Beirut weather 16.85 ° C
تاريخ النشر November 3, 2025
A A A
90 شاحنة بدلاً من 400: العدو «ينظّم» التجويع
الكاتب: يوسف فارس

 

كتب يوسف فارس في “الأخبار”

لم يفضِ وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ منذ 20 يوماً، إلى تحسّن الوضع المعيشي في قطاع غزة. فالاتفاق الذي كان يُفترض أن يسمح بدخول 400 شاحنة من المساعدات يومياً إلى القطاع، أفرغه العدو الإسرائيلي من مضمونه، وذلك عبر التلاعب بأعداد الشاحنات التي تدخل عبر معبر «كرم أبو سالم»، بعد فحص وتدقيق يستغرقان وقتاً طويلاً. وهكذا، تقلّص عدد الشاحنات التي تدخل يومياً إلى ما متوسّطه 90 شاحنة، وهو العدد نفسه الذي سُمح بعبوره عقب المجاعة الثانية، في أثناء عملية «مركبات جدعون»، وصولاً إلى العملية البرّية على مدينة غزة.

مَن يجُبْ أسواق القطاع، يدرك أنّ ثمّة إدارة غير عشوائية لنوعية البضائع التجارية المسموح بدخولها. فالمحال التجارية تتكدّس فيها أنواع ثانوية من البضائع – على حساب المواد الأساسية -، من مثل الشوكولاتة والمشروبات الساخنة (النسكافيه والكابوتشينو والقهوة)، وشتّى أنواع المعلّبات والأجبان المصنّعة والمسلّيات كالتشيبس والمكسّرات، بينما لم يُسمح حتى بعد 20 يوماً من الاتفاق، بدخول كمّيات وافية من اللحوم والخضار والبيض. كذلك، لا يزال كيلوغرام اللحم يُباع بنحو 30 دولاراً، وكيلوغرام اللحوم البيضاء بنحو 40 دولاراً. أمّا البيض، فأصبح محلّ تندّر الأهالي حول سبب منعه؛ «فهل يدخل في صناعة قذائف الياسين 105» مثلاً؟!

هذا الواقع علّق عليه الناشط الحقوقي، عبد الله شرشرة، بأنه استمرار لمسلسل الإبادة، قائلاً في منشور له على «فيسبوك»، إنّ «جزءاً من أدوات الحصار اليوم، يتمثّل في السماح بدخول عدد كبير من السلع التي تتكوّن بشكل أساسي من الكاربوهيدرات والسكّريات والنشويات والمسلّيات، مثل القهوة والشوكولاتة والبوظة ومكوّنات الحلويات، وذلك بهدف إجبار المواطنين على تناول سلع ذات سعرات حرارية مرتفعة، بحيث ترفع الوزن الظاهري وتخفي ملامح التجويع الذي مورس على الفلسطينيين طوال 700 يوم».

تنتشر سلع ذات سعرات حرارية مرتفعة ترفع الوزن الظاهري وتخفي ملامح التجويع

ويسرد شرشرة تجربته الشخصية، قائلاً إنه فقد 20 كيلوغراماً، من وزنه في أثناء سنتَي الحرب، لكن وزنه الآن يزيد لأنه مجبر على تناول ما توفّر من أطعمة، تحتوي على السكّريات المرتفعة والدهون، ولا تعوّض قيمة البروتين ولا الفيتامينات ولا المعادن الأساسية اللازمة، لمنع سوء التغذية الحقيقي. ويضيف «أنهم يجبروننا بشكل ممنهج على رفع أوزاننا حتى يثبتوا للأمم المتحدة أنّ المجاعة قد انتهت. ويمنعون دخول اللحوم إلا بكمّيات ضئيلة جدّاً، بينما يغرقون الأسواق بجبنة الموزاريلا».

هذا النسق من الإدارة البنيوية للجوع، يجري استثماره إعلامياً من قبل فرق الدعاية الإسرائيلية، على نحو مدروس، إذ نشرت صفحات الضباط الإسرائيليين، مشاهد من غزة للبسطات والمتاجر الممتلئة بالبضائع ومحلات الحلويات، التي افتتحت أبوابها مؤخّراً ومطاعم الشاورما، وهو ما يُراد عبره الادّعاء أنّ إسرائيل، لا تتسبّب بتجويع القطاع. أمّا في الواقع، فإنّ شحّ كمّيات الخضروات والفواكه التي يُسمح بإدخالها ومعها كمّيات اللحوم الشحيحة، وغياب البناء الاقتصادي المنظّم، أسهما في عشوائية الأسواق ورفع أسعار السلع بما يتجاوز القدرة الشرائية للأهالي، الذين أثقلهم النزوح والمجاعات المتلاحقة.

ويقول الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، إنّ «ما يجري منذ وقف إطلاق النار جريمة بحق السكان. حتى اللحظة لم تنخفض الأسعار إلى وضع يسمح لكل طبقات المجتمع، بتناول الخضروات والفواكه واللحوم». ويضيف: «عامل الندرة في اللحوم، يرجّح أولوية استهلاكها لمن يمتلكون المال لشراء اللحم المطهو من المطاعم، حيث أصحاب المطاعم يشترون الكمّية الأكبر من اللحوم.

أمّا بالنسبة إلى الفواكه والخضروات، فلا يزال سعر كيلوغرام البندورة يتجاوز الـ5 دولارات، وسعر كيلوغرام التفاح الـ10 دولارات، وكذلك الموز والبصل وكافة أنواع السلع، وهي أسعار فلكية قياساً بالواقع الذي خلّفته الحرب، إذ إنّ 70 ألف موظف حكومي و250 ألف عامل، وهم السواد الأعظم في الكتلة البشرية العاملة، أضحوا بلا عمل ولا دخل يومي أو شهري».
وفي النتيجة، تمارس إسرائيل، أعلى مستويات إدارة البؤس والمجاعة، وتصنع مشهداً خادعاً، تَظهر فيه بضائع مكدّسة بلا مشترين، وأجسام يزيد وزنها من دون صحة.