “القفص الاسرائيلي”، ما يستدعي السؤال: ما دمنا ما زلنا تحت مظلة التغيير (تغيير الشرق الأوسط)، الى أين بعد الجنوب، بوجود قوى سياسية وطائفية لبنانية تعتبر الشيعة كعالة على المعادلة الداخلية؟ ولكن ألا يشبه لبنان البيت الصيني، الذي اذا سقط عمود منه سقط البيت كله؟

لبنان بين الرياح الساخنة والرياح الباردة. “يديعوت أحرونوت” كتبت ان “الجيش الاسرائيلي” “يستعد لتنفيذ عملية هجومية على حزب الله، وهي تتضمن سلسلة من الغارات على منشآت انتاج الأسلحة في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في سهل البقاع وبيروت”، ضمناً استئناف الحرب. لكن شخصية بارزة داخل الثنائي اعتبرت، أن “البازار الدولي” قائم على قدم وساق حول توزيع مناطق النفوذ، كما أن براك تحدث مع الفرنسين حول ترسيم الحدود البرية، ما يعني أن “تل أبيب” ماضية في سياسة التهويل، فيما يقول السفير السعودي وليد البخاري ان لبنان “مقبل على خير كبير، ولا أرى تشاؤماً”.

لكن كم يبدو المشهد سريالياً، حين يكون بنيامين نتنياهو هو من يقف عائقا دون المضي في المسار الذي اعتمده البيت الأبيض. قال تعقيباً على تلك المحادثات “ما يعنيني في ما يتعلق بأحمد الشرع ، هو ما يحدث على الأرض في سوريا اذا كانت ستصبح مسالمة (أي مستسلمة)، وايضاً اذا كان يعمل معي من اجل اقامة منطقة منزوعة السلاح في جنوب غربي سوريا”. ماذا يعني ذلك سوى أن تكون دمشق في قبضة “الحاخامات”؟

الرئيس الشرع الذي بات من دون جيش، سوى قبائل ياجوج وماجوج، والذي يدرك لماذا حمل على الأكتاف الى القصر، قد يكون جاهزاً لفعل ذلك ؟ قناعتنا أن الرئيس عون، بالامكانات العسكرية المحدودة، وبالضغوط الداخلية والخارجية على السواء، لن يسير على خطى دمشق، التي نخشى أن يكون الطريق اليها الطريق الى أورشليم…

مفترق طرق، صحيح. متى يخرج اللبنانيون من هذا الجنون الطائفي والجنون السياسي، ويدركوا أن لبنان في مهب الرياح. خندق واحد، والا مقبرة واحدة!!