Beirut weather 24.1 ° C
تاريخ النشر November 3, 2025
A A A
أميركا التي نحب
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

غداً تجري انتخابات عمدة مدينة نيويورك التي يبدو محسوماً أن الفوز فيها سوف يكون من نصيب المرشح الشاب زهران ممداني، الذي يوصف في وسائل الإعلام الأميركية بالمسلم الاشتراكي المعادي لـ”إسرائيل”، والتوصيف الذي يُراد له أن يبدو تعريفياً هو في الحقيقة محاولة لشيطنة ترشيح ممداني والقول للناخبين في مدينة المال وول ستريت إن اشتراكياً سوف يكون عمدتهم، والقول للناخبين في المدينة التي يسكن فيها أكبر تجمع لليهود في أميركا إن معادياً لـ”إسرائيل” سوف يكون عمدتهم، والقول للناخبين في المدينة التي تشكل أهم مدن أميركا وتُسمّى بعاصمة العالم، إن مسلماً هندياً من أصول أوغندية سوف يكون عمدة للمدينة التي يفترض أن ترمز لأميركا المسيحية البيضاء، لكن ممداني الذي يتبنّى هذا التعريف عن نفسه ويرفض إنكاره مسايرة لمقتضيات اللعبة الانتخابية، يتقدّم على حساب منافسيه، ويكسب بالصدق نقاط الربح على جوقة المرشحين المنافقين.

زهران ممداني نجم أميركا الصاعد، يؤكد أن عداءه لـ”إسرائيل” هو عداء للجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية وبحق الفلسطينيين بأموال دافعي الضرائب الأميركيين، دفاعاً عن إنسانية وسمعة يهود نيويورك وسمعة أميركا وأموال دافعي الضرائب من اليهود وغير اليهود، ومنهم يهود نيويورك الذين خرجوا في تظاهرة تأييد ممداني وغزة وفلسطين، ويقول ممداني إن اشتراكيته لا تقوم على نزع ملكيات الأغنياء أو التعدي على ثرواتهم أو تقييد حريتهم الاقتصادية، بل تقوم اشتراكيته على ثلاث قواعد، تحمّل البلدية مسؤولية الخدمات الأساسية عن الفقراء، من نقل وطبابة وتعليم، وتكليف أغنياء نيويورك ضريبياً بسداد ما يتوجب عليهم، ومنع التهرّب الضريبيّ، والقاعدة الثالثة مكافحة الفساد، ورفع الأجور وتخفيض الإيجارات ومنع التشرّد والجوع عبر تأمين العمل والغذاء للجميع.

يروي زهران ممداني حكاية تلقي النصائح بعدم التذكير بهويّته كمسلم، فيقول لا أريد لأي نيويوركي أن يشعر أن عليه شراء شعوره بالأمن بإخفاء هويته وديانته، ويذكر أنه لن يسمح بأن تكون نيويورك مدينته التي يحبّها مدينة تضطر فيها جدته إلى مقاطعة المترو للتخلص من نظرات تسبّب لها الخوف لأنها ترتدي حجابها، وأن هذا شعور لا يجب أن يسكن نفس أي مواطن مسيحي أو مسلم أو يهودي أو لا ديني، فينال بكلامه دعم وتأييد مثقفي وشعراء وكتاب وممثلي وفناني نيويورك من كل الديانات والثقافات والأصول البيضاء والسمراء والسوداء واللاتينيين.

يلبس ممداني الكوفيّة ويتوجه إلى الجامعات التي تعتصم تضامناً مع فلسطين وغزة، من دون أن يقيم حساباً لتأثير ذلك على ترشيحه، ويضحك عندما يستمع للرئيس الأميركي دونالد ترامب يقول إنه ولد في جيل كان قول كلمة مسيئة لـ”إسرائيل” يتسبّب بنهاية مسيرة أي سياسي أميركي، بينما اليوم فإن قول كلمة جيدة بحق “إسرائيل” يكفي لإنهاء مسيرة أي سياسي في أميركا، ويشعر أن الكلام تعبير عن إحباط ترامب من تفاعل النيويوركيين إيجابياً مع ممداني بخلاف توقعات كل العنصريين والفاشيين الذين يساندون “إسرائيل” وجرائمها، ومنهم المتعصبون المحيطون بترامب، بعدما انفك العقلاء والحكماء من حول سياساته الداعمة لـ”إسرائيل”.

غداً تجري الانتخابات ويفوز ممداني، ومن خلفه تيار من الشباب على مساحة أميركا يجتاح منصات السياسة بأفكار تشبه أفكار ممداني، ومثلما يشكل الشباب كلمة السر الأولى في هذه الانتفاضة، تشكل فلسطين كلمة السر الثانية فيها، وقد فاض الطوفان ثقافة وفكراً بين الشباب، فكانت انتفاضات الطلاب في جامعات كولومبيا وهارفرد وسواهما تبشّر بأن النخبة القادمة من صفوف هؤلاء هي مَن سوف يشكّل الصف السياسيّ الأول لأميركا بعد جيل وربما قبل ذلك، ولا نملك أمام هذا المشهد إلا أن نقول هذه هي أميركا التي نحبّ، ننتظر ظهورها على أرض الواقع، ومستعدون للصمود والتحمّل حتى يحدث ذلك، وهو سيحدث بلا ريب، فقد جاوز الظالمون المدى وآن لهذا الليل أن ينجلي.